محمد كاميش
تصادر حكومة حزب العدالة والتنمية رؤوس الأموال الصغيرة التي يجمعها الناس في الأناضول بعناء ومشقة. لكن الأمر الذي يبعث على الدهشة هو أن بعض الأوساط والمثقفين الذين يزعمون أنهم إسلاميون يُفسِّرون هذا الموقف بقولهم: “إذا كانت الدولة تريد هذا فماذا عسانا أن نفعل!”.
يصادرون الصحف والقنوات التليفزيونية التي تقدم أخبارا بصورة مستقلة، ويطردون مئات العمال من أعمالهم، لدرجة أن الصحفيين والكتّاب – الذين يدافعون عن الحكومة باستماتة بعدما عينتهم في مناصب هؤلاء المطرودين- ينشرون رسائل عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” ويقولون: “لن نتراجع خطوة واحدة عن هوية الصحفي المسلم”.
والغرابة أنهم يفسرون مثل هذه الإجراءات المجردة من المبادئ والخارجة على القانون والمفتقرة إلى القيم الدينية بشيئ واحد وهو؛ إذا كانت الدولة تفعل ذلك فمن المؤكد أن لديها ما تعلمه مما نجهل نحن وراء هذه الأمور.
الناس الذين قاسوا الويلات وعانوا بطش الدولة لسنوات طويلة ودفعوا ثمن إجراءاتها الظالمة والمتحيّزة يوبخون الأشخاص الذين يعترضون على الظلم المشهود في هذه الأيام قائلين: “من أنتم حتى تعارضون أوامر الدولة. إذا كانت الدولة ترغب في ذلك فما باليد حيلة”.
إننا اليوم أمام مجموعة من التافهين عديمي القيمة يعتبرون مصادرة ممتلكات وأموال الناس أمرًا عاديًّا، ويرون مصادرة الصحف والقنوات التليفزيونية التي تفكر بطريقة مختلفة عنهم أمرًا صحيحًا، بل ويطلقون على أنفسهم أنهم مثقفون.
لاشكّ في أن هؤلاء المثقفين الذين لا يعترضون أبدًا على نظام حكم وسياسة حزب العدالة والتنمية المرتكزة على القوة فقط، ويسعون لتبرئة كل شيء يصدر عنه بذريعة أن الدولة ترغب في ذلك دون تطوير أو تقديم فلسفة للحكم أو فكر أو تعليق، سيسجلهم التاريخ بالخزي والعار.
ألا يوجد شيء يزعج ضمائركم بينما تتم مداهمة رياض الأطفال والمدارس، ويعتقل رجال الأعمال والقائمين بالأعمال الخيرية بسبب تقديمهم منحا مالية للطلاب، وتكبل أيادي المحجبات بالأصفاد دون إظهار جريمة ملموسة؟
في حقيقة الأمر هناك ما يزعجكم أيضا ولكن هل تخافون أن يذهب ما جمعتموه من مصالح دنيوية أدراج الرياح ويكون هباء؟ هنا يتوجب أن نسأل: “ما هو الفرق إذن بينكم وبين أهالي الشام في عهد معاوية؟”.
إن ديمقراطيات الغرب تتمتع بآلية تعمل من أجل حماية حقوق الأفراد ضد الدولة. لكن هذا الأمر يختلف تمامًا في تركيا؛ إذ تشهد تركيا أمجد أيامها في مفهوم حماية الدولة ضد الفرد، والدفاع عن عدم النقاش حول إجراءات الدولة.
ولكن من يستطيع أن يضمن أن هذا المفهوم، الذي لا يضع في اعتباره عامل الوقت ولا يعرف أن هذا النظام مؤقت وزائل، لن تدور دائرته ويعود إلى أصحابه الذين يطبقونه على الآخرين في يوم من الأيام؟
وكيف للذين يعطون الحق لأنفسهم اليوم في فعل كل شيء بيد الدولة أن يعرفوا أن هذه الأيام ليس لها وجه آخر كما الوجه الآخر للانقلاب العسكري الذي وقع في 28 فبراير/ شباط 1997؟
وكيف لهم أن يثقوا كل هذه الثقة ويتأكدوا من أن الدولة لن تتوجه إليهم أيضًا في يوم من الأيام بالأفكار نفسها التي يدافعون عنها اليوم؟
ما يقع على عاتقنا الآن هو أن نذكّرهم بأنهم لم يدخلوا الجنة بعد. وعليهم أن يدافعوا عن الحقوق والقوانين قبل أن يروا دوران الأيام. ويدافعوا عن الحقوق والعدالة حتى إذا دار الدهر دورته يكون لهم حق ليقولوا إننا كنا إلى جانب الحق دائمًا. ربما تكون كلمات معروفة لدى الجميع ولكن لا تنسوها:”فقد يأتي يوم تحتاجون فيه إلى تلك القوانين لحماية حقوقكم. ولذا عليكم أن تدافعوا عن القوانين والحقوق قبل فوات الأوان”.