ممتاز أر توركونه
ينشغل المسؤولون السياسيون في تركيا بتأثير الهجمات الإرهابية الدموية على انتخابات 1 نوفمبر/ تشرين الثاني مثلما يحسب بائعو مستلزمات الجنازات أرباحهم،كما كان يحسب المحللون السياسيون على القناة الرسمية (TRT) مكاسب سقوط شهداء داغليجا في التصويت لصالح العدالة والتنمية.
إن الذي أبقى باب هذه التحليلات مفتوحا هو الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يربط بين هجمات العمال الكردستاني والانتخابات. علما بأن الفكرة الأساسية في خطاب أردوغان الموجَّه لرؤساء الجامعات مؤخرا هي الاستقرار، حيث ربط بين انتخابات 1 نوفمبر والهجمات الإرهابية.
وفي هذا الصدد يبني أردوغان علاقة قائمة على الأسباب والنتائج بين ارتفاع وتيرة أحداث العنف وبين ما تمخض عنها من نتائج سياسية، وذلك من خلال نتائج الانتخابات. ولو كنا متأكدين من أن أردوغان يقف على الحياد، لأمكننا القول إن العلاقة التي يبنيها ضرورية جدا في فهم أسباب الإرهاب. ولكن نظرا لاقتراب موعد الانتخابات، فمن المتوقع أن تكون هناك علاقة بين الألغام التي يفجرها العمال الكردستاني، وبين تأثير الصندوق الانتخابي في الحياة السياسية، أي وجود علاقة بين عدد الرصاصات التي أطلقها الكردستاني، والأصوات الانتخابية في الصندوق الانتخابي.
ومن الخطأ الاعتراض على ذلك بالقول: “هل يجوز الحديث عن الانتخابات في ظل قدوم جثامين الشهداء؟!” لأن الحيلولة دون هجمات الكردستاني وإراقة الدماء تتأتى عن طريق قلب النتائج السياسية للعنف رأسا على عقب. وفي الحقيقة ثمة طرف واحد فقط لا يكترث بانتخابات 1 نوفمبر/ تشرين الثاني، وهو العمال الكردستاني الذي حول تركيا إلى بحر من الدماء. صحيح أن العمال الكردستاني لا يكترث بانتخابات 1 نوفمبر، إلا أنه يكترث بسلوك المهتمين بالانتخابات وعلى رأسهم أردوغان، بل يؤسس استراتيجيته بناء على ذلك.
أما فيما يخص حزب الشعوب الديمقراطي فإن مشكلته الأساسية لا تكمن في عدم إبراز الفرق بينه وبين العمال الكردستاني فحسب، بل في عدم اعتراضه على استغلاله كآلة بسيطة بيد الكردستاني. وقد أصبح الشعب يشهد الآن حرب المدن مع منظمة العمال الكردستاني. ولا يمكن أن تنتهي حرب المدن دون الحصول على مكاسب ملموسة كالحصول على الاستقلال الذاتي، أو بصدور عفو عام يشمل الزعيم الكردي عبد الله أوجلان. علما بأن هذه الاستراتيجية تشير إلى نتيجتين أساسيتين ستتمخضان بشكل غير مباشر عن انتخابات 1 نوفمبر:
الأولى على ما يبدو ستلغى انتخابات القادمة في 1 نوفمبر لأسباب أمنية فيستخدم الكردستاني ورقة 7 يونيو/ حزيران الانتخابات السابقة الناجحة كشيك مفتوح.
والثانية أهم من الأولى، لأن الكردستاني سيمهد الجو للانتخابات بحيث يفوز العدالة والتنمية.. فشعارهم: “لن نجعلك رئيسا”كان التكتيك الذي استخدموه في انتخابات 7 يونيو، أما تكتيكهم في انتخابات 1 نوفمبر فهو شعار: “سنجعلك رئيسا”. فهل هذا ممكن؟ إذا لم يتخطَّ الشعوب الديمقراطي العتبة الانتخابية فإن الأصوات التي جمعها في انتخابات 7 يونيو/ حزيران ستصبُّ في خانة العدالة والتنمية بحيث تزداد مقاعده80 مقعدا أو ينقص قليلاً حصل عليها الشعوب الديمقراطي. إذن فلماذا يسعى الكردستاني إلى تحقيق هذه النتيجة؟ هل يفضل العمال الكردستاني أن يواجه حكومة ائتلافٍ بين حزبي الحركة القومية والشعب الجمهوري؟ أو حكومة القصر التي أصبحت ضعيفة وفقدت شرعيتها، وهي تنشر الفوضى باستمرار؟
بيد أن السؤال الذي طرحه نائب حزب الشعب الجمهوري عن إزمير محرم إينجا: “هل كنتَ تملأ صناديق الأحذية عندما كان العمال الكردستاني يخزن الأسلحة؟” يشير إلى العلاقة بين إرهاب الكردستاني وعمليات الفساد من جهة، وبين غياب المشروعية وتأثيرها في أجواء الانتخابات القادمة من جهة أخرى. فلو لم يُنتهك الاستقرار السياسي، والأمن العام، والشرعية، والقانون عبر مطاردة الساحرات المستمرة إلى الآن بحق ما يُسمى بالكيان الموازي؛ ولو لم تُقمع احتجاجات حديقة جزي عبر اتهام الشعوب الديمقراطي بالوقوف وراءها؛ لما أصبح العمال الكردستاني في الراحة التي هو عليها اليوم.
إن إراقة الكردستاني للدماء إنما هي ناجمة عن حسابات الانتخابات السابقة قبل انتخابات 1 نوفمبر. أوليست التنازلات التي يقدمها قياديو المخابرات للكردستاني، قبيل كل انتخابات، بناءً على تعليمات الحكومة؛ هي السبب الرئيسي للعمليات الإرهابية المتصاعدة؟
فالنتيجة هي: بغض النظر عن حسابات الأصوات الانتخابية والمال، ما هو ثمن شعار الكردستاني: “سنجعلك رئيسا هذه المرة”؟