بقلم: شاهين ألباي
اختير أحمد داود أوغلو لمنصب الرئيس العام لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا خلال المؤتمر الاستثنائي الذي عقده الحزب يوم الأربعاء الماضي، بصفته المرشح الوحيد لهذا المنصب. والآن تولّى مهام رئيس الوزراء خلفًا لرجب طيب أردوغان الذي تسلم بدوره منصب رئيس الجمهورية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]حزب العدالة والتنمية يمتلك نظامًا يعمل بكفاءة، لكنه بعيد كل البعد عن أن يكون حزب كتلة ديمقراطية؛ إذ يخضع لسلطة زعيم يعتبره ملكًا خاصًا له. ويرى يشار ياكش، أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية ومن أوائل نواب الرئيس العام للحزب وأول وزير للخارجية في حكومات الحزب، أن الطريقة التي يدار بها حزب العدالة والتنمية تشبه تلك التي تدار بها قبيلة إفريقية. فما يقوله رئيس القبلية، الذي يؤمن الجميع داخل القبيلة بنجاحه، ينفَذ على الفور دون مناقشة.[/box][/one_third]لم يصل داود أوغلو إلى رئاسة حزب العدالة والتنمية نتيجة عقد مؤتمر عام ديمقراطي تنافس فيه أكثر من مرشح، بل وصل بإشارة من أردوغان الذي يميل إلى حصر الديمقراطية في الانتخابات، وهو لا يرى الديمقراطية مناسبة لحزبه، بل يملي عليه نتيجة الاستشارات “المشورة”.
ويشرح لنا بشكل جيد دنجير فرات، أحد أقدم نواب رئيس حزب العدالة والتنمية السابقين، كيف تجري هذه الاستشارة: “إن آلية الاستطلاع المائلة هي عبارة عن استمالة وإلهاء، ولا تغتروا عندما تُستقصى وجهات نظر أعضاء الحزب ورؤساء شُعب البلديات والنواب البرلمانيين، فما هذا إلا إجراء شكلي لإكمال العدد. فهي وجهات نظر ليس لها أي تأثير في أي وقت من الأوقات، فالنتيجة تقدَّم في ظرف مغلق، ولا يوضَّح أبدًا ما هي النتيجة. وفي الحقيقة فأردوغان هو الجهة الوحيدة لإصدار القرارات داخل الحزب” (“صيف ساخن في أنقرة”، مجلة أكسيون، 18/8/2014).
هذا يعني أن حزب العدالة والتنمية يمتلك نظامًا يعمل بكفاءة، لكنه بعيد كل البعد عن أن يكون حزب كتلة ديمقراطية؛ إذ يخضع لسلطة زعيم يعتبره ملكًا خاصًا له. ويرى يشار ياكش، أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية ومن أوائل نواب الرئيس العام للحزب وأول وزير للخارجية في حكومات الحزب، أن الطريقة التي يدار بها حزب العدالة والتنمية تشبه تلك التي تدار بها قبيلة إفريقية. فما يقوله رئيس القبلية، الذي يؤمن الجميع داخل القبيلة بنجاحه، ينفَذ على الفور دون مناقشة. (“دفتر العقل”، قناة مهتاب تي في، 25/8/2014)
الجميع يعرف كيف سيكون داود أوغلو رئيسًا عامًا لحزب العدالة والتنمية، إلا أن التكهنات لا تزال مستمرة حول مسألة كيف سيكون رئيسًا للوزراء، وتناقَش فرضية أنه سيكون “دمية” في يد أردوغان يحركها كيفما ووقتما شاء.
