عمر نور الدين
أصدقكم القول، ولا أتورع أيضا عن القسم على أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لايصدق نفسه فيما يزعمه عن حركة” الخدمة” التركية، التي درج على وصفها بالكيان الموازي بعد الكشف عن أكبر فضيحة فساد ورشوة في تاريخ الجمهورية التركية عبر تحقيقات 17 و25 ديسمبر/ كانون الأول 2013.. وإنما جرى توظيف هذه الاتهامات وعمليات ” مطاردة الساحرات” من أجل خداع المواطنين وصرف الأنظار عن هول أعمال الفساد التي ضربت تركيا وزكمت رائحتها الأنوف.
أما الإمعان في الظلم والتمادي في التشفي ومحاولات النيل والتدمير من الحركة والمؤسسات التابعة لها فإن له دوافع أخرى أشدها تأثيرا، في هذه الحرب التي استخدم فيها أبشع وسائل العقاب من اعتقال أبرياء إلى تشريد الآلاف من عائلات رجال الأمن وحبس الصحفيين والتحقيقات وأعمال التفتيش ونشر الشائعات واستخدام الإعلام الموالي كأداة دعاية سوداء لتشويه جانب كبير من أبناء الشعب التركي وخلق العداوة والبغضاء وإثارة الحقد والضغائن في النفوس، هو الحسد الشخصي من جانب أردوغان وحقده على حركة الخدمة كمؤسسة مدنية خضع عن إخضاعها لسطوته مثلما فعل مع العديد من المؤسسات والمجموعات الكبيرة في تركيا وصولا إلى الأوقاف والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني كبيرها وصغيرها.
حسنا، على مدى حوالي عامين لم يضيع أردوغان ثانية واحدة ولم يفوت فرصة أو محفلا في الداخل أو الخارج إلا وحاول فه تشويه حركة الخدمة ووصمها بأنها كيان مواز، بل وذهب به الشطط إلى القول بأنها تنظيم إرهابي، لكن ماذا كانت المحصلة؟
لن نتحدث بعبارات إنشائية أو بكلام مطلق لا دليل علي مثلما يفعل أردوغان وحكومة العدالة والتنمية وإعلامهما الممول من أموال الدولة وشركاتها وإنما سنتحدث بلغة الحقائق وسنحتكم إلى لغة العلم وإلى البحث العلمي المبني على منهج لايتسلل إليه الخطأ إلا في أضيق الحدود وبنسبة يصعب ذكرها.
فبحسب استطلاعين للرأي أجرتهما شركتا متروبول “Metropoll” وجازيجي “Gezici”، وهما من أكبر شركات استطلاعات وبحوث الرأي العام الموثوق بها في تركيا، تبين أن اثنين في الألف فقط هم من يصدقون ما يزعمه أردوغان عن حركة الخدمة التي يصفها بالكيان الموازي والتنظيم الإرهابي، بل إن الشعب التركي يرى أردوغان هو السبب الرئيس للفوضى التي تشهدها البلاد.
وأوضحت شركة جازيجي أن استطلاع الرأي الذي أجرته في الفترة بين يومي 12 و13 سبتمبر/ أيلول الجاري، أظهر أن 40.7% من الشعب التركي يحمل أردوغان مسؤولية الفوضى المتفاقمة في البلاد. بينما حمَّل 34.9% من المشاركين في الاستطلاع حزب العدالة والتنمية مسؤولية الفوضى التي سادت في جميع أنحاء البلاد عقب خسارته الانفراد في الحكم بعد الانتخابات البرلمانية في 7 يونيو/ حزيران الماضي.
أما الاستطلاع الذي أجرته شركة متروبول، وهي شركة يثق فيها العدالة والتنمية نفسه، فإن 42.2% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن الإرهاب ومنظمة حزب العمال الكردستاني هما المشكلتان الأكبر في البلاد، ويليهما في المرتبة الثانية الأزمة الاقتصادية بنسبة 22.4%، ومن ثم تبعها على التوالي: مفاوضات السلام والتسوية، وممارسات الفساد، والرئيس أردوغان، والتعليم، وسوء إدارة البلاد، وضبابية المشهد السياسي.
هذا ما تقوله استطلاعات الرأي المبنية على أسس ومناهج علمية لايرقى إليها الشك، وما يقوله الناس ويترجمونه كحقائق على الأرض يصدق ما تقوله الاستطلاعات والدراسات والأبحاث العلمية، فمدارس حركة الخدمة التي كرس أردوغان من جهده الكثير لحربها داخليا وخارجيا لم تتأثر بكل ما فعل على مدى عامين ولم يضعف الإقبال عليها داخل وخارج تركيا لأن الناس ببساطة لم تصدق الأكاذيب حول هذه المدارس.
بل إن الأكثر من ذلك هو ما جاء على لسان أحد رفاق درب أردوغان نائب رئيس الوزراء السابق وأحد المؤسسين الرئيسيين لحزب العدالة والتنمية بولنت أرينتش الذي قال إنه لو كان كل من تعلم في مدارس الخدمة من أتباع الكيان المواي فأنا ف مقدمة هؤلاء لأن أبنائي تعلموا في هذه المدارس.
ولعل تصريحات أرينتش تؤكد حقيقة أن كل ما يقال عن حرركة الخدمة ماهو إلا محاولات يائسة للتشويه لم يقم عليها أي دليل وأن من يتهم الخدمة بأنها تنظيم إرهابي ، لاسيما من فريق أردوغان والعدالة والتنمية ، عليه أن ينظر جيدا في الأيام الخوالي التي كانت تركيا فيها تتجه نحو الديمقراطية أو هكذا كان يبدو من سياسات العدالة والتنمية حيث كانت الخدمة ومؤسساتها من أكبر الداعمين لهذا التوجه وبالتالي فإنهم حين يتهمونها اليوم فإنهم في الحقيقة يتهمون أنفسهم بكل ما يقولون.
وبعد كل ذلك، وبعدما أظهرته استطلاعات الرأي وما صرح به بعض المقربين لأردوغان.. ما هي محصلة حملات التشويه على مدى عامين.. المحصلة تقول ببساطة إن كل ما فعله أردوغان لم يكن إلا حرثا في الماء..