بقلم: علي أونال
إن قضية “شاحنات المخابرات التركية”المحملة بالأسلحة المتجّهة إلى تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا كما هي من أكثر المواضيع التي تقضّ مضجع الرئيس رجب طيب أردوغان ومسؤولي حزب العدالة والتنمية، هي في الوقت نفسه من أهمّ القرائن التي تقودنا لفهم ما نعيشه اليوم من أحداث ساخنة.
بحسب الأخبار” الموثقة”التي نشرتها صحيفتا” جمهوريت” و” بوجون” حول استيقاف بعض شاحنات المخابرات التركية التي كانت تنقل الأسلحة إلى خارج البلاد في 1 و19 يناير/كانون الثاني بفترة زمنية وصلت إلى شهرين، وكذلك بحسب ما قالته الصحفيّة الناجحة المعنية بالقضايا القضائية “آرزو يلديز” التي اطلعت على مضمون لائحة الاتهام المعدة من قبل المحكمة في مركز طرسوس بمدينة مرسين، فبينما المفترض أن يكون جهاز المخابرات هو الضحيةَ، وبالتالي المشتكيَ في هذه القضية، رأينا أنه أصرّ حتى اليوم على تجنّب التدخّل فيها والدفاع عنها، كما أن الملفات الخاصة بالتحقيقات البالغ عددها حوالي 25 كراسة تخلو من أية وثيقة تشير إلى تبعية هذه الشاحنات للمخابرات التركية. فضلاً عن أن عزيز تاكتشي أحد المدعين العموم المتهمين بإيقاف شاحنات المخابرات، لكنهم في الحقيقة لم يرتكبوا أية جريمة سوى القيام بمهامهم القانونية، تماماً مثل المدعين العموم ورجال الأمن المشرفين على تحقيقات فضائح الفساد والرشوة الكبرى التي كشف عنها في 17 و25 ديسمبر/كانون الثاني لعام 2013، أرسل مذكرة إلى كل من رئاسة المخابرات وفرعها في مدينة هطاي وطالب بالإجابة على أسئلته “هل الشاحنات المحملة بالأسلحة تابعة لكم؟ وإلى أين كانت متجهة؟ وإلى من أرسلت؟ وما هي مهمة تلك الشاحنات؟ وبأية سلطة رسمية تتحرّك؟”، إلا أنه لم يتلقَّ أي إجابات عن هذه الأسئلة، بالإضافة إلى أن هذه المذكرة المتضمنة لهذه الأسئلة لم يرِد لها أي ذكر أو إشارة في لائحة اتهام النيابة العامة. كما أن السيارة التي كانت ترافق تلك الشاحنات والتي نزل منها أعضاء المخابرات الوطنية بعد استيقافها كانت عائدة لأحد عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي.
ومع أن المشهد كما صوّرنا، إلا أن المدعين العموم المحققين في قضية شاحنات المخابرات المحملة بالأسلحة تجري محاكمتهم حالياً بمطالبة الحبس المؤبد وبتهمة “السعي للقضاء على الجمهورية التركية باستخدام الشدة والعنف، ومحاولة منعها من القيام بمهامها جزئياً أو كلياً، والكشف عن وثائق خاصة بأمن الدولة ومصالحها السياسية”
بالله عليكم! هل هناك تهمة ساخرة كاتهام أربعة مدعين عموم بالانقلاب على الحكومة؟ إذ ليست هناك أية جهة رسمية في تركيا قدمت شكوى إلى المحكمة أو راجعتها في هذا الموضوع بمثل هذه التهمة والمطالبة، وكذلك ليست هناك أية جهة رسمية متضررة من ذلك أو متدخلة في هذه القضية. وإذا كان الحال كذلك، فكيف إذن يعرقل المحققون مهامّ الجمهورية التركية؟ وإذا كان المحققون حاولوا منع الدولة من أداء مهمة ما فما هي هذه المهمة وما نوعها يا ترى؟
هنا بالضبط بيت القصيد! فقد ظنّ حزب العدالة والتنمية أنه يمتلك القدرة على تغيير ملامح منطقة الشرق الأوسط وإعادة تصميمها. لذلك أخذ يحلم بإسقاط الأسد خلال نصف يوم ليقيم صلاة الجمعة في الجامع الأموي. واستخدم كلاً من “سفينة مافي مرمرة” و”العداء لإسرائيل” على الصعيد الخطابي فقط كأدوات للدعاية لدى الشعوب العريضة في سبيل تحقيق هذا الهدف. ولترجمة هذا الحلم إلى أرض الواقع خاض في اتصالات وعلاقات مع بعض المنظمات كتنظيم القاعدة وداعش، كما أنه حاول تقديم مساعدات لمنظمات مماثلة في ليبيا أيضاً. إلا أن جميع محاولاته لم تُجدِ نفعا وباءت بالفشل الذريع، بل جعلت تركيا تعيش أسوأ وأحطّ مراحلها من ناحية السياسة الخارجية.
هل انساق العدالة والتنمية وراء هذا الحلم بإرادته أم دفعه البعض إلى دوامة هذا الحلم على نحوٍ انصبّت كل الأحداث خلال هذه الفترة ضد تركيا في المحطة الخيرة؟
أجل، يبدو أن في تركيا بؤرةً و”كياناً موازياً” يخطّط ويعمل جيداً جداً. إن هذا الكيان هو الذي أوقف العمليات الناجحة التي نفّذتها القوات الأمنية والعسكرية لمكافحة عناصر حزب العمال الكردستاني في عهد وزير الداخلية الأسبق إدريس نعيم شاهين في حكومة العدالة والتنمية عام 2012 بعد تفاقم الهجمات الإرهابية، والتي قال عنها الخبراء بأنها إن استمرت ستقضي على المنظمة الإرهابية خلال شهرين، ومن ثم دفع الحكومة إلى التفاوض مع العمال الكردستاني. وهذا الكيان هو المسؤول أيضاً عن إسقاط طائرتين تركيتين في سوريا. وهو يتعاون اليوم مع العمال الكردستاني في رسم السياسة الداخلية لتركيا؛ ويدفع هذا البلد إلى عقد علاقات وصلات مع تنظيمي القاعدة وداعش وما ماثلهما وتقديمِ دعم لها؛ وبالتالي يدفعه إلى ارتكاب جريمة “دعم الإرهاب” على الساحة الدولية؛ ويخدم مشروع تسليمِ الشمال السوري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي؛ امتداد العمال الكردستاني في سوريا، وتقسيمِ سوريا وتركيا في نهاية المطاف. وهذا هو الكيان نفسه الذي قاد الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي إلى طريق خاطئ انتهى بالإطاحة به.
وهذا الكيان هو “الكيان الموازي” الحقيقي الذي يدير الحرب للقضاء على حركة الخدمة البريئة التي تمثل مستقبل تركيا بل العالم أجمع.