عمر نور الدين
وكم في تركيا الجديدة من مضحكات مبكيات.. فضائح تلو الفضائح تكشفها تصريحات المسؤولين الكبار في الدولة والدوائر القريبة منهم ومستشاريهم قبل الانتخابات المبكرة التي أرادوها جولة إعادة لانتخابات 7 يونيو/ حزيران الماضي التي فقدوا فيها سطوتهم واهتز فيها عرشهم الذي خططوا لأن يكون عرشا سلطانيا في القرن الحادي والعشرين.. فضائح تلو الفضائح .. وما خفي كان أعظم.. فماذا سيقول الشعب التركي عبر صناديق الاقتراع في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل؟
نبدأ هنا من الأساس الذي بنى عليه أردوغان وحزب العدالة والتنمية حملات دعايتهما السوداء على مدى عامين ضد حركة الخدمة وملهمها المفكر الإسلامي التركي البارز فتح الله كولن.. انهارت من قبل كل ادعاءات أردوغان والعدالة والتنمية ضد حركة الخدمة بوصفها الكيان الموازي الوهمي المزعوم وفشلت محاولات إغلاق مدارسها خارج تركيا والتضييق عليها داخل تركيا.. ثم جاءت شهادة قوية نسفت الفكرة من أساسها وكشفت عن كم الخداع والتزييف ومحاولات غسيل عقول الشعب التركي..
يوم الخميس الماضي فحصت محكمة ألمانية تسجيلا صوتيا لمستشار أردوغان السابق محمد طه جيرجيرلي اوغلو المتهم بالتجسس على معارضي حكومة العدالة والتنمية في ألمانيا لصالح المخابرات التركية.. وكشف التسجيل عن أن أردوغان وضع فتح الله كولن وحركة الخدمة هدفا وتحديدا ” كبش فداء” من أجل التستر على فضائح الفساد والرشوة التي تكشفت في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2013.
ثم كانت الفضيحة الكبرى لرئيس الوزراء التركي أحمد داوداوغلو، الذي اتهم تنظيم داعش الإرهابي بأنه ناكر للجميل، مثله مثل منظمة حزب العمال الكردستاني.. تصريح كارثي يكشف عن علاقات الدولة مع المنظمات الإرهابية، التي اجتهدوا في نفيها .. وهو تصريح يحمل نبرة العتاب باستخدام عبارات مثل :” يا ناكر الجميل” ويا خائن العيش والملح” .. والسؤال هو : أية علاقة يمكن أن تكون بين دولة وتنظيمات إرهابية تعود وتنكر جميل هذه الدولة وتنقلب عليها؟
ونواصل مع داوداوغلو، الذي تناول حبوب الشجاعة وانتفخ وانتشى مع اقتراب موعد الانتخابات ليظهر أنه الرجل القوي الذي يقود الحزب القوي، والذي قال إن شعبية حزبنا زادت بعد تفجيري أنقرة الانتحاريين في العاشر من أكتوبر/ تشرين أول الجاري ، اللذين خلفا 102 ضحية من الأبرياء فضلا عن مئات المصابين، واللذين وجه داوداوغلو الاتهام فيهما من البداية إلى داعش.. تصريح يشكل فضيحة أخرى، وكما قال رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي معلقا على هذا التصريح إنه إذا كانت التفجيرات تفيد العدالة والتنمية فالمحرض والمخطط إذن معلوم.. لكن السؤال أيضا هو: إذا كان هذان التفجيران اللذان نفذهما داعش في غفلة من الأمن التركي زادا من شعبية العدالة والتنمية الذي أكد وزير داخليته أنه لم تكن هناك ثغرات أمنية في موقع التفجيرين .. فلماذا يتهم داوداوغلو داعش بأنه ناكر للجميل؟ ألم يقم بدوره في رفع شعبية العدالة والتنمية التي تتهاوي؟!
