بقلم: علي تشولاق
باتت تركيا أسيرة أفكار دنيئة. وقد تكون هذه السنوات هي الأشد والأسوأ والأعمق من حيث القحط على مدى التاريخ… فالعِلم أصبح ملاحقاً وكأنه كلب مسعور وغدا الحماس والكذب عملة رائجة في أسواق بلادنا.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كل الشخصيات السياسية التي تتبنى أفكاراً مختلفة، ومعظمها من أنصار السلطة الحاكمة، ووسائل الإعلام التي يسيطرون عليها ويوجّهونها، والأكاديميين الذين نذروا “أنفسهم” للحكومة لتتخذهم ركيزة تقوم عليها، والكتاب والصحفيين.. جميعهم يسعون لتوسيع نطاق شرعيتهم من خلال استخدام هذه الكلمات الثلاث (الخائن، عديم الشرف، الوضيع) فقط بمهارة عالية ويدمّرون كلّ من يواجهونهم ويعارضونهم، ويسحقون كل من يقفون في طريقهم. [/box][/one_third]وثمة أناس يحبون هذا المناخ، وهناك العديد من الثمرات نشأت وترعرعت في ظله: الجهل والهمجية! والطامة الكبرى هي أن الجميع يَبدون راضين عن ذلك. ولكن ثمة أمرا آخر أشد مرارة منه وهو: أن هذه الدناءة الفكرية باتت تتبناها الطبقة النخبوية الحاكمة ومَنْ يقعون تحت تأثيرهها باعتبارها “نمط حياة” تستلذّ به، بدلاً عن أن تنظر إليها على أنها مرض. نعم آذانكم لا تخونكم، أقول ما تسمعونه وتَعونه تماماً: فالجهل والهمجية في هذا البلد صارا “قيمة” يُستلذّ ويُفتخر بها ويُعلى من شأنها. وكما قال فريد أدجو، فإن “جماعة الجهلاء تضمّ أيضاً مَنْ هم أساتذة ودكاترة وأكاديميون”
وبطبيعة الحال، لا يمكن أن ننتظر من “الجهل” أن يتبنى ويستخدمَ خطاب “العالم الحضاري”، بل له لغة خاصة به. لا تذهبنّ بكم الظنون إلى فهم مغلوط إن قلتُ “اللغة”، فإن الجهل لا يحتاج إلى كثير من الكلمات؛ حيث إن كل بضاعته تتجسد في بضع عبارات وشعارات رنانة منمقة، ومن ثم يترك المجال للقوة الغاشمة لتأخذ مجراها. فتركيا التي تحوّل فيها الجهل إلى نمط حياة باتت تصوغ الجمل بكلمات قليلة قصيرة حادة. وهذه الكلمات متعددة الاستخدام وذات آثار مميتة. فالجهل يفتح فاه ويطلق كلماته كالسهم. وكلماته الثلاث الذهبية هي: الخائن، عديم الشرف، الوضيع!
كل الشخصيات السياسية التي تتبنى أفكاراً مختلفة، ومعظمها من أنصار السلطة الحاكمة، ووسائل الإعلام التي يسيطرون عليها ويوجّهونها، والأكاديميين الذين نذروا “أنفسهم” للحكومة لتتخذهم ركيزة تقوم عليها، والكتاب والصحفيين.. جميعهم يسعون لتوسيع نطاق شرعيتهم من خلال استخدام هذه الكلمات الثلاث فقط بمهارة عالية ويدمّرون كلّ من يواجهونهم ويعارضونهم، ويسحقون كل من يقفون في طريقهم. وهكذا يزعمون أنهم أصحاب الدولة الحقيقيون وأن كلّ الحسنات والخيرات من صنع أنفسهم بينما ينسبون كل السيئات والشرور إلى الآخرين من دونهم.
