بقلم: فيضي أتشيك ألين
برلين (الزمان التركية) – كان عام 2017 عام الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي حولت البلاد إلى النظام الرئاسي. بدء الحزب الحاكم (حزب العدالة والتنمية) افتعال عداوات خارجية من أجل جمع المزيد من الأصوات المؤيدة له. أعتقد أن الأمر أقرب إلى السيناريوهات التراجيدية -الكوميدية، ولكنه يغلب عليه الطابع التراجيدي، وقد نجحت في ضمان كسب نصف الشعب التركي. فجعجعة قائدنا السياسي وخطاباته الرنانة غير المفهومة، دفعتني إلى إعداد تقويم وجدول أعمال لعام 2017 مستحضرًا التسلسل الزمني للأحداث…
البداية من شهر يناير/ كانون الثاني؛ مر شهر يناير/ كانون الثاني، بالاستعداد وإعداد العدة للاضطرابات التي ستتصاعد وتتفاقم فيما بعد قبيل الاستفتاء. بعد أن قال الرئيس أردوغان: “يا أيها الغرب، ليس لديك همّ اسمه حرية تركيا واستقلالها”، مقدمًا تعريفًا مختلفًا للحرية. أوضح أن الحرية تعني بالنسبة له أنفاق مرمراي، وجسر عثمان غازي، وأنفاق أوراسيا، وأكبر مطارات العالم. وفي الأول من فبراير/ شباط شارك في حفل توزيع جوائز أكاديمية العلوم التركية، وقدم تلك المشروعات على أنها نماذج لعلومنا القومية.
بدأت معالم الصدامات مع دول أوروبا الغربية تظهر على السطح، وتتزايد الفقاعة، وهنا كانت إشارة انطلاق التوترات التي ستندلع فيما بعد مع الولايات المتحدة الأمريكية. فصدرت تصريحات من مسؤولين أتراك تقول: “بعض تصريحات ترامب غير مطمئنة”. في 22 يناير/ كانون الأول توجه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وسط تساؤلات عما إذا كان مدعوًا بشكل رسمي من الرئيس الأمريكي ترامب أو لا.
وجاءت الرسالة الأولى القوية والقاطعة من الرئيس أردوغان قبيل الاستفتاء، عندما قال: “إن من يقولون “لا” في الاستفتاء، يقفون جنبًا إلى جنب مع المتورطين في انقلاب 15 يوليو/ تموز. فالانفصاليون يقولون لا”. وانتشرت تلك التصريحات المدوية كالنار في الهشيم، من قبل الساسة ووسائل الإعلام.
حاول أردوغان من خلال خطاباته ورسائله تمهيد الرأي العام للنظام الرئاسي الذي يسعى لتطبيقه بعد الاستفتاء، ويضيف لرسائله: “ألا يعرف الإنسان شيء عن الحيادية؟ في دولة في العالم لا يمكن لأن يكون رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية بالقوة نفسها من الصلاحيات. أحدهم يكون بيده زمام الأمور، والآخر يكون مجرد واجهة زجاجية فقط”. ألم يخطر على بال أحد من يكون الواجهة الزجاجية في دول العالم المتقدمة؟
لم يبالي بن علي يلدريم ولم يكترث بمصيره، سواء ستكون السلطات في يده أم سيكون مجرد واجهة زجاجية. ففي 27 فبراير/ شباط قال في أحد المؤتمرات الجماهيرية في العاصمة أنقرة: “إنه نظام رجل واحد! كيف يمكن أن يكون غير ذلك”. ليضرب بذلك مثلًا على توافقه مع قائده في الآراء والمواقف. وفي 4 مارس/ أذار كان بن علي يلدريم يسرد ويوضح مساوئ النظام الحالي أثناء تواجده في مدينة سينوب، قائلًا: “تحدث أشياء غير مفهومة، وفجأة تجدون شخصًا غير متوقع رئيسًا للوزراء”.