لكن الفضائح لم تتوقف عند هذا الحد لكنها تتابع وتتواصل لتكشف عن مدى قتامة الحقبة السودائ التي تعيشها تركيا تحت قيادة الحالمين بالخلافة الجديدة أو من يسمون أنفسهم بالعثمانيين الجدد.. ومن الواضح أنه من أدبيات رموز هذه الحقبة السوداء توظيف كل شئ من أجل الفوز في الانتخابات، سواء الكذب والافتراء على جماعة الخدمة أو استغلال الحوادث الإرهابية التي لا يستبعد رجل الشارع العادي تورط جهات في الدولة فيها إما تقصيرا أو إهمالا أو إغفالا، وصولا إلى قمع وكبت وإخراس أي صوت معارض لأردوغان والعدالة والتنمية، بدءا من الهجوم على الصحف بحملات أمنية بغرض التشويه وصولا إلى دفع مجموعات المؤيدين المغيبين للهجوم على مقار الصحف ثم مخطط استبعاد القنوات ذات الانتشار الواسع المعارضة لأردوغان والحكومة، وإخراجها من منصات البث الرقمي تي في بو وديجيتورك والقمر الصناعي توركسات.
لاشئ يحدث صدفة، لكن الكذب لايدوم وليس له رجلان يمشي عليهما ولذلك ينفضح وينهار .. والفضحية هذه المرة كانت موثقة بالصوت والصورة ، فبمحض الصدفة سجلت الكاميرات حديثا لمصطفى فارانك أحد مستشاري رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان وهو يتحدث مع صحفيين موالين للحكومة قبيل بدء لقاء تلفزيوني لأردوغان، مع مجموعة من الصحفيين الموالين له، ويؤكد ضرورة وقف بث القنوات المعارضة على القمر الاصطناعي توركسات وقوله إنه درس موضوع القنوات التلفزيونية المقربة من حركة الخدمة مع وزير النقل السابق لطفي ألوان: “لكن الذنب ذنبنا، حيث قلت آنذاك لنخرج قنواتهم من القمر الصناعي توركسات. لأن توركسات شركة خاصة وبإمكانها أن تفعل ذلك.. إلا أن الوزير رفض هذا قائلاً إنه سيثير جدلاً واسعاً في الرأي العام.. : “يا أخي، نحن (القمر توركسات) شركة خاصة.. إنها لا تعجبنا. فهي الآن تنشر أخباراً تلحق ضرراً بسمعتنا وسمعة المؤسسة (توركسات)..
كان هذا قبل ستة أشهر من بدء التضييق على هذه القنوات ووقف مؤسسة تي في بو (Tivibu) التابعة لشركة “تورك تيليكوم” الرسمية التي تقدم خدمة البث عبر الإنترنت للقنوات التلفزيونية قراراً أحادي الجانب بوقف تقديم الخدمة للقنوات التلفزيونية المستقلة”بوجون تي في” (BUGÜN TV)،”سامان يولو خبر” (Samanyolu Haber TV ) ومهتاب تي في (Mehtap TV)، وإخطار إدارة توركسات بوجون تي في وقنال تورك بأنها ستفسخ العقد المبرم معهما وستوقف بثّهما على القمر الصناعي دون أن يكون هناك أي قرار من المحكمة مع أنه ضروري وفق القوانين.
هذه عينة بسيطة من فضائح العدالة والتنمية التي تكشف عن كم ما يحاك لتركيا من مؤامرة داخلية من حزب لايقبل نتائج صناديق الاقتراع وزعيم سياسي لطالما تغنى بالصناديق والديمقراطية.. لكن تبين أنها ديمقراطية الخداع والكذب والتلفيق والقمع .. فهل يختار الشعب التركي أن يصنع ديكتاتورا بنفسه عبر صناديق الاقتراع؟.. انتظروا الانتخابات المبكرة في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني .. فإن الصبح قريب.