ركز تقرير وحدة رصد اللغة التركية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2017 من خلال متابعة الصحف التركية، على المعاناة التي يلاقيها اللاجئون الفارون من جحيم الحرب في سوريا، والذي يلاقي بعضهم حتفه في “البحر المتوسط”، كما تسائل التقرير عن مكان وجود عناصر وقادة تنظيم داعش المتطرف بعد مغادرتهم الرقة والموصل.
وتحت عنوان “البحر المتوسط مقبرة اللاجئين” كتبت الوحدة تقريرًا مهمًا عن اللاجئين، تناولت فيه بالأرقام إحصائيات مهمة تدق ناقوس خطر، وتضرب جرس إنذار بأن هذه القضية تمثل بالفعل أكبر كارثة إنسانية شهدها التاريخ الحديث، وأكبر صفعة على ضمير عصر التكنولوجيا وحقوق الإنسان.
كما تمثل تجسيدًا حيًّا لكلمة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، حين قال في مؤتمر السلام: “السَّلام الضَّائع الذي تبحث عنه شعوبٌ وبلاد وبؤساءُ ومرضى وهائمون على وجوههم فى الصحراء، وفارُّون من أوطانهم إلى أوطانٍ أخرى نائيةٍ، لا يدرون أيبلُغُونها أم يَحُولُ بينهم وبينها المَوتُ والهَلاكُ، والغَرَقُ والأشلاءُ، والجُثَثُ المُلقَاةُ على شواطئ البِحار، في مأساةٍ إنسانيَّةٍ بالِغة الحُزنِ، لا نَعْدُو الحَقِيقةَ لَوْ قُلنَا: إنَّ التَّاريخَ لَمْ يَعْرِف لها مَثيلاً مِن قَبلُ”.
ولقد تناولت الوحدة في تقريرها ما يثبت أن البحر المتوسط يستحق بجدارة لقب “مقبرة اللاجئين”؛ حيث شهد عام 2017 وتحديدًا من يناير/كانون الثاني وحتى أكتوبر غرق 2776 لاجئًا كانوا في طريقهم إلى أوروبا.
وذكرت “منظمة الهجرة الدولية” التابعة للأمم المتحدة أن 143 ألفًا و 355 لاجئًا استطاعوا دخول أوروبا عن طريق البحر ذلك العام، وأن 75% من اللاجئين الفارين إلى أوروبا يصلون إلى القارة عن طريق إيطاليا، و 25% يصلون عن طريق اليونان، وقبرص وأسبانيا.
وفي نهاية التقرير ناشد مرصد الأزهر دول العالم أجمع تنحية المصالح السياسية جانبًا في التعامل مع قضية اللاجئين، وتغليب البعد الإنساني في التعامل معهم، وتوفير ملاذ آمن لهم، كما ناشد المرصد منظمة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي كله إيجاد حل للقضية السورية التي يكمن في حلها حل مشكلة الجزء الأكبر من اللاجئين في العالم.
وتحت عنوان ” العائدون من داعش وإعادة تمركزهم من جديد”، كتبت وحدة رصد اللغة التركية تقريرًا عن أين ذهب مقاتلي داعش بعد تحرير الرقة والموصل من قبضة التنظيم، ذكرت فيه الوحدة قلق الدول التي انضم عدد من مواطنيها إلى داعش خوفًا من أن يقوموا بأعمال إرهابية جديدة في هذه البلاد بعد عودتهم، وخاصة أنهم لم يعودوا في حاجة إلى القنابل والأسلحة، بل في إمكانهم القيام بعمليات إرهابية بواسطة استخدام السيارات والشاحنات، والأسلحة البيضاء وينتج عنها الكثير من القتلى والجرحى.
وبعنوان “صغار في أيدي الدواعش” كتبت الوحدة تقريرًا تناولت فيه قصة مواطن تركي يُدعى “شاهين أقطان” انضمت زوجته إلى داعش وأخذت معها طفلها وهربت إلى سوريا وتزوجت من قيادي داعشي يُدعى “حمزة”، والذي كان سببًا في جعل هذه المرأة تنفصل عن زوجها وتنضم إلى التنظيم. وأفادت الوحدة بعد سرد القصة بالتفصيل أن العبرة من هذه القصة هى أن أفراد هذا التنظيم الإرهابي ليسو متدينين كما يدعون، وإنهم يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، فيتحدثون مع النساء الأجنبيات ويحرمون على نسائهم الحديث مع الرجال الأجانب، ولا يكتفون بالحديث فقط بل وصل الأمر عندهم إلى الحديث مع النساء المتزوجات وإغوائهن والتفريق بينهم وبين أزواجهن، ونسوا أن الإسلام يحرم كل هذه الأمور بل يُحرم أن يخطُب الرجل على خِطبة أخيه، فما بالك وهؤلاء يثيرون المشاكل بين الأزواج والزوجات ويجعلون النساء يطلبن الطلاق ثم يتزوجوهن. فهل هذا من الدين في شيء؟ أليس هؤلاء بالفعل في هذه القصة استطاعوا أن يظهروا الزوج بصورة مختلفة لزوجته التي تزوجها وقضى معها حياة طيبة هادئة استمرت خمس سنوات وأنجبا خلالهما طفلًا، ولم تتغير حياتهما إلا بعد ظهور “حمزة” القيادي الداعشي الذي خبب الزوجة على زوجها وجعلها تطلب الطلاق منه لتسافر إليه وتتزوجه؟
