من سايمون جونسون ويوهان سنيرو
ستوكهولم 2 سبتمبر أيلول (رويترز) – قد تكون نظم الهجرة
السويدية من أكثر النظم الأوروبية سخاء لكن لها مساوئها.. فسجل
السويد من أضعف السجلات بين الدول الصناعية الثرية في دمج الوافدين
الجدد- لا سيما الاف اللاجئين- في صفوف العاملين فيها.
وساعد هذا الإخفاق في توفير الوظائف التي تعد حجر الزاوية
للقبول الأوسع في المجتمع في إيجاد طبقة دنيا قائمة على أسس عرقية
الأمر الذي فرض ضغوطا على الانفتاح الفكري في السويد على الأجانب
وغذى التيار اليميني المتطرف في مختلف أنحاء دول شمال أوروبا.
وقال مهاد محمد موسى (27 عاما) وهو طبيب تخدير يتقن اللغات
العربية والصومالية والانجليزية والروسية “لم آت إلى السويد من أجل
الرعاية الاجتماعية. لم آت إلى السويد لطلب مساعدة.”
ولم يجد موسى سوي عمل مؤقت في متاجر السوق الحرة بمطار
ستوكهولم منذ وصل إلى السويد قبل قرابة عامين.
وأضاف “لا أطلب سوى السماح لي بأن أحيا حياتي وفق ما نلته من
تعليم.”
ولد موسى في السعودية لأبوين صوماليين ووصل إلى السويد في
يناير كانون الثاني عام 2014 وحصل على إقامة دائمة بعد شهرين.
ويقول موسى إنه تقدم بطلبات إلى 25 مستشفى ومركزا صحيا لكي تسمح له
بمتابعة الأطباء السويديين أثناء العمل فقط لكنه لم يتلق ردا
واحدا.
وقالت دراسة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 2013 إن
معدل البطالة بين المواطنين السويديين يقارب ثلاثة أمثال معدل
البطالة بين المولودين في البلاد وهذا ثاني أسوأ مستوى بين دول
منظمة التعاون بعد النرويج. وتحتل كل من الدنمرك وفنلندا مركزا
متأخرا أيضا في القائمة.
وعلى مر السنين تدفق الاف اللاجئين على دول شمال أوروبا يغريهم
انفتاحها التقليدي وقوة اقتصادها والأمن ونظام الرعاية الاجتماعية.
وتمنح السويد الإقامة تلقائيا للاجئين السوريين وتستقبل من
طالبي اللجوء عددا أكبر من أي دولة أخرى في أوروبا مقارنة بعدد
سكانها ما يجعلها إحدى الوجهات المختارة لكثير من اللاجئين.
ويعتز أغلب السويديين بسجل بلادهم الذي يعود إلى استقبال
لاجئين من شيلي في السبعينات ومن الحرب الايرانية- العراقية في
الثمانينات. واليوم تمتلئ كثير من أحياء المهاجرين بملاعب وحدائق
زاهية الألوان تحظى بالعناية على النقيض من أحياء الوافدين في مدن
مثل باريس.
لكن ثمة إحساس بأن المجتمعات التي ظلت متماسكة بفضل نموذج دولة
الرعاية الوطيد بدأت تتصدع.
* عدم مساواة
ولد حوالي 15 في المئة من السويديين في الخارج وهي نسبة تماثل
الوضع في الولايات المتحدة لكنها تعادل مثلي المتوسط العام في
الاتحاد الاوروبي. وفي السويد يتزايد التفاوت بوتيرة أسرع منها في
أغلب الدول الأخرى المتقدمة.
وكان لهذا دوره في تغذية اليمين المتطرف الذي مست آراؤه عن
الوظائف والرعاية الاجتماعية والاستقرار الاجتماعي وترا حساسا.
فقد اشتدت حدة المشاعر بين مواطني دول اسكندينافيا أن
المهاجرين ما زالوا دخلاء وذلك بفعل اعتداء قاتل على معبد يهودي في
كوبنهاجن خلال ندوة للترويج لحرية التعبير وكذلك اعتداء أحد طالبي
اللجوء على رواد أحد فروع متجر ايكيا في السويد ما أسفر عن سقوط
قتلى.
وأثار مسجد جديد في كوبنهاجن اعتراضات بينما احتج مئات
الفنلنديين مؤخرا اعتراضا على فتح مركز للاجئين في المدينة التي
تعد مقرا لشركة نوكيا.
