مصطفى أونال
من الذي حقق الفوز لحزب العدالة والتنمية بنسبة 49% في الانتخابات البرلمانية المبكرة في تركيا الأحد الماضي؟ هل هو الرئيس رجب طيب أردوغان، أم رئيس الوزراء أحمد داوداوغلو؟ حسب السجلات هو داوداوغلو؟
فهو الذي يجلس على مقعد رئاسة حزب العدالة والتنمية. وهو الذي قاد الحملة الانتخابية. وظهر وحده أمام الحشود الجماهيرية. أما أردوغان فهو الزعيم الطبيعي للعدالة والتنمية. وإن انتقاله للقصر لم يغيّر هذه الحقيقة. وكان يجب عليه أن يترك علاقته بالحزب وفق ما يقتضيه الدستور. ولكن الموضوع مختلف من الناحية العملية. فالوضع الفعلي عكس ما يقتضي.
فأردوغان لم يكف عن التدخل في شؤون العدالة والتنمية. بل تصرف وكأنه زعيم طبيعي له. ولكنه لم يتجول في المدن كما فعل قبيل انتخابات 7 يونيو/ حزيران، ولم يشارك في الحملات الانتخابية. إلا أنه لم يتوانَ عن التصريحات المتعلقة بالانتخابات. وقد اعتبر اجتماعه بالعمد في القصر أرضية لذلك. وحل ضيفا على البرامج التلفزيونية.
فهو في هذه المرة لم يطالب بـ400 مقعد برلماني، ولا بالنظام الرئاسي. ولكنه تحدث عن حكم الحزب الواحد. واكتفى بطلب 276 مقعدا برلمانيا، ولكن بطريقة غير مباشرة. وتحدث عن مساوئ الحكومة الائتلافية. ووجه انتقادات لاذعةً لأحزاب المعارضة. والجميع فهم مقصده.
إذن فالجواب عن السؤال “نجاحُ من الفوز بـ49%”؟ يجب أن يكون الجواب هو: “إنه أردوغان بالدرجة الأولى”. علما بأن العالم الخارجي أيضا رأيه كذلك، حيث أشار إلى أن محرز النصر هو أردوغان. حتى إن داوداوغلو أضحى مغيَّبا في ظل أردوغان. لأنه لم يُطوِّر أسلوبه، ولم يتمكن من ابتداع أداء خاص به كزعيم، ولم يُسمع له صوت،كما أنه سُحق تحت ثقل أردوغان، بل إن أسلوبه في البداية كان تقليدا لأسلوب أردوغان. فقد تصرف وكأنه أردوغان ثانٍ.
وفي المقابل كيف ستجري العلاقة بينهما في المرحلة الجديدة؟ هل سيضع داوداوغلو حدا لصمته معتمدا على الفوز بنسبة 49%. فالانصياع التام يخالف طبيعة السياسة. كما أن السلطة لا تقبل التقسيم، ولا تقبل وجود شريك. فمن يتسلم منصبا يريد تنفيذ جميع مهامه حتى النهاية. لذا فالسلطة والمسؤولية بيد داود أوغلو. حيث إن النظام لم يتغير. وحتى لو كان الوضع العملي مختلفا إلا أن الدستور ينص على وجود نظام برلماني.
إذن فما الذي سيفعله داوداوغلو؟ كيف له أن يتصرف إزاء الفوز ب 49%؟ وما هو نصيبه من السلطة؟ ومن هو الذي سيحدد أسماء وزراء الحكومة بشكل فعلي؟ إذ كانت الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع لأردوغان قبل الحصول على نسبة 49%. ولكن داوداوغلو حاول أن يرفع من صوته في الاجتماع السنوي لمجلس حزب العدالة والتنمية. ولذلك ارتطم بجدار القصر. وبالتالي استسلم كليا لأردوغان. فأردوغان هو الذي حدد الأسماء كلها في قائمة المجلس التنفيذي المركزي للحزب. حتى إن القصر هو الذي حدد قائمة المرشحين البرلمانيين في انتخابات 1 نوفمبر/ تشرين الثاني.
فمن هو الذي سيقول الكلمة النهائية في تشكيل الحكومة الجديدة؟ من الطبيعي أن يكون لرؤساء الجمهوريات إملاءات في هذا المجال. وهذا ما حدث في الحكومات السابقة. فالرئيس الأسبق أحمد نجدت سيزر أيضا تدخل في تشكيل الحكومة. كما حدث ذلك في المراحل السابقة أيضا.
ألا يمكن أن يكون أردوغان وداوداوغلو على وفاق تام في جميع المواضيع؟ لا، ذلك مستحيل. لأنه يخالف سنَّة الحياة وطبيعة السياسة. فما من أحد إلا ويعلم الخلاف بينهما حول مهام بن علي يلدريم. حيث إن يلدريم من أكثر الأشخاص الذين يثق بهم أردوغان. أما داود أوغلو فليس قريبا منه ويتعامل بفتور معه. ولم يرحب بترشيحه لعضوية البرلمان. ولذلك لا يريد العمل معه في الحكومة. في حين أن الرئيس لا يتخلى عن يلدريم. إذن فمن الذي سيتسلم وزارة الاقتصاد؟ هل هو علي بابا جان؟ فأردوغان ليس راغبا به. إلا أن داوداوغلو الذي ضم بابا جان إلى قائمة المرشحين في اللحظة الأخيرة يريده أن يكون وزيرا للاقتصاد.
فهل ستشهد المرحلة اللاحقة نظاما رئاسيا بشكل فعلي؟ أم أن داوداوغلو سيحتفظ بمنصبه وقوته؟ وهل ستغير نسبة الـ49% ملامح أنقرة؟ وبالنظر إلى سلوكه الذي انتهجه حتى الآن، فإن أخذه بزمام المبادرة ليس احتمالا قويا، وبناء عليه يمكننا القول إنه لن يستطيع الاعتراض على سلطة القصر.