ليس من الضروري أن تَرتكبوا جرائم كبرى حتى تُوصفوا بـ”الخونة” و”عديمي الشرف” و”الوضعاء” عند هؤلاء. وإنما يكفي ليلصقوا هذه الصفات بكم أن تنتقدوهم وتقولوا لهم “لا”..أو أن تقولوا “لا، أنا لا أفكّر مثلما تفكّرون! لا أرى ذلك صحيحاً! ولا أصدّقكم! أو أن تعيشوا كما يملي عليكم ضميركم وأن تكتبوا وتفعلوا كما يحلو لكم. فعندئذٍ تصبحون خونة وعديمي الشرف ووضعاء! حيث نرى أن أحد مسؤولي حزب سياسي يصف بهذا الوصف مَنْ صوّتوا لصالح حزب غير حزبه.. بدءاً من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء، مروراً بالمستشارين والنواب وأهل الذم والسبّ المأجورين من قبل هؤلاء، وانتهاءً بالأساتذة الأدباء وكتاب السلاطين يستخدمون هذه الأوصاف دون هوادة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]ليس من الضروري أن تَرتكبوا جرائم كبرى حتى تُوصفوا بـ”الخونة” و”عديمي الشرف” و”الوضعاء” عند هؤلاء. وإنما يكفي ليلصقوا هذه الصفات بكم أن تنتقدوهم وتقولوا لهم “لا”..أو أن تقولوا “لا، أنا لا أفكّر مثلما تفكّرون! لا أرى ذلك صحيحاً! ولا أصدّقكم! أو أن تعيشوا كما يملي عليكم ضميركم وأن تكتبوا وتفعلوا كما يحلو لكم. فعندئذٍ تصبحون خونة وعديمي الشرف ووضعاء![/box][/one_third]ويمكن أن نتفهم المأجورين الذين يقتاتون على شتم الآخرين لتحقيق مصالح النخب السياسية، فقد تكون لهم أسبابهم التي قد تعطيهم العذر بعض الشيء؛ إذ “إن أكبر داعم للجاهل هو جاهل آخر”، أو بعبارة أخرى “أسوأ الجهلاء هم من يتغذّون على الحكومة”. أما الأكاديميون والشيوخ ورجال الدين وفئة المثقفين والكتَّاب فلا يمكن أن نتفهّمهم، ولا يمكن أن نُعذرهم ونغفر لهم أبداً. ذلك بأنهم يسمّمون عقول الشباب وعامة الناس الذين وضعوا ثقتهم فيهم واحترموهم. فهم يُنشئون جيلاً يُعرِض عن الحقيقة ولا يعير أي أهمية للبحث والدراسة، ويخاف من العلم والمعرفة، ويعيش على الشعارات النمطية فقط، ويتصف بالتهجم والظلم وبذاءة اللسان. فهل هذا هو ما كنتم تطمحون وتتوقون إليه؟ هل هذا هو النموذج المثالي لإنسانكم وحضارتكم؟ وهل هذه هي رسالتكم السامية التي تدَّعون أنكم تعيشون وتموتون من أجلها؟ ألم تستطيعوا أن تجدوا لغة أخرى غير هذه اللغة؟
إنكم اليوم تصفون جميعاً، بصوت واحد، كلّ من لا تحبونهم بأنهم عديمو الشرف وتافهون، لكن إن غدت هذه الكلمات لا تسعفكم وانتهى رصيدكم منها فما الذي ستستخدمونه تجاه هؤلاء؟ فما هو المصير الذي ينتظر هذا البلد في ظلّ هذا الخطاب المسموم؟ وماذا سيحِلّ بهذا الكمّ الهائل من الخونة وعديمي الشرف والوضعاء؟! فضلاً عن أن عددهم في زيادة مستمرة كل يوم بل كل ساعة. كما يكثر دوماً عدد الرافضين الذين يقولون: “لا، ليس إلى هذا الحد، يكفي…”. فماذا ستفعلون بهم؟ هل سترمونهم في البحر وتغرقونهم؟ وكيف سنفسّر قول “يغيت بولوت” مستشار الرئيس رجب طيب أردوغان “لديّ 3 مسدسات وعدد من الرصاصات” وافتخاره بذلك؟ فهل هذا هو المصير الذي سنؤول إليه في نهاية المطاف؟ أي السباق في جمع أسلحة وإطلاق رصاصات على بعضنا البعض!
واأسفاه على ما حلّ بك يا بلدي الحبيب!