من لوك بيكر
القدس أول أكتوبر تشرين الأول (رويترز) – قبل أن يلقي كلمته
بالأمم المتحدة في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء وعد الرئيس
الفلسطيني محمود عباس بأن يلقي “قنبلة”. وخلال الحدث كان كل ما
ألقاه كلمات قوية يمكن أن تصل إلى حد التهديد الأجوف.
خلال معظم كلمته أنب عباس إسرائيل على احتلالها المستمر منذ 48
عاما وعلى قيودها على صلاة الفلسطينيين بالمسجد الأقصى وعلى عدم
محاكمتها يهودا يشتبه في ارتكابهم جرائم ضد فلسطينيين.
ثم وجه ما بدا وكأنه ضربة قوية حين أشار إلى انطلاق إسرائيل في
البناء الاستيطاني بلا رادع قائلا إنها “زادت من نشاطاتها
الاستيطانية في كل مكان وخرقت كل الاتفاقيات الموقعة.”
وقال إن إسرائيل “قامت بتدمير الأسس التي بنيت عليها
الاتفاقيات السياسية والأمنية علاوة على ما قامت به الحكومات
الإسرائيلية المتعاقبة من إجراءات أدت إلى تعطيل المرحلة
الانتقالية الهادفة إلى تحقيق استقلال دولتنا وغيرها من الانتهاكات
مما جعل الوضع غير قابل للاستمرار.”
كان عباس يشير إلى اتفاقات أوسلو التي أبرمت في منتصف
التسعينات وانطوت على سلسلة من الإجراءات السياسية والاقتصادية
والأمنية شكلت الأساس لدبلوماسية استمرت عقدين وكرست العمل نحو
تحقيق الهدف النهائي المتمثل في قيام دولة فلسطينية.
وقال الرئيس الفلسطيني “لهذا فإننا وبناء على كل تلك المعطيات
نعلن أنه ما دامت إسرائيل مصرة على عدم الالتزام بالاتفاقيات
الموقعة معنا والتي تحولنا إلى سلطة شكلية بدون سلطات حقيقية
وطالما أن إسرائيل ترفض وقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى وفق
الاتفاقات معها فإنها لا تترك لنا خيارا سوى التأكيد على أننا لن
نبقى الوحيدين ملتزمين في تنفيذ تلك الاتفاقيات بينما تستمر
إسرائيل في خرقها وعليه فإننا نعلن أنه لا يمكننا الاستمرار في
الالتزام بهذه الاتفاقيات وعلى إسرائيل أن تتحمل مسؤولياتها كافة
كسلطة احتلال.”
لكن بمجرد أن ألقى الزعيم البالغ من العمر 80 عاما قنبلته
المفترضة انهالت التساؤلات حول تبعاتها العملية.
فعباس لم يقل إنه سيحل السلطة الفلسطينية التي تعطي
الفلسطينيين حكما ذاتيا محدودا في الضفة الغربية وغزة ولم يقل إنه
سيوقف التعاون الأمني مع إسرائيل وهما البندان الرئيسيان في
اتفاقات أوسلو.
* غياب الخيارات
لم يلمح عباس أيضا إلى أنه سيتنحى عن منصبه الذي يتولاه منذ
عام 2005 والذي نتج أيضا عن اتفاقات أوسلو.
ولم يترك الخطاب أثرا كبيرا لدى المحللين السياسيين
الفلسطينيين رغم أنهم لم يفاجأوا بأن المطروح أقل من الموعود.
قال هاني المصري وهو كاتب وأكاديمي ومعلق سياسي مقيم في الضفة
الغربية إن كلمة عباس جاءت مخيبة للآمال وتعكس “الحيرة والارتباك
وغياب الخيارات.”
