بقلم: سامح أرديتش
برلين (الزمان التركية) – شاءت أم أبت حكومة حزب العدالة والتنمية، فالحقيقة المُرَّة أن تركيا باتت تعاني من مخاطر سياسية واقتصادية وجغرافية أكثر مما كانت عليه في أي وقتٍ سابق.
أمَّا عن الاقتصاد؛ فالسوق المحلي التركي يعاني أزمة في السيولة، ومعدلات التضخم وصلت لأرقام تراوحت بين 11-12%، بالإضافة إلى معدلات البطالة التي باتت تعشش في كل بيت وكل أسرة، وما زاد الطين بلَّة ارتفاع معدلات فوائد البنوك، ووصول صافي دين القطاع الخاص إلى 217.7 مليار دولار أمريكي، وتسجيل عجز الموازنة للمرة الأولى منذ إعلان الجمهورية التركية إلى 47.4 مليار دولار أمريكي، أو من الممكن تلخيص المشهد الاقتصادي على أنه “لا شيء يسير على ما يرام”.
أمَّا دولة القانون والحقوق الأساسية والحريات فقد استحالت أن تكون إلا حبرا على ورق. تلك الضبابية المخيمة على المشهد تحول دون أن يري أي طرف تحت قدميه.
لم يكتفي النظام بكل تلك المخاطر التي باتت تطوف في أفقها، وعمد على إطلاق عملية غصن الزيتون العسكرية في منطقة عفرين في شمال سوريا. فالخبراء وصفوا تلك العملية بأنها بمثابة سكب البنزين على النار في دولة يعتبر اقتصادها من أكثر 5 اقتصادات هشَّة.
في الحقيقة تعتبر تركيا في أضعف حالاتها الاقتصادية، وبالرغم من ذلك تدخل في صدامات واشتباكات عنيفة مع تنظيم وحدات حماية الشعب الكردي في عفرين شمال غرب سوريا، والتي تحصل على دعم مباشر من الإدارة الأمريكية؛ الأمر الذي ينبئ بأن تركيا ستدفع ثمن تلك الخطوة غاليًا.
منذ انطلاق العمليات العسكرية قبل يومين، ومثلث العمليات واشنطن أنقرة موسكو، يحرص على نشر تصريحات على مدار الساعة.
تعددت العوامل الاقتصادية وتراكمت عليها التطورات الإقليمية والجغرافية التي تنعكس بشكل واضح على الاقتصاد وقد أدت إلى تحول مؤشر العمليات الأجنبية أمام الليرة التركية إلى الارتفاع مرة أخرى، بالإضافة إلى تسريع وتيرة عمليات بيع الأجانب في البورصة التركية، وتجاوز فوائد سندات الخزانة ذات أجل عامين 13.5%. بينما وصل الدولار إلى 3.81 ليرة تركية، وسجل اليورو 4.70 ليرة تركية مع تواصل التطورات على الجنب الآخر من الحدود مع سوريا. بينما تراجعت المؤشرات الرئيسية للبورصة التركية بنحو 3% خلال اليومين الماضيين.
وقد انعكس ذلك جليًا من خلال تصريحات رئيس مجموعة كوتش القابضة رحمي كوتش الذي قال: “الاستثمارات الجديدة تغادر البلاد”، وتبعها بيع شركة أولكر الشهيرة لنسبة 51% من أسهمها لصالح شركة إنجليزية، والتي تكشف مدى ضبابية المشهد.
كما انعكست الأوضاع السياسية على أوضاع المواطنين، فقد سجلت البنوك العاملة في السوق المصرفي التركي، عدم القدرة على تحصيل 9 مليارات ليرة تركية من ديون ائتمانية خلال عام 2017. بينما أعلنت بنوك جارانتي، ويابي كريدي، وترك كاتيليم عن تعثر تحصيل 700 مليون ليرة تركية، ولجأت إلى بيع تلك الديون مقابل 32 مليون ليرة تركية، بينما ستتولى الشركات التي استحوذت على سندات الدين تحصيل ما يمكنها تحصيله. كما بدأت البنوك اتخاذ الإجراءات القانونية ضد 1.5 مليون شخص.
