أحمد دونميز – صحيفة” زمان” التركية
عقب الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من يونيو/ حزيران الماضي لم يخرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام الرأي العام لمدة أربعة أيام بسبب فشل حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه في الحصول على الأغلبية المطلقة وتشكيل الحكومة منفردًا.
وفي غضون هذه الفترة كان أردوغان يعقد الكثير من الاجتماعات، الواحد تلو الآخر، مع نوابه إلى أن خلص إلى خارطة طريق تستند إلى حسابات دقيقة. وتبلورت معالم هذه الخارطة بنسبة كبيرة خلال اللقاء الذي أجراه مع رئيس الوزراء أحمدداوداوغلو مساء التاسع من يونيو.
ونشرت صحيفة “زمان” التركية خارطة الطريق المذكورة في عددها الصادر يوم 13 يونيو/ حزيران تحت عنوان “خطة المراحل الثلاث لأردوغان لإجراء انتخابات مبكرة”. وبعدها في الرابع عشر من الشهر نفسه أجرى أردوغان لقاءً مع وزير الثقافة والسياحة في قصر “هوبر” بإسطنبول استمر أربع ساعات ونصف الساعة. وهنا تقرر الشكل النهائي للخطة؛ وتم تنفيذ هذه الخطة بالحرف الواحد خلال خمسة أشهر إلى أن تحقق الهدف المرجو منها في نهاية المطاف. ونجح العدالة والتنمية في تحقيق انتصار في انتخابات قلّما يوجد مثلها في التاريخ السياسي.
خطة المراحل الثلاث لقصر أردوغان
المرحلة الأولى من خطة المراحل الثلاث لأردوغان هي التخلي عن لهجة التوتر وتقديم صورة للناخب مفادها “وصلتنا على رسالتك”. والمرحلة الثانية عدم تشكيل حكومة ائتلافية لكن إلقاء اللوم والمسؤولية في هذا الموضوع على أحزاب المعارضة. أما المرحلة الأخيرة فهي تحميل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي مسؤولية الأعمال الإرهابية والعنف في البلاد.
وفي الوقت الذي لم يقدّم فيه أيّ من مسؤولي حزب العدالة والتنمية تحليلات سليمة للرد على سؤال: “ماذا حدث خلال خمسة أشهر ليزيد العدالة والتنمية من أصواته بمعدل 8 في المئة؟”، فيبدو أن الإجابة كامنة داخل هذه الخطة إلى حد ما.
وكانت هناك عناوين أخرى في التفاصيل باستثناء المراحل الثلاث. إذ تم تشكيل تصدعات وتشققات داخل كل من حزب الشعب الجمهوري عن طريق حملة دنيز بيكال النائب السابق بالحزب وفكرة تعيينه رئيسًا للبرلمان مؤقتًا، وداخل الحركة القومية من خلال موافقة طوغرول توركيش على الانضمام للحكومة المؤقتة، وكذلك لدى الشعوب الديمقراطي عبر النائبين جلال دوغان وليفينت توزيل.
لم تتمكن المعارضة من اختيار رئيس للبرلمان بعدما حصلت على نسبة 60 في المئة.كما شكّلت المعارضة صورة مفادها أنها “غير كفء” بعدما عجزت عن اختيار رئيس لهيئة الإذاعة والتليفزيون التركي. وانطبع في أذهان المجتمع صورة ذهنية فحواها أن المعارضة هي المعضلة الكبرى في تركيا.
المعارضة وقعت في فخ العدالة والتنمية
وعلى الرغم من بدء حزب العدالة والتنمية مشاورات لتشكيل حكومة ائتلافية مركزًا على نقطة عدم الحصول على نتائج إيجابية من الأحزاب الأخرى، إلا أن حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية عجزا عن كشف هذه الحيلة.
ويمكن القول بأن خطة “التنويم أو المماطلة” التي لجأ إليها الحزب الحاكم كانت ناجحة؛ إذ استطاع أن يصف الحركة القومية بــ”المعارض وغير الموافق” على تشكيل الائتلاف. أما الشعب الجمهوري فكان مجرد ممثل صامت في لعبة العدالة والتنمية بدلا من تشكيل لعبته الخاصة به في غضون هذه الفترة.
وعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية هو السبب في توجه البلاد إلى انتخابات مبكرة إلا أنه نجح في إلقاء المسؤولية على عاتق الحركة القومية عن طريق جهوده في إقناع الرأي العام. وبالفعل حمّل الناخب الحزب القومي مسؤولية عدم تشكيل حكومة ائتلافية، ولم يلق بالمسؤولية على العدالة والتنمية.
تراجع أداء دميرتاش
في الوقت الذي تسببت فيه أعمال الشغب والفوضى التي قام بها إرهابيو منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية في تقويض اللهجة السياسية لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، فلم يتبق شيئ يُذكر من أداء زعيم الحزب صلاح الدين دميرتاش قبل الانتخابات. وبالأحرى لم يستطع الشعوب الديمقراطي من الحفاظ على الأصوات الموجهة إليه.
وكانت ردود فعل الأوساط المختلفة مُوجهة إلى حزب الشعوب الديمقراطي فقط بسبب العمليات الإرهابية المتزايدة. كما لم ترد أية اعتراضات على أن أخطاء العدالة والتنمية في عملية السلام الداخلي لحل المسألة الكردية عززت من قوة منظمة حزب العمال الكردستاني. ومن هذه الناحية ظهرت نتيجة سياسية مُضحكة بعدما انتقلت أصوات حزبي الحركة القومية والشعوب الديمقراطي إلى العدالة والتنمية.
داود أوغلو أبدى أداء فعّالا
يمكن القول إن عدم نزول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الميادين الانتخابية، وعدم حديث العدالة والتنمية عن “النظام الرئاسي”، وانتقادات داود أوغلو للكبر والعناد والتدلل والإسراف كان له تأثيرا على الناخب التركي.
ولعبت الوعود الاقتصادية التي قدمها الحزب الحاكم لجميع أطياف المجتمع دورًا بالغ الأهمية؛ إذ عمل بمبدأ “الثواب والعقاب” أي إظهار الجزرة للمواطن من ناحية والعصا من ناحية أخرى.
فمن ناحية كان حزب العدالة والتنمية وقد استوعب الدرس القاسي الذي حصل عليه في انتخابات 7 يونيو يقدّم وعودًا جديدة للشعب. ومن ناحية أخرى كان يعمل لترهيب وتخويف الشعب قائلا “إذا لم نكن نحن في سُدة الحكم ستعم الفوضى البلاد وتزداد الأعمال الإرهابية وستعود البلد للفترات الغابرة وسينهار الاقتصاد ولذك عليكم أن تدلوا بأصواتكم للاستقرار أي لصالح حزب العدالة والتنمية حتى ينفرد في الحكم بوحده”.
كما أن تصريحات محمد علي شاهين نائب رئيس الحزب أخافت الناخب عندما قال “إن لم ينفرد حزبنا بالحكم في 1 نوفمبر ستشهد تركيا انتخابا آخر ثالثا”.