إسطنبول (زمان عربي) – تطرق الأستاذ فتح الله كولن في درسه الأسبوعي الأخير الذي نشره موقع “herkul.org” الإلكتروني أمس الاثنين إلى الموقف الإيماني من الأحداث الإيجابية وتلك السلبية (في الظاهر) التي يشهدها الإنسان في حياته الشخصية أو تشهدها المجتمعات في تطوراتها الاجتماعية والسياسية.
وفيما يلي أهمّ ما ورد في هذا الدرس:
- المؤمن لايصيبه يأس ولا يتطرق إلى قلبه إحباط أو قنوط ولا يحني جبهته أمام الظلم والطغيان أبداً حتّى لو انْشَقَّت السَّمَاء وتفتّت إلى قطع صغيرة.
- إن الإنسان خلقه الله -عزّ وجلّ- للأبد؛ فلا يطمئنّ قلبه بأي شيء سوى الحياة الأبدية والذات الأبدية والأشياء المرشحة والعاكسة للأبد. فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم تنزيله: “الَّذِين آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِاللَّهِ أَلاَبِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”. (الرعد:28). لذلك فالقلوب لا تطمئن إلا بذكر الله، ولا يتحقق هذا الاطمئنان إلا عندما غدا ذكر الله عمقاً في طبيعة الإنسان.
المصائب والمحن والعذاب والمعاناة.. المصير المحتوم للدرب الذي نسلكه
- إنّ الدرب الذي نسلكه هو درب الرسل عليهم السلام والسلف الصالح والصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين. نسأل الله ألا نحيد أبدًا عن هذا الدرب القويم. لكن علينا أن نعلم أنه درب حافل بأصناف العناء؛ فقد تدمي الأشواك أقدامنا، أو يظهر حيوان يلدغنا في أي وقت، أو يوجّه لنا بصاق ولعاب. ومع ذلك فإن المؤمن يدرك جيّدًا أن تلك الأشياء تافهة إزاء الأمور والقضايا التي يترقبها وينشدها ويتوق إليها، لذا يقابلها بالابتسامة ويمر عليها مرور الكرام دون الاكتراث لكل ما يحدث.
- لا ريب في أن طريق الأنبياء المؤدي إلى الجنة محفوف بكثير من المخاطر والصعاب. وقد نبّه القرآن الكريم إلى هذا الأمر بهذه الآية: “أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ” (البقرة. 214).
- يتضح لنا من تلك الآيات البينات أن أشد الابتلاءات وأصعبها وأكثرها ألماً تنزل بالأنبياء والرسل أولاً، ثم بالمؤمنين الآخرين حسب درجات إيمانهم. لكن المؤمن إذ ينظر إلى الحوادث ويقيّمها لا يقول قاطبة: “لماذا حدث هكذا؟”، بل يستقبل كل هذه الأمور برحابة صدر وبقلب راضٍ.
- كلما مسّته ضراء أو دارت عليه فاجعة من فواجع الدهر يردد دوماً: “رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً”.
- لنا همّ وحيد هو بمثابة حبّنا وعشقنا؛ ألا وهو توجه الجميع إلى الله ورسوله.
- إذا كان الدرب الذي نسلكه صحيحًا، فيتعيّن علينا إذًا أن نتحمل كل الصعاب والمشاقّ في هذا السبيل. أما إذا كانت ثمة ثغرات في هذا الطريق أو جوانب نشكّ فيها، فعلينا أن نكون آذانًا صاغية لتحذيراتِ من يحذروننا في هذا الموضوع، حتّى يتسنى لنا سدّ هذه الثغرات والنواقص التي نعانيها. لكن يجب علينا ألا نكون من “السفيانيين” الذين يستحبّون الحياة الدنيا على الحياة الآخرة، كما هو الحال عند الناس في العصر الراهن.
عصر الذين يستحبّون الحياة الدُّنْيَا على الْآخِرَةِ
- يحدثنا القرآن الكريم عن خصائص وصفات هؤلاء الناس الغافلين الذين ابتلوا بداء “توهّم البقاء والخلود في الدنيا” في قوله تعالى: “اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْاٰخِرَةِ” (إبراهيم: 3).أجل! إن هذه الآية الكريمة تشير إلى العصر “السفياني”؛ عصر النفاق الذي يعجّ بأشخاص يَبدون مسلمين، لم يستطيعوا أن يخلعوا رداء النفاق من ظهورهم وقبعة النفاق التي من رؤوسهم، وظهروا بين المصلين، وحتى صاموا أحياناً، وزعموا أنهم “مسلمون” وتحدثوا عن “الإسلام”، لكنهم استحبّوا عمداً الحياة الدينا على الآخرة.
