(زمان التركية)ــ تناولت صحيفة الأهرام المصرية في مقال للكاتب سيد عبد المجيد، مفارقات الموقف التركي المعلن، بخصوص القدس المحتلة، والتفاهمات الغير معلنة مع إسرائيل وأمريكا، والتي توجت مؤخرًا بعودة إصدار التأشيرات بين أنقرة وواشنطن.
هى حالة فريدة من جنون العظمة تعيشها نخبة الحكم فى الأناضول ، مدعومة بأبواق دعائية صنعتها هى نفسها وجندت لها جنودا (وإن شئنا الدقة ميليشيات) أوفياء، ومع السطوة وتمددها زحف إليها متطوعون معظمهم متأسلمون وآخرون يريدون مظلة منافع وهكذا وعلى مدى الساعة تنطلق فضائيات وأدبيات سيارة لا تتوقف تصطنع البطولة وتستدعى الأمجاد الغابرة والجسارة المفتعلة.
وكان آخر تجليات ذلك ، ما اثير بشأن فخر الدين باشا الحاكم العثمانى على المدينة المنورة فى العقد الثانى من القرن الماضى والأزمة التى ترتبت عليها بين تركيا والإمارات إثر تغريدة أعاد بثها وزير خارجية الأخيرة وهى فى الأصل لطبيب عراقى مقيم فى ألمانيا وصف فيها «فخر الدين بأنه لم يكن نمرا بل لص»، وكان هذا كفيلا بإثارة موجة غضب عارمة قادها بنفسه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان.
ولكن ما يعنى كاتب هذه السطور هو هذا النضال المرير لإضفاء قداسة على حقبة تتضاءل إنجازاتها أمام مساوئها وهو ما أثبتته عشرات المؤلفات بما فيها تلك التى خطها مؤرخون أتراك والدليل على ذلك انهيارها مع أولى صرخات الكماليين (أنصار أتاتورك) لكن العدالة والتنمية الحاكم كان له ــ ومازال ــ رأى آخر هو النقيض.
وفى هذا السياق لم يكن الأمر ذلة لسان بل مقصود عندما قالت السيدة أمينة أردوغان قرينة الرئيس التركى «أننا جئنا لنقضى على ظلم استمر 90 عاما» فى إشارة إلى « حقبة الكمالية الملعونة التى دشنها أتاتورك على ما وصف آنذاك زورا وبهتانا بأطلال الإمبراطورية العثمانية»ولأن الأخيرة «مفترى عليها من قبل العلمانيين التغريبين» فها هو السعى الحثيث الذى يجرى بخطى حثيثة ــ وبتوجيهات الساكن بقصره الرئاسى الفخم بضاحية بيش تبه بالعاصمة أنقرة ــ والهدف منه «نقل التقليد العثمانى والسلجوقى إلى حاضرنا» هكذا عبر أحد كتابه المقربين له والذى مضى مسترسلا “أنه تحول بمجرى التاريخ وبداية لتركيا كى تدشن عصر صعود جديد”.
ولم ينس أن يطمئن العالم ” المتعطش والمتلهف ” لعودة أحفاد المؤسس أرطغرول ، بأن ” الراية التى سقطت قبل مائة عام على هذه الأراضى (هضبة الاناضول وامتداداتها)، الآن ترتفع عليها معلنة بداية النضال الذى سيقوى بمرور الزمن، إننا فى هذه المرة الثانية نقف بالصف الأول لجبهة تصفية الحسابات ، نحن هنا، وسنظل إلى الأبد ، وبالتالى لا يحق لأى من كان أن يسب تلك الحقبة الغالية والمقدسة بكل شخوصها ، المجرمون فقط هم من وصفوها برجل أوروبا المريض وهذا لا يقتصر على الداخل بل الخارج وليكن الاحرار العثمانيون على أهبة الأستعداد للذود والدفاع عن هذا الماضى التليد”.
على هذا المنوال عزفت ــ ومازالت ــ الجوقة الأردوغانية ذات اللحن ، ولكن بتنويعات مختلفة وكأنها تستحضر معركة حطين فعلى سبيل المثال لا الحصر راحت تردد ” كلما علا صوت أردوغان الجهور أكثر فأكثر ليكون أملا للشعوب المظلومة فى العالم الإسلامي، يشتاط الأعداء غضبا وهم مع الأسف من بلدان يفترض فيها أنها شقيقة “.
وبتلوين إيقاعى مغاير لشحذ الهمم تتساءل « متى يستقيظ المسلمون لمواجهة تلك الموجة المدمرة من (الصليبين الجدد) التى لا تستهدف أراضيهم ومدنهم فحسب بل تستهدف كذلك قيمهم ورموزهم؟
وهل ” سيتسترون على الفضيحة الإقليمية التى تورط فيها بعض الزعماء والأنظمة التى احتمت بأمريكا وإسرائيل وبريطانيا من أجل حماية أنظمتهم وفيها « عقدوا اتفاقات سرية لبيع القدس ووضعوها على طاولة المساومات”؟
وفى نشوة المنتصر الظافر تختتم بالنهاية السعيدة لقد ” جاء القائد أردوغان ليجهض تلك المؤامرات ، معلنا أنه لن يسمح أبدا بالمساس بالمقدسات ” وبلغة مملوءة بالكبرياء قالت “إن القرار الصادر بشأن قضية القدس فى قمة إسطنبول يعتبر تحديا للعالم الغربى الإمبريالي، وأولى خطوات محو الوجود الأمريكى فى الشرق الأوسط نحن الأتراك أحفاد فخر الدين باشا قادمون « ولم يبق سوى أن تستفيق المنطقة وتتحرك ملبية ندائهم ؟
وفجأة تواترت أنباء عن محاولات جادة لإعادة المياه لمجاريها (سياسيا) فالاقتصادية قائمة ولم تنقطع مع الدولة العبرية التى وصفت بنعوت أقلها الصهيونية الشريرة وقبلها بأيام وفى خطوة مباغتة عادت التأشيرات بين الولايات المتحدة وتركيا ، بعد أكثر من ثلاثة أشهر تخللها سجال صاخب وتصريحات أناضولية متشنجة وبانقلاب 180 درجة طويت مرحلة سيئة لتبدأ صفحة إيجابية وفقا لما صرح به ساسة أتراك بارزون.
وعندما وجهت لهم أسئلة بشأن الضمانات التى قدمت للبيت الأبيض ردوا ــ كما هى عاداتهم ـــ باستهجان بالغ ، وقالوا «بكل فخر إن بلادهم دولة قانون»، كان هذا هو المعلن لكن المسكوت عنه رغم الكتمان وجد طريقه لنشطاء ومعارضين الذين أكدوا «أن حكومتهم الرشيدة استجابت صاغرة للمطالب الأمريكية»، ولأنه لا مجال للمصادفات فالتأشيرات جاءت بالتوازى مع تخفيف واضح لحدة تصريحات أردوغان حول القدس الذى عاد ليركز فقط على الجزء الشرقى منها.