وأضاف “طرح الرئيس الشكوى والاستجداء والمطالب والتساؤلات ولم
يقدم خطة واضحة بمعنى هل غدا سيكون الوضع غير ما هو عليه اليوم أو
أمس؟”
وتابع قائلا “لم يكن هناك أي قنابل في خطاب الرئيس ولا حتى
فتاش” مضيفا أنه يعتقد أن الكلمة أضعفت موقف عباس.
وسارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بانتقاد خطاب
عباس وقال إنه “مضلل ويشجع على التحريض والفوضى في الشرق الأوسط.”
وقال في بيان “نتوقع وندعو السلطة (الفلسطينية) وزعيمها إلى
التصرف بمسؤولية والاستجابة إلى اقتراح…إسرائيل بالدخول في
مفاوضات مباشرة مع إسرائيل بدون شروط مسبقة.”
ومن المرجح أن يسير نتنياهو على نفس المنوال حين يلقي كلمته
أمام الجمعية العامة اليوم الخميس حتى رغم أن أيا من الجانبين لم
يظهر في الواقع حماسة كبيرة للعودة للمحادثات.
كانت المفاوضات السابقة قد انهارت في أبريل نيسان 2014 مع
إحباط الفلسطينيين لعدم التزام إسرائيل بالإفراج عن الأسرى واستياء
إسرائيل من قرار عباس تشكيل حكومة توافق مع حركة المقاومة
الإسلامية (حماس).
وما لم تقرر إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير
خارجيتها جون كيري القيام بمحاولة أخرى في مساعي إنهاء الصراع
الممتد منذ 70 عاما قبل انقضاء فترة ولاية أوباما الثانية فستكون
فرص استئناف المحادثات هزيلة للغاية.
* تشبث بالمواقف
لكن هذا لن يوقف على الأرجح نتنياهو عن التشبث بموقفه القائل
بأن عباس يرفض الانخراط في مفاوضات ولن يمنع عباس عن الرد بأنه لن
يعود إلى المحادثات إلا إذا احترمت إسرائيل التزاماتها السابقة.
في غضون ذلك ستتعلق كل الأنظار بعباس لمعرفة إن كان سيتبع
كلماته في الأمم المتحدة بأفعال على أرض الواقع. فإن كان يعتزم
التخلي حقا عن اتفاقات أوسلو فعليه أن يحل السلطة والشرطة
الفلسطينية وكل الخدمات المحلية في أنحاء الضفة الغربية وغزة.
قال أكرم الرجوب محافظ نابلس لراديو إسرائيل إن ما يريد عباس
قوله هو أنه إذا كانت الحكومة الإسرائيلية تريد أن تكون سلطة
احتلال فعليها أن تضطلع بالمسؤوليات التي يمليها عليها ذلك الوضع
وسيتعين عليها فعل كل شيء مؤكدا أن الجانب الفلسطيني لن يمكنه
الاستمرار في تنفيذ التزاماته من طرف واحد.
ومن شأن هذه الخطوة أن تضع عبئا هائلا على كاهل إسرائيل إذ
سيتعين على القوات الإسرائيلية أن تعود إلى المدن الفلسطينية لبسط
الأمن وسيكون لزاما على السلطات الإسرائيلية التعامل مع خدمات
التعليم وجمع النفايات والخدمات المجتمعية والمرافق.
ولخص تعليق ألقاه مسؤول فلسطيني كبير بعد كلمة عباس مباشرة
النتيجة..
قال علي اسحق عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
في بيان “الظروف السياسية والإقليمية الحالية كانت تقتضي الإعلان
عن مواقف واضحة من الناحية السياسية وغير ملتبسة.”
وأضاف أن إعلان الرئيس الفلسطيني عدم التزامه بالاتفاقات
الموقعة مع الإسرائيليين مادامت لم تلتزم بها “موقف ملتبس لا يرقي
إلى حد الإعلان عن إلغاء اتفاقات أوسلو.”
(إعداد أمل أبو السعود للنشرة العربية – تحرير سيف الدين حمدان)