وفي تقرير آخر بعنوان “اعتقال أبو بكر البغدادي” ذكرت الوحدة أن العديد من الصحف التركية ومن بينها جريدة “يني شفق” ذكرت يوم الأحد 17 من ديسمبر/كانون الأول نقلًا عن مصادر سورية: أنه تم القبض علي أمير تنظيم داعش الإرهابي “أبو بكر البغدادي” من قبل القوات الأمريكية في العراق، وتم نقله إلي قاعدة أمريكية في مدينة “رأس العين” الواقعة شمال شرق سوريا، وبعد ذلك تم نقله إلى مركز شرطة في مدينة “الحسكة”. لكن حتى الآن لم تخرج تصريحات رسمية بهذا الأمر. ووضحت الوحدة أن وزارة الدفاع الروسية في تصريح لها صدر في السادس عشر من يونيه الماضي قالت إن هناك احتمال أن يكون “أبو بكر البغدادي” قد مات في غارة جوية روسية على مدينة الرقة في مايو الماضي. وفي الثالث والعشرين من يونيو قال المتحدث باسم التحالف الدولي ضد داعش (رايان ديلون) إنه حتى الآن لا يوجد لدى الولايات المتحدة الأمريكية دليل ملموس على صحة هذه المعلومة. وبعد أسبوع أكد النائب البرلماني الروسي (ألكساي بوشقوف) أن وفاة البغدادي شيء مؤكد بنسبة مائة في المائة. وفي الحادي عشر من يونيو/حزيران أكدت وكالة الأنباء الروسية (سبوتنيك) نقلًا عن قناة (السومرية) العراقية أن داعش أكد على مقتل البغدادي، وأنهم يجهزون من سيخلفه. وقال “المرصد السوري لحقوق الإنسان” حينها استنادًا على مصادر له في “دير الزور” إن البغدادي قد قُتل بالفعل. ثم أصدر التنظيم الإرهابي في العراق عقوبة الجلد خمسين جلدة لمن يتحدث عن موت البغدادي. وأرجع خبراء حينها عدم إقرار الولايات المتحدة بمقتل البغدادي إلى أنها لا تريد أن يٌنسب مقتله إلى روسيا لذلك فهي تقلل من قيمة مقتله وتقول بانه لن يؤثر في حربها على التنظيم. في الوقت ذاته نشرت الصحافة الليبية أخبارًا عن تولي شخص يدعى “جلال الدين التونسي” الخلافة بدلًا من البغدادي. وفي السادس عشر من يوليو ذكرت وكالة “رويترز” أن البغدادي حي بنسبة 99% وإنه يعيش في مدينة الرقة السورية. وظل هذا اللغط مستمر حتى يوم الخميس الثامن والعشرين من سبتمبر الماضي حيث انتشر تسجيل صوتي على صفحات التنظيم وادعوا إنه للبغدادي.
وذكرت الوحدة أن المرصد في تقرير سابق كان قد ذكر أن تصفية البغدادي أو اعتقاله لن يُحدثا انقلابًا حقيقيًا في التنظيم ولن يتركا تأثيرًا ملفتًا للنظر في ديناميكية الحرب عليه. ولكن لاشك أن التنظيم على المدى القصير سيواجه بعض التطورات السلبية وخصوصًا في القيام بعمليات إرهابية، لأنه سيستغرق بعض الجهد والوقت في اختيار زعيمه الجديد وهذا سيؤدي إلى تقليل العمليات الإرهابية التي سيقوم بها. كذلك يمكن أن يظهر تيار بين المليشيات يترك التنظيم بسبب عدم الانسجام مع الوضع الجديد وانخفاض الروح المعنوية. لكن من الصعب نظرًا للبنية التنظيمية التي يمتلكها داعش أن تستمر هذه الأمور طويلًا أو أن تتسبب في حل التنظيم كلية. كما أن داعش تنظيم فقد الكثير من قيادته العليا والتاريخية في هجمات جوية قام بها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. من بين هؤلاء “أبو محمد العدناني” الذي وُصِفَ بأنه العقل الاستراتيجي للتنظيم وكان مسئولًا عن العمليات الخارجية والأنشطة الإعلامية، كذلك “عمر الشيشاني” وزير دفاع التنظيم، والذي حارب في الشيشان ضد روسيا، والذي كان سببًا في انضمام الكثير من المقاتلين الأجانب من دول الاتحاد السوفيتي السابق إلى التنظيم. كذلك أيضًا من بين من تمت تصفيتهم من قيادات التنظيم “أبو مسلم التركماني” مساعد البغدادي في العراق، و”أبو علاء الأنباري” مساعد البغدادي في سوريا، و”سامي جاسم محمد الجُبيري” المسئول عن منابع البترول في الأماكن التي يسيطر عليها التنظيم، و “حافظ سعيد خان” أمير التنظيم في أفغانستان. فهذه أسماء مهمة، ومن الناحية القتالية والعسكرية ربما يزيدون عن البغدادي فمنهم من كان ضابطًا في الجيش العراقي إبان حكم “صدام حسين” مثل “الأنباري”، ومنهم من كانت له خلفية قتالية مثل “الشيشاني”، لذلك يمكننا القول أن تصفية القادة واعتقالهم لن يكونا سببًا في انكسار حقيقي لتنظيم داعش يقضي على تأثيره كلية، بل سيقضي عليه التكاتف في محاربته فكريًا وعسكريًا.