فيما يتعلق بالاستثمارات الخارجية، فقد تراجعت معدلات تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى معدلات تكاد تكون معدومة، كما أعلنت العديد من الشركات والماركات العالمية انسحابها من السوق التركي أو تقليص تواجدها في السوق التركي في أحسن الأحوال. وبحلول نهاية العام المنصرم، ودعت شركة “SOTI” الكندية للتكنولوجيا، التي تقدم حلولًا لأكثر من 17 ألف مشتري من شركة LG وحتى شركة سامسونج، السوق التركي، معلنة نقل وحدتها من تركيا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.
كما أعلنت وكالة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني غلق مكتبها في إسطنبول. كما ذكرت مصادر مطلعة أن شركة كوكا كولا للمشروبات قررت بيع مقرها الذي تستخدمه في منطقة ألتون زاده في إسطنبول، بالإضافة إلى تقليص عدد العمالة الخاصة بها في تركيا بشكل عام.
وهنا يطرح السؤال نفسه، لماذا تغادر عمالقة الشركات السوق التركي، بالرغم من تصريحات المسؤولين الأتراك بتحقيق نمو قدره 11.1%.
وكانت جريدة “فوكس” الألمانية قد نشرت أن التقارير والأرقام المعلنة من قبل هيئة الإحصاء التركية غير صحيحة ولا علاقة لها بالواقع.
بينما أوضح رئيس المجلس الاستشاري الأعلى لجمعية المصنعين ورجال الأعمال الأتراك (TÜSİAD) تونجاي أوزيل هان، زيادة مخاوف المستثمر الأجنبي بسبب حالة الطوارئ المعلنة في البلاد في أعقاب محاولة انقلاب 15 يوليو/ تموز 2016، قائلًا: “نتمنى أن يكون هذا آخر تمديد لحالة الطوارئ”.
في السياق ذاته قال رئيس جمعية المصنعين ورجال الأعمال الأتراك أرول بيلاجيك: “لا يوجد شيء يسمى ديمقراطية ظاهرية. فالديمقراطية قيمة للغاية بقدر الذهب، ولكن لا يمكن أن تكون ناقصة غير مكتملة”.
فقد لجأت حكومة حزب العدالة والتنمية إلى استخدام خزانة الدولة لمحاولة دفع عجلة الاقتصاد، على أن يتحمل صندوق ضمان الائتمان خلال عام 2018، مبلغ قدره 55 مليار ليرة تركية؛ كما شهد العام الماضي تحمل الخزانة متمثلة في صندوق ضمان الائتمان تقديم مساعدات للشركات بقيمة 202 مليار ليرة تركية.
ولكن المثير في الأمر أن القائمة الخاصة بالشركات التي حصلت على القروض غير موجودة إلا في جعبة حكومة حزب العدالة والتنمية؛ إلا أن تسريبات وادعاءات تشير إلى أن الشركات المقربة من حزب العدالة والتنمية كان لها الأولوية.
ماذا تغير مع انطلاق عملية عفرين؟
في الحقيقة هناك جوانب أكثر رهبة من المشهد الذي ذكرته سابقًا. الواقع أن عفرين هي حُجَّة، ما وراؤها أننا نجرُّ إلى مستنقع.
ديناميكية الصراع في سوريا لم تتغير؛ فأردوغان الذي يؤول الأزمة السورية بشكلٍ خاطئ، ويجذب كرة النار إلى داخل حدودنا محاولًا استغلال الفرصة، يعتقد أن بإمكانه الاعتذار للشعب من خلال ارتكاب خطأ للتغطية على خطأ آخر.