إسطنبول (زمان عربي) – حرمت السلطات التركية بصورة تامة أو بشكل كبير بعض المؤسسات الإعلامية من إعلانات شركات الدولة وذلك لنشرها الأخبار التي تتعلق بفضائح الفساد والرشوة الكبرى التي تكشفت وقائعها في 17 و25 ديسمبر/ كانون الأول 2013 والتي طالت عددًا كبيرًا من مسؤولي حكومة حزب العدالة والتنمية وأسرة الرئيس رجب طيب أردوغان وبعض رجال الأعمال المقربين منهم.
أما الصحف والقنوات التليفزيوينة التي تقدم دعمها وولاءها للحكومة فتنهال عليها الإعلانات بدرجة لم تشهدها في أي وقت مضى.
وبحسب معطيات الشركات المستقلة المعنية بحساب وقياس نسب الإعلانات العامة المنشورة في الصحف والقنوات المؤسسة في الفترة ما بين الأول من يناير/ كانون الثاني إلى الثالث من سبتمبر/ أيلول 2015وفقًا للمكان والزمان والمساحة، فإن صحفاً مثل زمان وبوجون وسوزجو وجمهوريت التي تلفت الانتباه بنشرها أخبارًا معارضة للحكومة منذ مطلع العام حتى الآن تم تجاهلها تمامًا وإسقاطها من مخطط الإعلانات مدفوعة الأجر لشركات ومؤسسات الدولة.
وأظهرت تلك المعطيات أن بنك خلق (Halkbank) الحكومي قدّم إعلانات بمساحة 13 ألفًا و231 سم/ عمود لصحيفة صباح التي يترأسها الأخ الأكبر لبراءت ألبيراق؛ صهر الرئيس أردوغان في الفترة ما بين 1 يناير إلى 3 سبتمبر من العام الجاري.
واللافت أن البنك ذاته لم يقدم في الفترة نفسها أية إعلانات لصحيفة زمان التي يكاد يبلغ عدد توزيعها ومبيعاتها ضعفي صحيفة صباح. كما لم يقدم البنك إعلانات للصحف المعارضة خلال هذه الفترة البالغة تسعة أشهر مثل صحف سوزجو ويني تشاغ ويورت وبيرجون وبوجون ويني آسيا وجمهوريت. وظهر أنه تم منح الصحف الأخرى الموالية لأردوغان إعلانات ما مجموعها 291 ألفًا و549 سم/ عمود.
وفي تلك الفترة، قدّم بنك آخر تابع للدولة أيضاً هو بنك الزراعة (Ziraat Bankası) إعلانات بحجم ألفين و867 سم/ عمود لصحيفة ستار التي بلغ متوسط مبيعاتها الأسبوعية 103 آلاف نسخة فقط. إلا أن اللافت هو أن صحيفة سوزجو التي يصل معدل مبيعاتها الأسبوعية إلى 333 ألف نسخة لم تحظ بأي إعلان من البنك نفسه. كما ظهر أن بنك الزراعة قدّم إعلانات بحجم 1.190 سم/ عمود لصحيفة يني عقد المقربة من الحكومة البالغ متوسط مبيعاتها 55 ألف نسخة أسبوعيًا. بينما لم يقدم البنك ذاته أية إعلانات لصحيفة زمان التي ينظر إليها حزب العدالة والتنمية على أنها معارضة على الرغم من أنها أكثر الصحف مبيعًا في البلاد.
وظهر أن بنك الزراعة وزّع إعلانات بحجم 120 ألفًا و275 سم/ عمود في الفترة ما بين 1 يناير إلى 3 سبتمبر من العام الجاري ولم يقدم أية إعلانات لصحف مثل بوجون وميدان ويورت ويني تشاغ وتوديز زمان وحريت وديلي نيوز وبيرجون وملّي جازيته وجمهوريت ويني آسيا، مما يكشف بوضوح عن كيفية معاقبة وسائل الإعلام التي يصنفها العدالة والتنمية على أنها معارضة.
كما قدّمت شركة الخطوط الجوية التركيّة (THY) الرسمية في الفترة نفسها إعلانات بحجم 693 سم/ عمود لصحيفة جونيش الموالية للحكومة التي يبلغ متوسط مبيعاتها 103 آلاف نسخة أسبوعيًا. إلا أن اللافت هو أن شركة الخطوط الجوية قدمت إعلانات بحجم 188 سم/ عمود لصحيفة الحدث (Olay) وهي صحيفة محليّة في مدينة بورصا شمال غرب البلاد. ولم تمنح أي من الصحف المعارضة إعلانات مثل زمان وميدان وبوجون ويورت وبيرجون وسوزجو وجمهوريت.
ومنحت شركة التركيّة للاتصالات (Türk Telekom) الرسمية أيضاًفي تلك الفترة ذاتها إعلانات بمساحة 6 آلاف و453 سم/ عمود لصحيفة يني شفق الموالية للحكومة والتي يبلغ متوسط مبيعاتها أسبوعيًا 108 آلاف نسخة.
وفي الفترة نفسها حصلت صحيفة أكشام التي قال صاحبها رجل الأعمال أدهم صانجاق مدافعًا عن أردوغان “فداكَ أبي وأمي وأولادي” على إعلانات بمساحة 4 آلاف و850 سم/ عمود. أما الصحف الأخرى الموالية للحكومة والمملوكة لصانجاق، فحصلت صحيفة ستار على إعلانات بحجم 5 آلاف و241 سم/ عمود في نفس الفترة، وصحيفة جونيش على 4 آلاف و323 سم/ عمود، مكافأة على الأخبار والأكاذيب والافتراءات التي نشرتها في الفترة الأخيرة في سبيل الدفاع عن قضايا ومصالح أردوغان والحكومة.
إلا أن اللافت هو أن أكثر الصحف مبيعًا في تركيا في نفس الفترة مثل صحفتي زمان وسوزجو لم تحصلا على أية إعلانات. وتبين أن شركة الاتصالات التركية (Türk Telekom) وزّعت إعلانات بمساحة ما مجموعه 345 ألفًا و111 سم/ عمود على معظم الصحف الموالية للحكومة في تلك لفترة.
أما شركة توركسَل لخدمات الاتصالات المحمولة (Turkcell)، التي تمتلك أسهماً في الدولة، فقامت بتوزيع إعلانات ما مجموعه مليون و82 ألفًا و284 سم/ عمود، حصلت فيها الصحف المقربة من الحكومة على النصيب الأكبر.
ويمكن القول بأن نتيجة أعمال القمع والضغط التي تمارسها الحكومة إلى جانب الشركات والمؤسسات التابعة للدولة جعلت الكثير من الشركات الخاصة أيضًا تقدّم إعلاناتها في الصحف والقنوات الموالية لأردوغان فقط، وتتراج عن منح الصحف المعارضة أية إعلانات.
وعلى الرغم من كل هذا القدر من الضغوط على الصحف المعارضة والامتناع عن منحها إعلانات، يشير الخبراء إلى أن الصحف والقنوات الموالية لأردوغان تتكبد خسائر كبيرة وتحصل في الوقت نفسه على دعم سريّ من الحكومة. كما معروف لدى الرأي العام في تركيا أن أردوغان من يموّل ويسيطر شخصيًّا ومباشرة على صحف مثل صباح وتقويم وقنوات (ATV).