علي أصلان
تنفذ الطائرات التركية والأمريكية غارات على مواقع لتنظيم داعش الإرهابي في سوريا. حيث عاد التعاون بين جيشي البلدين. وأصبح الناطقون باسم البلدين يختارون كلماتهم بعناية أكبر في أحاديثهم.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]حتى لو استطاعت أقلية من النخبة الأرستقراطية التي ظهرت حديثا في تركيا، إقناعَ الجميع بالنظام الديني والاحتيالي والاستبدادي الجديد الذي تؤسسه مستندة إلى استغلال الدين؛ فإنها تعلم تماما أنها لن تتمكن من إقناع أمريكا بهذا النظام مهما حاولت ذلك. وهذا يعني أنها لن تنال الشرعية الدولية إلا في أحلامها. غير أنه لا حدود لنفعيتها وتحقيق غاياتها بشتى الوسائل.[/box][/one_third]ومن يتابع هذه الأخبار يظن أن ربيعا جديدا بدأت تشهده العلاقات التركية الأمريكية. ولكن خفايا الأمور ليست كظاهرها.
حيث إن هذا الوضع شبيه بحالة مريض لا تبدو عليه أعراض المرض بحيث تكون حرارته وضغطه طبيعيين بفعل الأدوية؛ ولكن تحاليله تشير إلى غير ذلك في حقيقة الأمر. إذن لا داعي لخداع أنفسنا، إذ هنالك وضع غير سليم. فلماذا؟
لقد كان التقارب الشكلي والتعاون الذي ازداد مؤخرا بين تركيا وأمريكا، يستند إلى غايات تكتيكية أكثر من كونها لأسباب استراتيجية خصوصا بالنسبة لأنقرة.
تتبنى المجموعة التي تحاول حاليا السيطرة على تركيا من خلال التجبر والخداع أيديولوجيات قريبة من أيديولوجيات داعش لا أمريكا. فهي لا تعبد طريق زعيمها الطامع في أبهة “الخلافة” من خلال التخطيط مع أمريكا. فواشنطن لا تعمل على إحياء الخلافة التي قضى عليها الغرب في مطلع القرن العشرين.
فحتى لو استطاعت أقلية من النخبة الأرستقراطية التي ظهرت حديثا في تركيا، إقناعَ الجميع بالنظام الديني والاحتيالي والاستبدادي الجديد الذي تؤسسه مستندة إلى استغلال الدين؛ فإنها تعلم تماما أنها لن تتمكن من إقناع أمريكا بهذا النظام مهما حاولت ذلك. وهذا يعني أنها لن تنال الشرعية الدولية إلا في أحلامها. غير أنه لا حدود لنفعيتها وتحقيق غاياتها بشتى الوسائل.
فهي تمسكنت حتى تمكنت، وتعاونت حتى مع الذين لا يروقون لها في سبيل تحقيق المكاسب. ولجأت إلى الرشوة في كل المجالات، وقدمت التنازلات للقوى العالمية بما فيها أمريكا تجنبا للعقبات التي قد تتشكل أمامها في ترسيخ نظام الحكم الذي تسعى إليه.
والحقيقة هي أن المسؤولين في هذه المجموعة قد نجحوا في ذلك عموما. فأمريكا حين نالت من تركيا ما تريد، التزمت الصمت إزاء مشاريع المسؤولين الطائشة. ولكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية. إذ إنه ليس هناك أحد في الكادر الذي يحكم تركيا حاليا إلا ويرى في واشنطن مبلغ الأمل وفي نفس الوقت لا يبدي ارتياحا تجاهها.
في حين تلعب إدارة أوباما لعبة خطيرة ذات مستوى أخلاقي متدنٍ في سبيل الحصول على بعض المكاسب التكتيكية. إلا أن أنقرة لا تملك من القوة سوى ما تقمع به المواطن فلسان حالها يقول: “سأفعل ما تريدين يا أمريكا، ويكفيني ألا تتدخلي في شؤوني الداخلية”. وبالتالي فإن أمريكا تريد استغلال تركيا استغلالا تاما. ولذلك فهي لا تصرح بما تشعر به من ارتياب. إلا أن احتجاجات الجبهات السياسية المعارضة للبيت الأبيض في تصاعد مستمر. وكانت مقالة السفير الأمريكي السابق في واشنطن “إيريك إيديلمان” لنيويورك تايمز في الأسبوع الماضي آخر مثال على ذلك.
