إسطنبول (زمان عربي) – في الوقت الذي تشهد فيه تركيا خاصة المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية منها زيادة كبيرة لأعمال شغب وفوضى دعا الأستاذ فتح الله كولن المواطنين في درسه الأخير إلى التزام الهدوء والصبر مؤكّداً أن المؤمن الحقيقي لا يمكن أن يكون كـ”رجال الشوارع” الذين يصخبون في الأسواق ويثيرون البلبلة والفساد ويهدمون كلّ ما يصادفونه من جماد أو أحياء.
وفيما يلي مقتطفات من درس الأستاذ كولن لهذا الأسبوع والذي ألقاه يوم الأحد الماضي:
إن الإنسان الذي حظي بالخلق في أحسن تقويم وسجد أمامه الملائكة من غير الممكن أن يكون “رجل الشوارع”! ولا يمكن أن يكون إنساناً يخرب ويهدم هذا أو ذاك! ولا يمكن أن يكون إنساناً يحرق السيارات! ولا يمكن أن يكون طعاناً شتاماً سباباً. ولا يمكن أن يستغل كلمات “بسم الله، والله أكبر، ولا إله إلا الله” وينطق بها لسانه ومن ثم أن يرتكب كل الأعمال الدنيئة والشنيعة! إن أطلقنا على أمثال هؤلاء وصف “الإنسان” أو اعتبرنا سلوكهم “إسلامياً”فإن الله سبحانه وتعالى سيحاسبنا على ذلك.
المؤمن قد لا يحمل صفات المؤمنين في كل حالاته
لندع الأشخاص جانباً ونركز على الصفات. فالمؤمن لا تكون كل صفاته إيمانية، بل إن بعض المؤمنين يحملون كثيراً من صفات الكفر. فمثلاً الاعتداء، والإضرار، والكذب، والقذف، وتشويه السمعة ووصم الآخرين، وإسناد ما يفعله إلى غيره… كلها صفات وخصال كفرية. والله سبحانه وتعالى يقضي ويتعامل مع الإنسان وفق الصفات التي يتحلى بها. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ لايَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِن يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ”. لا ينظر إلى القوم أو الحزب أو الجماعة أو المجتمع الذي تنتمون إليه وإنما ينظر إلى قلوبكم.
يجب ألا يخطر على بالنا حتى في أحلامنا فكرة “الردّ بالمثل” إذا سنحت لنا الفرصة
وعلى الرغم من أنكم تضعون كل تصوّراتكم وفق الأهداف السامية والحقائق العلوية، إلا أنه قد يخرج البعض ويبادرون إلى وصفكم دون وجه حق بـ”الكيان الموازي”، أو “الحشاشون”، أو “التنظيم الإرهابي”، حتى قد يصل الأمر بهم إلى اتهام أناس لم يحملوا في حياتهم حتى السكين بـ”التنظيم الإرهابي المسلح”. ومن الممكن أن يحتجزوا الأبرياء في السجون لمدة عامين، دون أن يُعدّوا أي مذكرة اتهام بحقّهم ويقولوا: “ليعانوا ما يعانون”. ومن الممكن كذلك أن يزجّوا بالقضاة الذين أصدروا قرار الإفراج عن هؤلاء بموجب الحقّ والعدل والاستقامة إلى السجن.
لكن كل هذه الأمور البشعة والدناءات والتصرفات الطائشة يجب ألا تدفعكم إلى ارتكاب السلبيات ذاتها. و”فكرة الردّ بالمثل عند التمكّن” يجب ألا يخطر على بالنا حتى في أحلامنا. ومع أن الدين أجاز “الردّ بالمثل”، إلا أن أبطال الشفقة يجب ألا يستخدم حتى هذه الرخصة. ذلك أن الله سبحانه وتعالى يقول: “وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَاعُوقِبْتُم بِهِۖوَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَخَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ”.(النحل: 126).
فهذه الآية تدل على أن لكم الحقّ في “الرد بالمثل” إذا تعرّضتم للعقاب والتعذيب والأذى. وهذا مقتضى الحق والعدل والصدق وتطبيق أحكام الدين بصورة صحيحة. لكن هناك تصرفات لا يمكن أن يُقْدِم عليها المؤمن، ولو كان في أثناء “الردّ بالمثل”. مع ذلك فإن الآية الجليلة تكشف لنا عن أفق أوسع وأعلى من هذا وتقول: “وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ”.
نحن كما لن نركع أمام الطغاة الظالمين كذلك لن نتنازل عن شخصيتنا من أجل بضعة أيام من هذه الدنيا
رغم كل ما حدث لهم، يجب على متطوّعي حركة الخدمة، كما دأبوا حتى اليوم، أن يستمروا في الحفاظ على شخصيتهم ويتصرفوا بما يناسبهم، ويحذروا من الجرح والخدش وسوء القول وكسر القلب من أجل الدنيا المحكوم عليها بالزوال والفناء. بل عليهم أن يواصلوا دعوة الجميع للحب والإخاء.
وإذا كانت هذه هي شخصيتنا وخصلتنا، وتلك هي الحقائق التي نلتزم بها، فإن شتى أنواع الظلم والإساءة التي نتعرض لها ينبغي أن لا تقودنا إلى تنكيل هؤلاء الظالمين وإبادتهم واغتيابهم والافتراء عليهم واقتراف الشناعات التي ارتكبوها بحقنا.