وتشارك أحزاب مناهضة للمهاجرين في حكومتي فنلندا والنرويج في
حين ينافس حزبا الشعب الدنمركي والديمقراطيين السويديين على المركز
الاول في استطلاعات الرأي في البلدين.
وقالت إيلفا يوهانسن وزيرة العمل في السويد “لدينا جزر أصبحت
فيها المشاكل الاجتماعية مركزة وتعمل البطالة والنتائج المدرسية
السيئة ومشاكل اجتماعية أخرى على تضخيم بعضها البعض.”
وأضافت “هذه ليست مشكلة مرتبطة بعدد اللاجئين الذي نستقبله. بل
تتعلق بفشل الاندماج.”
وتضافرت عدة عوامل لتسهم في ذلك منها التمييز والروتين
والنقابات وقوانين العمل الصارمة التي تجعل من الصعب الاستعانة
بالعمالة الرخيصة بالاضافة إلى صعوبات تعلم اللغات المحلية.
ويتندر السويديون أن لديهم أفضل سائقي سيارات الأجرة تعليما في
العالم. فليس من الصعب العثور على سائق يحمل درجة جامعية في
الهندسة.
وطلب حوالي 81 ألفا اللجوء في السويد العام الماضي وهو ثاني
أكبر عدد من اللاجئين لدولة أوروبية بعد ألمانيا. وهذا نبأ طيب
لبلد تتراجع فيه أعداد السكان في سن العمل — ما دام بوسع الوافدين
الجدد الحصول على وظائف.
* عقبة اللغة
يحتاج اللاجئون القادمون من سوريا وأفغانستان واريتريا للسكن
والتعليم والعمل. ولا يتحدث أحد منهم في الغالب اللغة السويدية وهو
ما يعد عقبة كبرى أمام الحصول على وظيفة.
ويتلقى الوافدون الجدد دروسا مجانية في اللغة لكنهم يقيمون في
منازل منفصلة ويذهبون لمدارس منفصلة وهو ما يعني أن القدر الذي
يتعلمونه من اللغة يظل بسيطا.
وقال سوري من دمشق يدعى طارق عمره 25 عاما “الوضع في غاية
الصعوبة. لدي خبرة لكن ليس لدي مؤهلات.”
وقد هرب طارق إلى السويد عن طريق مصر ثم ليبيا ومنها إلى صقلية
ثم بالسيارة والقطار عبر أوروبا حتى وصل إلى السويد. وكان طارق يقف
في طابور بأحد مراكز الوظائف في ضاحية من ضواحي ستوكهولم محاولا
العثور على عمل في مجال النجارة.
في 2013 استيقظت السويد على مشاكل الطبقة الدنيا المتزايدة
عندما نشبت أعمال شغب في الضواحي التي يمثل المهاجرون غالبية
سكانها وأحرق شبان السيارات واشتبكوا مع رجال الشرطة الذين اتهموا
باطلاق النار على رجل ولد في البرتغال.
وقال موا بورسل الباحث بمعهد الدراسات المستقبلية “من كل عشر
طلبات يقدمها شخص له اسم سويدي لشغل وظيفة يحصل على فرصة إجراء
مقابلة واحدة. أما الشخص الذي يدعى محمد علي فعليه ارسال 20 طلبا.”
والأمر لا يتعلق فقط باللاجئين. فقد صدم السويديون عندما أقام
المهاجرون من طائفة الروما مخيمات مؤقتة خارج ستوكهولم وأصبحوا
يتسولون خارج متاجر ايكيا ومحطات قطارات الانفاق.
ويحصل الديمقراطيون السويديون على نحو 20 في المئة من الأصوات
في استطلاعات الرأي الان بعد أن ضاعفوا نسبة تأييدهم إلى 13 في
المئة من الأصوات في انتخابات 2014.
وقد حذر زعيمهم جيمي أكيسون من “تفجيرات وحوادث إطلاق نار كل
يوم تقريبا”.
وشهدت مدينتا مالمو وجوتنبرج الجنوبيتان بصفة خاصة هجمات
بقنابل يدوية وحوادث إطلاق نار في الشهور الأخيرة وهي أمور نادرا
ما كانت تحدث في البلاد.
وقال أكيسون “الاندماج مشروع مستحيل خصوصا مع مستويات الهجرة
التي نشهدها الآن.”
لكن موسى طبيب التخدير مازال يأمل العثور على وظيفة في أحد
مستشفيات البلاد.
ويقول “هذا هو الشيء الوحيد الذي يحفزني على النهوض من الفراش
كل صباح.”
(إعداد منير البويطي للنشرة العربية- تحرير سيف الدين حمدان)