إسطنبول (زمان عربي) – بعد كتابه الشهير “العمق الاستراتيجي” الذي اقترن بنجاحات متتالية لحزب العدالة والتنمية من الناحية السياسية والاقتصادية تمكن رئيس الوزراء التركي أحمد داوداوغلو من جذب الأنظار إليه والحصول على شهرة عالمية كبيرة.
ومع أن الأطروحات التي قدمها أحمد داوداوغلو في ثنايا هذا الكتاب كانت براقة على الورق وجاذبة للكثيرين، إلا أن الزمن أثبت أنها لم تكن سوى مجرد أحلام وخيالات في فترة قصيرة في ظل الواقع والظرف الراهن.
وللمرة الأولى، قال الدكتور بهلول أوزكان، تلميذ داوداغلو إن أستاذه ينتمي للتيار القومي الإسلامي ويعيش في عالم الخيال، على حد تعبيره.
وأكد بهلول أوزكان أستاذ العلوم السياسية في جامعة مرمرة التركية أن وصف تركيا بـ”القوة الإقليمية” في ظل النهاية المخيبة للسياسة الخارجية التركية تحت حكم حزب العدالة والتنمية، يتعارض مع قيم ومبادئ العلوم السياسية المتعارف عليها.
وندرج أدناه الحوار الذي أجرته معه صحيفة زمان التركية:
* ما الذي حاول داوداوغلو تطبيقه في الواقع؟
بالنسبة لداوداوغلو فإن الحدود بين البلدان لم يعد لها قيمة أو تأثير. وكان يرى أن حركات الإسلام السياسي ستنجح في الصعود إلى سدة السلطة في الشرق الأوسط، وعندها ستقوم تركيا بدور الزعامة لهذه البلدان. أي إنه كان يحلم باتحاد إسلامي تقوده تركيا في المنطقة. وقد كان حضور رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية خالد مشعل، وزعيم حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي، والرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، والسياسي العراقي البارز طارق الهاشمي، الاجتماع السنوي لحزب العدالة والتنمية في 2012 إشارة قوية على ذلك… وكان الجميع ينادي أردوغان بـ”قائد الأمة” خلال المؤتمرات الجماهيرية قبيل الانتخابات.
زعمتم أنكم قوة عالمية في حين أنكم لم تتمكنوا من حماية قبر “سليمان شاه”
* يعتبر الخبراء أن تركيا تتحرك بشكل يفوق طاقتها وقدراتها الذاتية. فلماذا لا يستطيع داوداوغلو أن يرى طاقة وقدرات تركيا على حقيقتها؟
لأن أحمد داوداوغلو يعيش في عالم الخيال، منفصماً عن عالم الواقع والحقائق السياسية. ولايوجد بين رجاله المحيطين به من يمكنه أن يخرجه من عالمه الذاتي ليطلعه على حقائق العالم الخارجي.
وإذا ما حذّرتم داوداوغلو بقولكم: “إن تركيا ليست القوة الإقليمية التي تزعمها”، فإن هذا يعني أنكم قلتم له: “أستاذي كل ما كتبته إلى الآن خطأ ولا أساس له من الصحة”. ولكن مع الأسف، لا يوجد من لديه القدرة على قول ذلك مباشرة لداوداأوغلو. لأن نظام الكفاءة لم يعد يعمل في تركيا. فإذا ما حلّت الصداقة والولاء محلّ الجدارة والكفاءة في أي بلد بالعالم فإن مصيره الحتمي ليس إلا الفشل والخراب. وأكبر دليل على ذلك هو الاتحاد السوفيتي.
إن داود أوغلو يعيش في عالم الخيال والوهم، ومعنى مواجهته بهذا يعني إلقاء كل كتاباته ودراساته في سلة المهملات.
