بقلم: علي بولاج
رفض عبد الله كردي والد الطفل السوري ” آيلان” الذي غرق في البحر الجنسيةَ التركية التي عُرضت عليه. وفي حديث له مع جريدة” العربي الجديد” التي تصدر في لندن قال عبد الله كردي: “لا يعنيني العالم الغربي، بل كنت أود أن أسمع أصوات الدول العربية”. ياله من عتاب فطري!
إننا كمسلمين فشلنا في الامتحان الذي خضعنا له عبر ملايين اللاجئين. سورة البلد تعبر لنا عن معاناة اللاجئين اليوم في الجبال والسهول والبحار. حيث قال تعالى: “فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ؟فَكُّ رَقَبَةٍ، أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ، أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ” (سورة البلد 11-16)
علينا أن نبحث ونجد إطاراً لمفهوم إسلامي لهذا الحدث. وإذا كان اللاجؤون الضحايا هم العقبة التي أخفقنا في اقتحامها وتجاوزها، فواجبنا يتمثل في إنشاء أنظمة تستند إلى دولة القانون من ناحية، واتباعِ سياسات اقتصادية عادلة من جهة أخرى.
قد ينظر البعض إلى ما قلته من قبيل الأمور الطوباوية وأدبيات “المدينة الفاضلة”. غير أنني أرى أن القرآن الكريم والتطبيقات التاريخية لمبادئه يقدمان ما يكفي من الآليات والأدوات بحيث سيحلّ المسلمون بها مشاكلهم إذا ما نجحوا في العودة إلى صوابهم واستعادة رشدهم مجدداً وحوّلوا تلك التطبيقات إلى أفعال في حياتهم الفردية والاجتماعية والسياسية.
وبحسب رأيي الشخصي، فإن “اللاجئين” اليوم الذين تحترق قلوبنا من أجلهم هم من صنف الناس الذين يستحقون الزكاة كما جاء في سورة التوبة: “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” (سورة التوبة 60). فأبناء السبيل هم الذين نزحوا عن ديارهم بسبب الحروب والنزاعات والإرهاب والصراعات الدموية. فالآلاف من النازحين الأفغان والسوريين والعراقيين والليبيين يتعرضون للغرق في مياه البحر أو يلقون حتفهم في غياهب الوديان النائية، أو يتسكعون على الأرصفة. كما يتعرضون للاعتداء والطرد من قبل الفاشيين والشوفينيين. لذا يجب على من بلغت أموالهم النصاب أن يجمعوا زكاة أموالهم وزكاة الفطر وصدقاتهم للإنفاق على هؤلاء. ويمكن للجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني أن تقود مثل هذه الأمور.
مع ذلك، فإن هذا تدبير مؤقت لا يجدي كثيراً في معالجة المشاكل الكبيرة والمزمنة. إن التدبير المستدام هو المبادرة إلى تشكيل صندوق خاص وجمع أموال من الموارد الطبيعية في ديار الإسلام كلها للإنفاق على اللاجئين وغيرهم من المحتاجين. وقد قال الإمام الخميني في أحد خطبه: “كل المسلمين لهم حقٌّ في نفط إيران”.
وهذا ليس كلاماً فارغاً ليس له أصل في الدين. بل إن عمر رضي الله عنه رفض تقسيم الأراضي المفتوحة (أرض السواد) عنوة على المقاتلين، بعد معركة القادسية التي قضت على الإمبراطورية الساسانية الفارسية، مع ترك حق الانتفاع بها والتصرف فيها لأصحابها، معتبراً إياها من أموال الفيء وليس الغنيمة، مع وجود ما يخالفه في الظاهر من الآيات والتطبيقات النبوية.
أراد عمر رضي الله عنه أن تكون تلك الأراضي وقفاً للأجيال القادمة يتوارثونها جيلا بعد جيل، ولو لم يفعل لما بقي لمن يأتي بعدهم شيء، وحتى لا يتجمع المال ويكون دولة في أيدي فئة من المسلمين دون غيرهم.
ورغم اعتراض بعض الصحابة على قرار عمر، إلا أن علي بن أبي طالب قد أيد قرار عمر الذي طبق قاعدة الفيء بدلاً من الغنيمة. وظن بعض الصحابة أن عمر خالف النصوص الشرعية الواردة في الغنيمة، إلا أن اجتهاده كان صائبا، لأن فيه مصلحة المسلمين. والأساس أو المقصد الذي اعتمده عمر رضي الله عنه في رأيه هو أنه لو وزّع تلك الأراضي على المقاتلين لانبعث نظام الإقطاع البيزنطي القديم بعد جيل أو جيلين في صورته الإسلامية ليكون المسلمون هم الإقطاعيون هذه المرة. فضلاً عن ذلك فإن عمر رضي الله عنه قال: “لكل مسلم الحق في هذه الأرض حتى الرعاة في مناطق بعيدة مشاركون في هذه الأرض”. وبناءً على اجتهاد عمر رضي الله عنه هذا، فإن لكل المسلمين الحقَّ في الموارد الطبيعية والثروات التي يملكها العالم الإسلامي سواء على سطح الأرض أو في باطنها.
وأنا منذ سنوات أقترح أن تكون هناك قوة إسلامية لحفظ السلام، تتدخل لحل أي نزاع قد يظهر في العالم الإسلامي دون السماح بتدخل القوى الخارجية. وكذلك يجب تأسيس صندوق مشترك من أموال الزكاة لحل المشاكل العامةكاللجوء والفقر. كما ينبغي دعم هذا الصندوق بتخصيص نسبة الخُمس من عائدات الموارد الطبيعية للدول أيضاً. يمكن أن يستفيد من هذا الصندوق المضطرون للنزوح من بلادهم لمختلف الأسباب. ويجب إيواء هؤلاء النازحين أيًّا كان سبب نزوحهم، في مناطق مناسبة من العال مالإسلامي؛ والإنفاق عليهم من هذه الأموال المشتركة، من أجل تأمين المأوى والأمن والرعاية الصحية والتعليم ريثما يعودوا إلى بلدانهم سالمين.
فإما نفكر بطريقة إسلامية ونجد حلًّا إسلاميًّا أو نستمر على العيش في الذل.