سلجوق جولطاشلي
سألت أحد زملائي الصحفيين البريطانيين عمل لسنوات طويلة ممثلا لمؤسسة صحفية مشهورة ومعتبرة عالميا في بروكسل كما تابع الكثير من الأخبار في العديد من العواصم ويستعد للتقاعد في هذه الأيام عن سبب صمت الاتحاد الأوروبي إزاء تركيا بل إزاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشكل أدق.
وهو أيضا مثلي يبحث في إمكانية عقد الاتحاد الأوروبي قمة مع تركيا في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني أم لا. فحين يوجه أردوغان كل يوم ضربات جديدة للمؤسسات الديمقراطية والحريات، يُغرق الاتحاد الأوروبي حكومة أردوغان بالهدايا، مثلما يفعل بابا نويل، وكأنه يقول لها: “استمري، فأنت في الطريق الصحيح”.
وعلى الرغم أن التقرير المرحلي الصادر عن الاتحاد الأوروبي أشار إلى غياب استقلالية القضاء الذي يُعد أحد الأسس الثلاثة في الفصل بين السلطات. ومع الاستيلاء على مجموعة كوزا- إيبك الإعلامية، وإسكات وحجب 13 قناة تابعة لشبكة سامان يولو الإعلامية، ازدادت الضغوط الإعلامية التي يمارسها أردوغان على الإعلام وسيطرته عليها بنسبة 80 إلى 90%. فخلال الشهر الأخير أصبح أكثر من ألف صحفي بلا عمل، ولكن المسؤول عن توسيع الاتحاد الأوروبي يوهانس هان يتحدث عن بداية جديدة ويقول إنه سيبدأ النقاش في فقرات جديدة مع تركيا.فمن الواضح أن هان لا يتحدث عن تركيا المرشحة للاتحاد الأوروبي، وهو الذي هدّأ الصحفيين، وردَّ بردود ضامنة على تحذير الصحفي ياووز بايدار الذي قال: “لا تكونوا شركاء في الجريمة التي تشهدها تركيا” في مؤتمر “حرية الصحافة في غرب البلقان وتركيا” الذي عُقد في بروكسل منذ عدة أسابيع.
وعندما خرجت تظاهرات حديقة جيزي بإسطنبول، كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد أجلت فتح النقاش حول الفصل الثاني والعشرين بدعوى أن هناك انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وعلى الرغم من كون تركيا الآن أسوأ بكثير مما كانت عليه أثناء تظاهرات حديقة جيزي، فإن ميركل تسعى لدعم القضاء على الديمقراطية في تركيا.
فمنذ عدة أيام نشرت فاينانشيال تايمز خبرا مفاده أن أردوغان أساء لرئيس المفوضية الأوروبية ورئيس وزراء لوكسمبورج السابق جان كلود يونكر. حيث خاطبه أردوغان، عندما احتدمت المساومة على اللاجئين، بقوله “رئيس الوزراء السابق في لوكسمبورج التي لا تزيد مساحتها على مساحة محافظة في تركيا”. وكان يونكر أحد الزعماء الأوروبيين الأشد رفضا لترشح تركيا من أجل العضوية في الاتحاد الأوروبي، وذلك عندما رُشحت دول أوروبا الشرقية الشيوعية لعضوية الاتحاد في 1997. وكان سبب الرفض هو سجل تركيا السيئ في حقوق الإنسان. وكان يونكر نفسه قد قال في البرلمان الأوروبي أثناء المباحثات حول اللاجئين في الشهر الماضي: “علينا ألا نضغط كثيرا على تركيا في مجال حقوق الإنسان، فإن ذلك لا يجدي نفعا، فهي لا تلبي مطالبنا”. وقد أجل إصدار التقرير المرحلي إلى ما بعد الانتخابات بناء على طلب أردوغان، وخفف من حدة انتقاد القسم المتعلق باستقلالية القضاء. وذلك ليس من أجل عضوية تركيا في الاتحاد بل من أجل إقناعها بإنشاء منطقة عازلة للاجئين. ولسان حاله يقول لأردوغان: “لن تنال عضوية الاتحاد على كل الأحوال. فاقبل بمهمة حراسة اللاجئين، كي نمنحك بعض المال”.
وقال زميلي البريطاني المخضرم: “الاتحاد الأوروبي يعرف تفاصيل الأمور كلها. فهو يدرك بأن تركيا لن تصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي، وأن أردوغان غير مكترث بالعضوية أصلا. فالكل يجري خلف المصالح”.
ثم ذكر هذه القصة:
تناقش وزير الخارجية الروسي يفجيني بريماكوف مع وزير خارجية بولوندا برونيسلاو جيرمك الذي طالب بالانضمام إلى حلف الناتو. فقال له: “نحن نعارض بشدة انضمامكم لحلف الناتو، بيد أننا لا نستطيع منعكم من ذلك. وأنتم تعلمون أننا لا نملك القوة التي تمنعكم من ذلك. ونحن نعلم بأنكم تعلمون ذلك. ولكن على الأقل لا تظنوا بأننا سنفرح بذلك”.
أي إن الاتحاد الأوروبي ويونكر وميركل يعلمون جيدا ما يقوم به أردوغان. وأردوغان يعلم أنهم يعلمون ذلك، ولكنه يعلم أيضا أن مستقبل ميركل السياسي مرتبط به.
وإن بروكسل الآن تتغاضى عن كل مبادئها، وتشاهد ما يفعله أردوغان. وتقول له: “على الأقل لا تتوقع أننا سنستمتع بقضائك على الديمقراطية”.