لا تفرحوا حتى ولو أعطوْكم الدنيا بما فيها؛ ولا تحزنوا حتى ولو خرجت الدنيا برمتها من أيديكم
- وكما يقول الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي، فإنه يجب ترك الدنيا بالقلب وليس من ناحية العمل والكسب. ألّا تفرح حتى لو كانت الدنيا بأكملها ملكاً لك؛ وألّا تحزن وتغتمّ حتى لو ذهبت الدنيا بما فيها من يدك.. هذا هو القضية الأساسية.. وهذا هو طريق وسنّة النبي عليه الصلاة والسلام. لكن إن كان قلبك تعلّق بملذات الدنيا وأهوائها لدرجة التعبّد لها – حفظنا الله وإياكم – فعندها لن يبقى هناك أي عمل سوء إلا وفعلته “خوفًا من ذهاب وزوال ما تملكه”. وتسعى إلى تدمير الجميع وإحراق الكلّ وإلحاق الأذى بعموم الناس “خشية أن يمسّوا حياتك”. يجب التحلّي بـ”روح الاستغناء” من أجل تجنّب الوقوع بين شقي هذه الرحى الطاحنة التي تسمّم قلب الإنسان وروحه. وليس لبني البشر ثروة أكبر من “الغنى والاستغناء عن الناس”. فالإنسان الذي يكون في غنى عنهم أغنى شخص في الدنيا حتى وإن لم يكن يمتلك شيئًا قط.
القول بأن “مَن لا يصوت لنا فهو كافر” انحراف يؤدي إلى الكفر
- لقد اطلعت على بعض المسائل التي وردت في مواقع التواصل الاجتماعي والتي اقشعر لها بدني لعدة أيام. فعلى سبيل المثال يقول أحدهم: “مَن لا يصوت للحزب الذي أتبعه فهو كافر!”. بينما أن سيدنا علي وسيدنا الزبير وأمثالهما من الصحابة الكرام كانوا تخلّفوا لفترة معينة عن مبايعة سيدنا أبو بكر – رضي الله عنهم أجمعين – على الرغم من أن الأمة أجمعت على موضوع خلافته. وبحسب هذه العقلية – وفق رؤية ذلك الشخص الذي ظهر وتكلّم أمام شاشات التليفزيون – يكون هؤلاء الصحابة – مائة ألف مرة حاشا – قد كفروا. هل تدركون خطورة الموضوع؟ ولم يبايع سيدنا سعد بن عبادة رضي الله عنه سيدنا أبي بكر الصديق حتى نهاية عمره. ومع أنه كان أحد النقباء الاثنى عشر الذين كان الصحابة يشيرون إليهم بأصابعهم، لكنه لم يبايعه لسبب ما. وهذا يعني أنه وفقًا لهذا المنطق المغلوط ومنطق الحزب، فإن سعد بن عبادة أيضاً كافر، حاشا وكلا.
هل أنتم في ريب من خلافة سيدنا علي؟
- كما أن الزبير بن العوام – رضي الله عنه – عارض سيدنا علي ابن عمته ولم يبايعه. فهل كان علي إنساناً لا يقام له وزن وأقلَّ شأناً من الأناس المنتخبين في الوقت الراهن يا تُرى؟ وإذا كان له وزن وشأن فهل أصبح مَنْ لم يبايعوه كفاراً؟ وكذلك لم يبايع الحروريون والخوارج والأمويون سيدَنا علي رضي الله عنه. مع هذا، فإن أهل السنة والجماعة لم يطلقوا على أي منهم وصف “الكافر”؛ بل ربما وصوفوهم بـ”الضلالة” و”أهل الضلالة”. فكتب أصول الدين متوفرة موجودة في كل مكان وبمقدوركم النظر فيها للتحقّق. ثم لم يبايع الفرس الخلفاء الراشدين أيضاً، لكن لم يصفهم أهل السنة بـ”الكفار”. ذلك أن من كفّر أحداً وهو غير كافر فقد كفر بحسب أحاديث صحيحة.
- وإذا عدنا إلى يومنا هذا، انظروا إلى المسألة كيف تكتسب بعداً خطيراً أيضاً.. لأنه طبقاً لتلك العقلية والمنطق، فإن مؤيدي حزب الشعب الجمهوري الذين لم يبايعوهم كفار.. وأنصار حزب الحركة القومية كفار.. ومناصرو حزب السعادة كفار.. وأعضاء حزب الوحدة الكبرى كفار. وجميع المرشحين المستقلين كفار، حاشا وكلا.