(زمان التركية)ـــ قال الكاتب الصحفي مارك بنتلي المدير السابق لمكتب وكالة بلومبرغ للأنباء في تركيا في مقال له، إن أردوغان لم يأتي بجديد فيما يخص السياسة الاقتصادية التي يتبعها حاليًا، وأنها ليست “أردوغانية” خالصة، بل هي تطبيق لسياسات وضعها زعماء إسلاميون سبقوه.
وقال “بنتلي” الذي يعد أول صحفي أجنبي يجري مقابلة مع الرئيس رجب طيب اردوغان، بعد فوزه في الانتخابات عام 2002، في مقاله الذي ترجمه موقع (أحوال تركيا) الآتي:
يستقي الرئيس رجب طيب أردوغان على نحو متزايد سياساته الاقتصادية من حركة إسلامية كانت قد أقصيت من السلطة في عام 1997.
وعلى عكس الرأي الشائع، فإن نهج أردوغان غير المألوف في حل مشاكل تركيا الاقتصادية –بما في ذلك التأكيد على أن أسعار الفائدة الأعلى تغذي التضخم– هو نهج ليس بالجديد بالمعنى الدقيق للكلمة.
فما تسمى “الاقتصاديات الأردوغانية” هي في واقع الأمر تستند إلى السياسات التي تبناها رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان الذي ظل أستاذا لأردوغان في عالم السياسة حتى وفاته في أبريل عام 2011.
ومن بين الإسلاميين الأتراك، كان أربكان — وليس أردوغان — هو أول من رفض السياسات الغربية المدعومة من قبل صندوق النقد الدولي والتي تنظر إلى أسعار الفائدة على أنها أداة بالغة الأهمية في الاقتصاد الكلي.
كما كان أربكان، الذي تزعم عدة أحزاب دينية في تركيا قبل أن يشغل منصب رئيس الوزراء في عامي 1996 و1997، يدعو لاتباع خطوات اقتصادية محددة قبل أن يطيح الجيش به من السلطة، وهي كالتالي:
– يجب أن تدعم البنوك التي تديرها الدولة التوظيف والإنتاج بدلا من العمل فقط من أجل تحقيق الربح.
– يجب أن تطور تركيا صناعاتها الوطنية الثقيلة والدفاعية بدلا من الاعتماد فقط على الواردات.
– يجب أن يعمل البنك المركزي لحساب المصالح القومية للبلاد بدلا من مصالح الغرب.
– بدلا من المحافظة على التعاون الوثيق مع حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي، على تركيا أن تستعيض عن ذلك بدول وحركات أخرى مسلمة بما في ذلك حركة حماس والسودان وإيران.
وبعد شهرين من وفاة أربكان في أبريل عام 2011، فاز أردوغان في الانتخابات العامة بحصوله على 49 بالمئة من أصوات الناخبين، وهو رقم قياسي لسياسي في تركيا التي بها نظام انتخابي متعدد الأحزاب.
وفي نشوة النصر الممزوجة بالشعور بالقوة بعد الفوز بذلك الهامش الكبير، وقف أردوغان في شرفة مقر حزبه في أنقرة ليلة الانتخابات للإعلان عن أن السنوات القليلة القادمة ستكون “فترة أستاذيته” مضيفا أن شعوبا من دول مثل فلسطين ومصر إلى جانب المسلمين في أنحاء أوروبا يحتفلون أيضا بفوزه.
وقبل شهرين من إعادة انتخاب أردوغان عام 2011 — وكان حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه يحكم منذ عام 2002 — وافق أردوغان على تعيين ارديم باشجي محافظا جديدا للبنك المركزي. كانت ولاية باشجي تمثل حقبة جديدة لسياسة البنك النقدية، حيث إن البنك تنحى بعيدا عن استهداف التضخم واتجه إلى دعم الاقتصاد وسياسات أردوغان المرتبطة بالنمو.
كما شهد عام 2011 نهاية حقبة السياسات الاقتصادية التركية التي تركز على الغرب. ولإحداث المزيد من الصخب، سددت الحكومة ما تبقى عليها من ديون لصندوق النقد الدولي عام 2008، وهو إنجاز وصفه أردوغان بالنصر لاستقلال تركيا الاقتصادي.
لكن الأزمة المالية العالمية التي جاءت فيما بعد وما أعقبها من تداعيات اضطر الزعيم التركي إلى التركيز على القضاء على الركود وتقليص آثار تراجع الاقتصاد العالمي على الأوضاع المالية العامة للبلاد وعلى صناعتها.
