عبد الحميد بيليجي
باتت حكومة العدالة والتنمية في تركيا تستغل حتى الدين من أجل المكاسب السياسية إلى درجة أنها حملت المصحف في الاجتماعات الجماهيرية. وهي الآن كمن أعلن الحرب على كل من لا يشاطرها الرأي.
إنها تودُّ إسكات جميع المثقفين الديمقراطيين من أمثال: أحمد ألطان وأكرم دومانلي وحسن جمال وجولتكين آوجي. وأصبحت جميع وسائل الإعلام التي تعترض على أوضاع البلد وتتحدث عن الأخطاء تحت التهديد.كما أنها تسعى لإلقاء الرعب في قلوب رجال الأعمال المحترمين من خلال التحقيق معهم بتهمة” الإرهاب”، مثل أيدين دوغان صاحب مجموعة “دوغان”، وأكين إيباك صاحب مجموعة “إيباك”، وإسحاق ألاتون رئيس مجلس إدارة مجموعة “آلاركو”.
أما محاولة الضغوط والقضاء على حركة الخدمة فقد أصبحت أشبه بالإبادة الجماعية. حيث تتعرض أفضل المدارس في تركيا لمداهمات الشرطة. فقبل بضعة أيام، اقتُحمت مدرسة سامانيولو، إحدى أفضل المدارس في العاصمة أنقرة، بمشاركة نحو 500 شرطي من دائرة مكافحة الإرهاب. وهي مدرسة درس فيها كثير من أبناء مسؤولي الحزب الحاكم مثل ابن وزير التربية والتعليم حسين تشاليك. إنهم يرسلون شرطة مكافحة الإرهاب إلى مدارس الأطفال. كما أنهم يصنفون الجميع سواء كانوا في الحياة المدنية أو المؤسسات الرسمية.
وهم لا يكتفون بتهديد الصحفيين ورجال الأعمال البارزين فقط، بل يهددون حتى الباعة البسطاء في المناطق النائية من تركيا. وهذا ليس على صعيد تركيا فحسب، بل إنهم يستهدفون المدارس التركية التي تمثل تركيا بجدارة في خارج البلاد، ويستهدفون أيضا المدرسين فيها بالإضافة إلى الجمعيات الخيرية مثل كيمسا يوكمو. وباتوا يشكون هؤلاء المدرسين إلى الدول الأجنبية لكي تغلق تلك الدول المدارس التركية في الخارج، مع أنهم يفشلون في ذلك فشلاً ذريعاً. وأصبحوا يتهمون الأستاذ فتح الله كولن بأنه مدَّعي نبوة، وعالم مزيف، وحتى إرهابي، مع أنهم كانوا يزورونه زيارات عائلية ويبالغون في مدحه من قبل.
ولكن لماذا كل ذلك؟ فهم أيضاً جماعة تعرضوا لمثل هذه المعاملة من قبل، إلا أنهم بعد أن وصلوا إلى السلطة تغيرت أحوالهم ومواقفهم فلماذا؟ لنفترض أنهم عادوا إلى هوية الإسلام السياسي، فأصبحوا يعادون اليساريين والليبراليين والعلويين والأكراد والعلمانيين. ولكن ما سبب ومصدر حقدهم وعدائهم إلى هذه الدرجة لحركة الخدمة المتدينة المحافظة مثلهم؟
إن كتب التاريخ مليئة بذكر المظالم والأعمال الوحشية التي ارتُكبت باسم الأديان، وبالحديث عن اتخاذ الأفكار النازية والفاشية وسيلة للأغراض السياسية. ولاتزال الأماكن التي حُرقت في أوروبا من قبل متعصبي المذاهب المسيحية قائمة ومحفوظة لتكون عبرة و”ذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْأَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ”.
ونحن في الواقع نحب أن نتهم الغرب ونبرئ أنفسنا في خطبنا الرنانة، ولكن عقلية الحكومة الحالية التي تقوم على انتهاك القانون والحريات وممارسةِ الضغوط على كل من لا يتفق معها،ما هي إلا امتداد لمرض نرى أمثلته الكثيرة في التاريخ الإسلامي أيضاً.
فهل فكرنا في “العقلية” التي تدفع أشخاصاً يعتبرون أنفسهم أكثر إسلاماً منا جميعاً إلى ارتداء أحزمة ناسفة وتفجير أنفسهم وسط المسلمين في الأسواق والمدارس والجوامع التي تعج بالمدنيين من الأطفال والنساء والمسنين كما يحدث في أفغانستان وسوريا ونيجيريا والعراق؟
لقد كان خباب بن الأرت من العبيد المهرة في صناعة السيوف وهو من السباقين للدخول في الإسلام. وقد قام سيده بكي رأسه بحديدة ساخنة بعد أن ربط يديه ورجليه، وألقى به في نيران ملتهبة كي يرده عن دينه. ولكنه لم يتراجع عن دينه. فنال مديح ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم. ولكن بعد مدة ظهر الخوارج بين المسلمين، فذبحوا ابن هذا الصحابي الجليل عبد الله أمام زوجته كما تُذبح الشاة. فالتعصب أعمى قلوبهم. حتى إنهم قتلوا زوجته الحامل مع جنينها. أتعلمون ما هو ذنب عبد الله؟ كان ذنبه أنه يحب ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم ووالد السبطين الحسن والحسين رضي الله عنهما، ورابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويرفض تشويه سمعته. وكان هؤلاء المجرمون يتجنبون أكل تمرة بغير إذن صاحبها ويقضون ليلهم ونهارهم بالصلاة حتى تكوى جباههم. ولكن أبصارهم وقلوبهم عميت من شدة التعصب. وقد تعرض الحسين رضي الله عنه وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة والإمام الرباني (رحمهم الله) لمظالم السياسة المتعصبة على منوال الخوارج.
وحتى نعرف الشخصيات القديمة التي تأثر بها الأشخاص الذين ينتهكون القانون والأخلاق والضمير ولا يعترفون بأي مبدأ في العالم الإسلامي اليوم أنصحكم بإعادة قراءة مؤلفات ترصد “ظاهرة الخوارج” بتداعياتها القديمة والحديثة، منها كتاب “الخارجية والخوارج الجدد بين الماضي والحاضر” باللغة التركية للدكتور علي أونصال.