وكانت هذه المقالة بعنوان: “مساومة أمريكا الخطيرة مع تركيا” وذكر فيها أن سماح تركيا لأمريكا باستخدام قاعدة إنجيرليك الجوية،وتغيير الأفكار في المرحلة الأخيرة، والرغبات الآنية؛ من الأمور الناجمة عن حسابات في السياسة الداخلية، وليست بسبب أفكار ورؤى جديدة حول استراتيجية الأزمة السورية. وباختصار فقد ذهب إيديلمان إلى أن الهدف من النزاع مع الأكراد هو تحقيق النجاح في الانتخابات المقبلة. كما يؤكد أن تكثيف الحملة على الأكراد يضعف مكافحة داعش.
علما أن كلام إيديلمان وسياسة المنشورات لدى كبريات الصحف الأمريكية “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”وول ستريت جورنال” تعكس هذه الرؤية: “إن خطورة انعدام الاستقرار في تركيا على المدى البعيد، وامتعاض الأكراد الذين يشكلون أهم قوة في مواجهة داعش لا يقابل المصالح المرجوة من استخدام قاعدة إنجيرليك ضد داعش في المدى القصير”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]ينبغي على جميع مناصري الديمقراطية في الداخل والخارج أن يأخذوا تهديدات هذه المجموعة الحاكمة في تركيا على محمل الجد وأن يستعدوا لمواجهتها. ويجب على حلفائهم من القوى الكبرى كأمريكا أن يقولوا للمسؤولين في أنقرة: “إنكم في الطريق الخطأ، فأنتم تقودون بلدكم نحو الكارثة”. فالحرص على المحافظة على خابية الماء أسلم من محاولة إصلاحها بعد كسرها”.[/box][/one_third]وهذه القناعة مطروحة على نطاق واسع في واشنطن. ولكن لا يعبر أحد – أيا كانت رتبته – عنها بوضوح. إلا أن إيديلمان يرد على من يرى بأن “أمريكا لم تعد لها مستند لتتدخل في شؤون تركيا، أو ليست بيدها حيلة” بقوله: “المسؤولون الأتراك بأمس الحاجة لدعم نظرائهم الأمريكيين”. وينصح في مقالته بممارسة الضغط على المسؤولين الأتراك وتقليل التعامل الدبلوماسي والمالي مع الحكومة التركية من أجل تجنب الوقوع في الدوامة الناجمة عن السياسة التركية الفاشلة إزاء سوريا، وإصرار أردوغان على امتلاك قوة سياسية مطلقة.
وأنا أرى أن إدارة أوباما لم تصل إلى هذه المرحلة بعد أي إن صبرها لم ينفد بعد. ولكن وقوف أردوغان والمقربين منه من المسؤولين في إدارة تركيا كحجر عثرة أمام السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وقيامهم بحملات دراماتيكية لتغيير نظام الحكم في تركيا إلى نظام مناهض للعلمانية قد يقلب الموازين. فمثلا إذا بدؤوا بتنفيذ خططهم في إسكات الإعلام المستقل -الذي يكاد يكون مختفيا تماما-، والقضاء على أصحاب رؤوس الأموال المعارضين ومؤسسات المجتمع المدني التي لم تعلن بيعتها للسلطة، فحينها قد ينقلب السحر على الساحر ويفقد العدالة والتنمية قوته بشكل كبير.
فالأضرار الكبرى التي ألحقتها الحكومة التركية بالديمقراطية ومبدأ سيادة القانون خصوصا منذ 2013 إلى الآن، تعكس ما سيفعلونه بعد الآن أيضا. في حين أنه ينبغي على جميع مناصري الديمقراطية في الداخل والخارج أن يأخذوا تهديدات هذه المجموعة الحاكمة في تركيا على محمل الجد وأن يستعدوا لمواجهتها. ويجب على حلفائهم من القوى الكبرى كأمريكا أن يقولوا للمسؤولين في أنقرة: “إنكم في الطريق الخطأ، فأنتم تقودون بلدكم نحو الكارثة”. فالحرص على المحافظة على خابية الماء أسلم من محاولة إصلاحها بعد كسرها”.