* حسنًا، فهل هذا موقف شخصي فقط؟ وهل هذه المقاربة قاصرة على شخص واحد؟
إن هذا الموقف ليس أمرًا شخصيًا، بل الأمر يتعلق بالتصوّر والمقاربة. فهذا التصوّر يرى أن “الدولة القومية” كانت خطأ من الناحية التاريخية، ولا بد من إعادة تشكيل نظام جديد تحت الهوية الإسلامية. يضعون لأنفسهم مهمة مقدسة، ولكن لا يوجد مقابل لها في العالم الإسلامي.
فنحن لم نصل إلى 1/10 مما حققته إيران في هذا الصدد. فأقصى مكان من الممكن لتركيا أن تذهب إليه هو قبرص التركية. ولم نزل ندفع حتى ثمن تحرير قبرص على الصعيد الدولي. اليوم تزعمون أنكم قوة إقليمية، ولكنكم لم تستطيعوا حتى حماية قبر سليمان شاه في شمال سوريا. وكان نصيب داوداوغلو أن يكون رئيسًا للوزراء أثناء فقدان تركيا لأول قطعة من أراضيها منذ 90 عامًا. فذلك هو أهم علامات الانهيار.
* حسنًا، لماذا يستمر الشارع التركي في دعم حزب العدالة والتنمية؟
يمكنني أن أشبه الكتلة التصويتية في تركيا خلال الثلاثة عشر عامًا الأخيرة بالمثال التالي: لنفترض أنك متزوج بشخص منذ 20 عامًا، ولديكم أطفال. ثم تظهر أمامك صور لواقعة خيانة أو ماشابه، في البداية تقول إن هذه الصور مزيفة وغير صحيحة، وتنكرها تمامًا، إلا أن الشك قد بدأ يدبّ في نفسك.
لا تتغير الأنظمة بمجرد القول “سنغير الأنظمة في المنطقة”
* هل تعيد تركيا ترتيب أوراقها في الملف السوري بعد الاتفاق الأمريكي الروسي في سوريا؟
لا يمكن تغيير أو تجديد السياسة التركية الخاصة بسوريا ما لم يتغيّر من يحكمون البلاد حالياً. فالأزمة السورية لم تعد تخص سوريا وحدها، وإنما أصبحت أزمة الاتحاد الأوروبي أيضًا، الذي يضم ما يزيد عن 800 ألف لاجيء سوري. وقد تم تجاوز نقطة التسامح بالنسبة للغرب، لذلك أصبح كل شغلهم الشاغل أن يحدث أي شيء في سبيل توقف الاشتباكات وعودة اللاجئين مرة أخرى إلى بلدهم.
وأوضح وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، أن الإدارة الأمريكية تريد نظامًا علمانيًا متحدًا في سوريا. فنحن الآن بصدد نهاية نظام تدعمه التيارات الإسلامية في الشرق الأوسط. فقد سقطوا في الخطأ نفسه في ليبيا وفي العراق. فطلب ذهاب بشار الأسد عن السلطة يعني ذهاب الأنظمة القومية العربية العلمانية وظهور أنظمة “إسلامية”.
* لماذا لا يريد الغرب الوضع الراهن؟
لأن الوضع الراهن في الشرق الأوسط ليس في صالح الغرب. فبشار الأسد، وصدام حسين، ومعمر القذافي كلهم قادة معادين للغرب. وقد تشكلت لديهم قناعة بأن حزب العدالة والتنمية الذي يتعاون مع الغرب، ويتبنى فكراً اقتصادياً ليبرالياً، من الممكن أن يكون نموذجًا يحتذى به في المنطقة، إلا أن هذا النموذج قد انهار. والمصير الذي آلت إليه التطورات الأخيرة هو أن الغرب بدأ يخطط اليوم للقضاء على التنظيمات الإرهابية والمتشددة بالتعاون مع روسيا. فالولايات المتحدة الأمريكية لم يكن لديها هدف محدد تسعى الوصول إليه في سوريا.
إن الأنظمة القائمة لا تسقط بمجرد قولكم إننا سنغيرها.. ولأنه تمت حماية مؤسسات الدولة في كل من مصر وتونس فإنهما نجحتا في الحيلولة دون مواجهة شبح الحرب الداخلية.