لكن في الفترة السابقة على الانتخابات، طرح أردوغان خطته لتركيا حتى عام 2023 وتعهد بالتخطيط لمسار مستقبلي لتركيا تمثله الإنجازات في قطاع الصناعة. فبجانب عدد من خطط الإنفاق على البنية التحتية، كان البرنامج يتضمن أن تنتج تركيا سيارات ودبابات وطائرات حربية من ابتكارها خلال الأعوام الاثنى عشر التالية.
كما شرع أردوغان في تسخير موارد البنوك التي تديرها الدولة التركية على نحو متزايد لتمويل المشروعات القومية المهمة، بما في ذلك الطرق والجسور والبنى التحتية الأخرى. في الوقت ذاته، استخدم أردوغان سلطة الحكومة على البنوك لتغيير آليات حركة الأسواق المالية، مما دفع البنوك إلى الموافقة على قروض بفائدة أقل من أسعار السوق لدعم التوظيف والشركات.
وفي عام 2016، حولت الحكومة البنوك، ومن بينها بنك خلق والبنك الزراعي — أكبر مصرف في تركيا، إلى صندوق الثروة السيادي للبلاد المؤسس حديثا. وسمح ذلك الإجراء للشركات بدعم الاقتصاد بعيدا عن العقبات التي تشكلها الرقابة البرلمانية.
وأخيرا، وفي إشارة أخرى على اتباع سنن أربكان، زاد أردوغان المبادرات التركية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبعد سلسلة من الاجتماعات السرية مع مسؤولين أتراك، استقبل أردوغان الزعيم الحمساوي خالد مشعل ودعاه إلى إلقاء كلمة خلال اجتماع لحزب العدالة والتنمية عام 2012. في الوقت ذاته، كان أردوغان يعطي دعما قويا لحكومة جماعة الإخوان المسلمين في مصر وظل كذلك إلى أن تمت الإطاحة بها في يوليو 2013. أغضب ذلك أردوغان لكن ذلك لم يفت في عضده، فقطع العلاقات الدبلوماسية مع حكومة المشير عبد الفتاح السيسي وسعى إلى تعزيز العلاقات مع إيران وقطر والسودان.
ويبدو أن فضيحة فساد تفجرت أواخر عام 2013 تكشف حجم الدعم الذي كانت تعطيه حكومته للجمهورية الإسلامية الإيرانية. تدور الاتهامات حول تورط الحكومة في مخطط للتحايل على العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران. وقد شكلت تلك المزاعم أساسا للأدلة في محاكمة مسؤول بارز في بنك خلق التي تجري في نيويورك حول تهمة خرف العقوبات والاحتيال المصرفي.
ولنتحول إلى السودان، حيث جعل أردوغان العلاقات مع الرئيس عمر البشير ذات أولوية للسياسة الخارجية التركية. واستقبل البشير — المطلوب للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم حرب — أردوغان في الخرطوم الشهر الماضي في أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس تركي.
وصف أردوغان البشير بالأخ ووقع معه 13 اتفاقا بهدف تعزيز التجارة والتعاون. وقبل ذلك بثلاثة أشهر، وقعت انقرة أيضا اتفاقا بخمسين مليون دولار يتعلق بقاعدة عسكرية في البلاد.
وقال المبعوث الإسرائيلي السابق لدى مصر تسفي مزئيل الأسبوع الماضي إن تركيا تؤسس بنية تحتية بحرية ومخابراتية على جزيرة مملوكة للسودان في البحر الأحمر. أضاف أن المشروع جزء من “حلقة تعاون عسكري” على طول الساحل الشرقي لأفريقيا يهدد الأمن الإقليمي.
ومنذ انتخابات عام 2011 وأردوغان يصعد أيضا انتقاداته للغرب ولحلف شمال الأطلسي قائلا إن الدول الأعضاء يدعمون جهود نسف الاقتصاد التركي والإطاحة به من الحكم.
وفي إشارة مستترة إلى الغرب هذا الأسبوع، قال جميل ارتيم — وهو أحد كبار المستشارين الاقتصاديين لأردوغان — إن العقول المدبرة للانقلاب الذي أطاح بأربكان مسؤولة الآن عن المشاكل الهيكلية التي تعاني منها تركيا، ومن بينها التضخم والبطالة وأسعار الفائدة المرتفعة.
أضاف أنه على الرغم من محاولات إخراج تركيا عن مسارها، فقد آن الأوان لرفض المذاهب الاقتصادية الغربية ودعم الصناعة التركية.