بقلم: سيف الدين جورسيل
فاز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات البرلمانية المبكرة يوم الأحد الماضي. وكانت هذه النتيجة هي أضعف التوقعين حسب استطلاعات الرأي حول الانتخابات.
وإن بعض هذه الاستطلاعات أخطأ تماما في توقعاته. في حين أن بعضها الآخر كان يتوقع انفراد العدالة والتنمية بالسلطة من خلال حصوله على 44% من الأصوات. لكن لم تكن هناك توقعات بوصول هذه النسبة إلى 49.5%. كما لم تتوقع الاستطلاعات أن يخسر حزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي كل هذه الأصوات. فالاستطلاعات أوقعتنا في الخطأ. مع أني كنتُ أتحسّب لاحتمال انفراد حزب واحد بالسلطة ولو كان هذا الاحتمال ضعيفا، وقد نوهت بذلك في كتاباتي السابقة. بيد أنني لم أكن أتوقع أن يمنح الناخبون هذا الدعم الكبير للعدالة والتنمية.
وأشارت نتائج الانتخابات مساء الأحد إلى أن الرئيس رجب طيب أردوغان كسب الرهان. فالعدالة والتنمية في انتخابات 7 يونيو/ حزيران خسر بعض ناخبيه الذين فاز بأصواتهم في انتخابات 2011 لصالح حزبي الحركة القومية والشعوب الديمقراطي. إلا أنه خطط لاسترجاع هؤلاء الناخبين من خلال تغيير سياسته على مستويين. وقد طُبقت هذه الخطة بحذافيرها. المستوى الأول هو إنهاء مسيرة السلام لحل المشكلة الكردية المستندة إلى وقف إطلاق النار أو إيقاف العمليات الإرهابية. ونجح بذلك في استرجاع ناخبيه الذين صوّتوا لحزب الحركة القومية بسب استيائهم من مسيرة السلام. لذا فقد تراجعت أصوات الحزب القومي من 16.5% إلى 11.9%. وكان من المتوقع أن يتعرض الحزب القومي لخسارة ولكن ما كان لأحد أن تصل خسارته إلى هذه الدرجة.
وفي هذه المرحلة عملت منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية على خدمة العدالة والتنمية بوعي أو بدون وعي حيث ساعدته على إفشال عملية السلام من خلال تصعيد العمليات الإرهابية.
إذ إن العودة إلى الاشتباكات سبب خسارة لحزب الشعوب الديمقراطي أيضا. وأكثر النتائج غرابةً هي تراجع عدد الناخبين الذين صوتوا للشعوب الديمقراطي.
ولذلك فإن حوالي 700-800 ألف كردي في جنوب شرق تركيا وفي المدن الكبرى صوتوا لصالح العدالة والتنمية. فخطر العودة إلى حقبة التسعينيات دفع بهم إلى التصويت لصالح العدالة والتنمية الذي عهده منذ سنوات. إذن فمرحلة السلام وسعت من شعبية الشعوب الديمقراطي، أما مرحلة العنف فقد غيّبت الدعم السياسي للحزب.
أما النتيجة الثانية لانتخابات 1 نوفمبر، والتي تحتاج إلى شرح فهي بقاء الحزب الجمهوري على حاله. وثمة سؤالان يجب الإجابة عنهما: الأول، لماذا لم يستطع الحزب الجمهوري أن يحصل على دعم الطبقتين الفقيرة والمتوسطة التي تصوت للعدالة والتنمية رغم وعوده الاقتصادية السخية؟ فعدم تأثر الناخبين بهذه الوعود أمر يستدعي البحث. وهنالك احتمالان يجولان في الخاطر: إما أن يكون الناخبون غير مقتنعين بهذه الوعود، وإما أن يكون العدالة والتنمية قد قطع الطريق على الحزب الجمهوري، من خلال وعوده الاقتصادية الكثيرة وإن لم تكن على قدر وعود الشعب الجمهوري. فكلا هذين العاملين واردان.
ولكن السيئ في الأمر هو عدم انحياز ناخبي العدالة والتنمية -الذين لا يرتبطون بالحزب إيديولوجيا ولا بزعيمه عاطفيا- إلى الحزب الجمهوري رغم كل ما تشهده البلاد من الانتهاك السافر للحريات والقانون والعدالة. فواضح أن الاستقرار السياسي بالنسبة لهؤلاء الناخبين أهم من الديمقراطية.
ويتبين لنا أن العدالة والتنمية سيستمر بالحكم لسنوات أخرى ما لم يتمكن الشعب الجمهوري من تخطي هذه العقبة، وما لم يتخلص الشعوب الديمقراطي من العمال الكردستاني.
والغامض هو مصير تركيا في ظل هذه الحكومة. فإلى أي مصير ستقود هذه الحكومة تركيا.