أما الموضوع الآخر الذي يشغل الرأي العام في تركيا هو ماهيّة الأفكار أو الأيديولوجية التي يحملها رئيس الوزراء الجديد في سبيل توجيه دفّة الأمور في البلاد. ولقد بادر الأستاذ المساعد بهلول أوزكان، أحد أعضاء هيئة التدريس بجامعة مرمرة، إلى تحليل ما يربو على 300 مقال كتبه داود أوغلو في الفترة ما بين عامي 1990 و2000، أي قبل أن يخوض غمار السياسة. وتوصل أوزكان بعد هذه الدراسة إلى نتيجة مفادها أن “داود أوغلو ليس من العثمانيين الجدد، بل من أنصار الوحدة الإسلامية التي تخلط الإسلاموية بمنطق التوسع السلطوي للغرب”. (راجع: الصحفية عمبرين زمان، جريدة طرف التركية، 23/8/2014)
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] إن السياسات التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية داخليًا وخارجيًا لا تعتمد في الأساس على أيديولوجية ومبادئ محددة، بل إنها تعتبر بشكل أكبر براجماتية وشعبوية وانتهازية وتسعى للوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها. لكن إذا كنا مجبرين على إيجاد تسمية مناسبة لهذه السياسة، فيمكن حينئذ أن نصفها بأنها “كمالية إسلامية” أو “قومية دينية”.[/box][/one_third]ولا شك في أن البحث الذي أجراه أوزكان يستحق الاهتمام، وربما يرشدنا إلى العقلية التي يفكر بها داود أوغلو خلال عمله الأكاديمي، بيد أننا لو نظرنا إلى أفكاره التي تصف مسيرته السياسية ككبير مستشاري أردوغان منذ عام 2002، ثم كوزير للخارجية اعتبارًا عام 2009، نجدها غير مقنعة البتّة، ويمر السياسيون عادة، كما هو الحال بالنسبة لرجالات الفكر، بفترات مختلفة. ويمكن أن نصادف نماذج قليلة جدًا من أولئك الذين لا تتغير أفكارهم في ظل التغير السريع الذي تشهده الحياة الاجتماعية التي نعيشها اليوم.
وقد مر داود أوغلو بمرحلتين مختلفتين خلال حياته السياسية، كما أن التناقض بين السياسات التي طرحها قبل الربيع العربي وبعده واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، ويرى ريتشارد فالك، الأستاذ الأمريكي الشهير المتخصص في العلاقات الدولية، أن السياسة التي اعتمد عليها خلال فترة توليه حقبة وزارة الخارجية، والتي كانت تستند بشكل أساسي على “البراجماتية”، اتجهت من “تصفير المشاكل مع دول الجوار” إلى “تصفير المشاكل مع الشعوب” (قناة الجزيرة تُورك، 24/8/2014).
أما جراهام فولر، الخبير الأمريكي المشهور بشؤون الشرق الأوسط، فيشير إلى أن الأزمة السورية كانت بمثابة “مقبرة” دفُنت بها السياسة “الواقعية” التي انتهجها داود أوغلو بوجه عام. (تركيا والربيع العربي، ص: 138 و308)
إن السياسة الخارجية التي ينتهجها الثنائي أردوغان وداود أوغلو لا تتوافق مع قوالب العثمانية الجديدة، والوحدة الإسلامية، والمذهبية السنية، وسائر القوالب الأخرى. ومن الصعب جدًا أن نجد تسمية أيديلوجية لسياسة أردوغان الخارجية، لا سيما وأنه أطلق مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، ومنح حلف شمال الأطلسي (ناتو) قاعدة كوره جيك للرادارات في مدينة مالاطيا، شرق تركيا، وحصل على جائزة من اللوبي الإسرائيلي، وأسس علاقة صداقة مع بشار الأسد، وأوصى مصر بالعلمانية، وأعرب لمسؤولي إيران أنه شعر بأنه في بيته الثاني عندما زار طهران.
يمكننا القول إن السياسات التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية داخليًا وخارجيًا لا تعتمد في الأساس على أيديولوجية ومبادئ محددة، بل إنها تعتبر بشكل أكبر براجماتية وشعبوية وانتهازية وتسعى للوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها. لكن إذا كنا مجبرين على إيجاد تسمية مناسبة لهذه السياسة، فيمكن حينئذ أن نصفها بأنها “كمالية إسلامية” أو “قومية دينية”.