أحمد كوروجان
فتحت تفجيرات باريس الإرهابية التي تبناها تنظيم داعش والتي راح ضحيتها مئات الأشخاص المجال لنقاشات كثيرة حول الإسلام والإرهاب.
وتساءل أحدهم ما رأي الفقه الإسلامي في ذلك؟ فرد عليه آخر: “إن كتب الفقه ممتلئة بالآراء التي تشرع مثل هذه المجازر”. فهل هذا صحيح؟ لو كان ذلك صحيحا فما الذي يجعل داعش الذي تبنى هجمات باريس، وغيره من التنظيمات المشابهة هامشيةً في العالم الإسلامي ذي المليار ونصف المليار من البشر؟
وأود التطرق إلى بعض المواضيع المتعلقة بالسلفية وداعش والإرهاب والفقه من خلال أسئلة وأجابات قصيرة وواضحة.
1- داعش يصور نفسها على أنه سلفي. فما هي السلفية؟
السلفية نسبة إلى السلف الصالح وهم الصحابة والتابعون ومن اقتدى بهم. ويُطلق مصطلح السلف على الفرد والجماعة، ويرى البعض أن السلف يشتمل على جيل أو جيلين. وثمة مصطلحان في هذا الباب، وهما أهل الحديث، ويُطلق عليهم أهل الأثر، وأهل الرأي. فأهل الحديث هم الذين يرون أن الحفاظ على الدين،يتحقق من خلال اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين في منهج حياتهم.وأكثر ما ينعكس عن هذا الرأي هو عدم إعمال العقل والرأي في أي موضوع، والتزام النص الحرفي في القرآن والسنة، واتباع آراء الصحابة والتابعين كما هي.
أما أهل الرأي فيتقبلون النص، ويرون أن النصوص المحدودة لا تكفي لشرح الأحداث غير المحدودة. ولذا يفسرون النصوص بطريقة غائية حسب قواعد منهجية معينة. والتفسير الغائي يعني اكتشاف مقاصد الله ورسوله، وليس الفهم الحرفي للنص. وهذا النوع من التفسير يختلف عن التفسير الإشاري والتفسير الباطني لأنه يبقى في إطار أسس منهجية محددة.
أما مصطلح السلفية لدى داعش وأشباهه، فقد ظهر في أوقات ابتعد الناس فيها عن الإسلام في مختلف مجالات الحياة. في حين أن هذا المصطلح استُخدم كثيرا في كتب ابن تيمية وابن القيم الجوزية. والمعنى المقصود واضح، وهو تنقية الإسلام من البدع، وإعادته إلى أصله وصفائه ونقائه كما كان في عصر الصحابة والتابعين. والسبيل الوحيد لتحقيق ذلك عندهم هو الالتزام بظاهر النصوص من القرآن والسنة النبوية الشريفة، وعدم الإتيان بتأويلات وتفسيرات لم تظهر لدى الصحابة والتابعين. وهؤلاء يرون أن أهل الرأي يرتكبون خطأ فادحا في هذا الباب.
2- أليس للعقل أية أهمية أو أي دور عند السلفيين؟ وهل أجاب القرآن والسنة وما روي عن الصحابة والتابعين عن شتى الأسئلة حتى يوم القيامة؟
بالنسبة لهم العقل نوعان: العقل الصحيح، وهو عقل الجيلين الأولين (الصحابة والتابعين) الذي فسر القرآن والسنة. أما العقل الآخر الذي لا ينتمي إلى هذين الجيلين فهو ملزم بالإدراك والتصديق فقط. فإن تعارض العقل والنقل فهم يرجحون النقل. كما يرون أن القرآن والسنة والجيلين الأولين قد أجابوا عن كل المشاكل التي قد تُطرح إلى يوم القيامة. وأن عدم الإيمان والتسليم بذلك يعني تفضيل الآراء الأخرى على أحكام الله ورسوله، وأن الذين يرون ذلك كفار أو مرتدون.
3- ما رأيهم في المقولة المشهورة “من لا عقل له لا دين له”؟
العقل عندهم يعمل حتى الدخول في الإسلام، فبعد الدخول في الإسلام يجب على المسلم أن يسلم عقله للسلف الصالح. فإن لم يذكر القرآن والسنة بعض الأحكام يجب التسليم بآراء العلماء السلفيين والعيش وفق آرائهم.
4- أليس السلفيون الذين يعتقدون بهذه الأفكار منفتحين على النقاشات الفكرية؟
لا، لأنهم لا يرون الحق إلا معهم. فيزعمون أن أفكارهم هي الصحيحة، وكل من يخالفهم الرأي فهو ذو معتقد فاسد. وحسب أدبياتهم فهم يشكلون الفرقة الناجية الوحيدة في الآخرة في زعمهم. وكل من يخالفهم كافر أومرتد ومصيره إلى جهنم. ومكافحة الكفار والمرتدين بالنسبة لهم جهاد. وهذه العقلية هي التي يحملها داعش وأشباهه من المنظمات التي تقتل حتى المسلمين بأريحية، حتى إن بعضهم يقولون عن المسلمين الذين يقتلونهم: “إننا طهّرناهم بدمائهم”.
5- هل في كتب الفقه ما يدعم آراءهم هذه؟
عندما يُذكر الفقه، يجب أن نعرف بأن كتب الفقه بغض النظر عما تذكره من العبادات فهي في منظومة حقوقية تكاد تتطرق لكل مجالات الحياة. إذ إنها تحدثت عن الخلافات في الأصول والفروق بين الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية وما إلى ذلك، والفروق بين الأحكام. وهذا ما نجم عنه تنوع المذاهب الفقهية أو المدارس الشرعية.
بيد أننا حين ننظر وفق موضوعنا لتبين لنا أن الظروف السياسية العامة آنذاك تتمثل في الحروب المستمرة بين المسلمين وغير المسلمين. وخير ما يعبر عن هذا المشهد هو المصطلح السياسي “دار الإسلام” و”دار الحرب”. في حين أن الاجتهادات التي يرى البعض كما ذكرنا آنفا بأن داعش يستند إليها في مجازره، كانت قد صدرت في ظروف الحروب المستمرة بين المسلمين وغير المسلمين.
ولكن ينبغي ألا ننسى أن الأحكام التي يستند إليها داعش كي يضفي على نفسه صبغة الشرعية، هي من الناحية الفقهية أحكام مجهولة القائل أو شاذة في أغلبها.
كما أن الأحكام الشاذة مجهولة القائل، متفرقة في كتب الفقه التي لا قيمة لها عبر التاريخ، بحيث يكون العثور عليها صعبا وشاقا جدا كالعثور على إبرة في حقل قطن. وهي مخالفة للمبادئ الإسلامية الأساسية الواردة في القرآن والسنة، ومبادئ أحكام الحروب، والحقوق الأساسية والحريات كحق حرية المعتقد والحياة.