في شهر مارس/ أذار، كان من المقرر أن تصل حدة التوترات بين تركيا ودول أوروبا الغربية إلى ذروتها. لم تسمح العديد من العواصم الأوروبية وعلى رأسهم ألمانيا، للرموز السياسية التركية سواء الحكومية أو التابعة لحزب العدالة والتنمية بتنظيم فعاليات وأنشطة للترويج للتعديلات الدستورية. وكان وزير العدل بكير بوزضاغ أحد ضحايا تلك الإجراءات. علق بكير بوزضاغ على رفض وتعنت الدول الأوروبية، قائلًا: “هل من الممكن أن يكون هناك ديمقراطية لا تسمح بعقد الاجتماعات؟”، إلا أنه غفل أن في اللحظة نفسه فرضت مدينتا إسطنبول وإزمير حظرًا على احتفالات يوم المرأة العالمي في 8 مارس/ أذار…
في 11 مارس/ آذار استضاف الصحفي هاكان تشاليك وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو على قناة CNN التركية في لقاء مباشر، إلا أن البرنامج غالبًا تحول إلى محطة للهجوم على هولندا. وخلال مشاركته في البرنامج أعلن جاويش أوغلو أنه ينوي الذهاب إلى روتردام، مهما كلفه الأمر. وعندما أعلنت الحكومة الهولندية عدم السماح له بتنظيم فعاليات على أراضيها، بعد وصفه لها بالفاشية، اشتعلت الأزمة، فرد على وزير الخارجية الهولندي قائلًا: “أنا أحدثك كإنسان…”. إلا أن رئيس وزراء هولندا سخر من إصرار جاويش أوغلو على زيارة بلاده رغم عدم الترحيب به، قائلًا: “يمكنه المجيء لرؤية زهور اللالى!”.
وأوضح جاويش أوغلو أن أوروبا تتجه نحو حافة الهاوية، وأنها تحسد تركيا على ما وصلت إليه، قائلًا: “كنت أعتقد أنك رجلًا…”. وأضاف أيضًا: “كان بإمكاننا في تلك الليلة استدعاء القائم بأعمال السفارة، وسحبه من أذنه لنضعه في الحبس، ولكننا دولة مدنية لم نقم بذلك”.
وفي مؤتمر “تركيا المنتجة تتحدث”، قال وزير الجمارك والتجارة بولنت توفانكجي: “لم نفكر في فرض عقوبات اقتصادية على هولندا، نريد ألا يتأثر الشعب بالقرار المتخذ”، محاولًا استعطاف القلوب. إلا أن الحقيقة أن هولندا تأتي على رأس الدول التي تقدم استثمارات مباشرة للسوق التركي والتي تقدر بنحو 22 مليار دولار، وفقًا لإحصائيات وزارة الاقتصاد التركية نفسها.
في تلك الفترة كان الشارع التركي يتحدث عما إذا الكان التغيير سيكون في “النظام” نفسه أو في “شكل النظام” فقط. ولكن أردوغان وضع كلمة النهاية من خلال كلمته التي ألقاها في 17 مارس/ أذار: “إن الدول المتقدمة لديها نظام ملكي. لماذا إذًا يلمعون في أعيننا النظام البرلماني؟”. إلا أنه يبدو أن مستشاريه غفلوا أن يخبروه أن الأنظمة الملكية الغربية أيضًا بها نظام برلماني…
أما فيما يتعلق بتغيير النظام الحاكم، فقد جاءت الإجابة على لسان رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، الذي قال: “من غير الممكن أن يكون هناك دكتاتورية في تركيا، لأن كلمة “دكتاتورية ليست كلمة تركية!”. أمَّا أردوغان فقد قال عن نظامه: “لن يكون هناك استجوابات برلمانية!”. بعدها قال وزير الزراعة والثروة الحيوانية فاروق تشاليك، مخاطبًا الغرب: “هل سألتونا أثناء تشييد أنظمتكم الملكية؟”.
كما قال وزير الثقافة والسياحة أفجي: “سيأتون بخطوات نادمة!”، محاولًا منح الأمل للعاملين في قطاع السياحة في تركيا. إلا أن توقعات الوزير لم تكن صحيحة؛ إذ لم تستقبل تركيا أي زوار أو سائحين من أوروبا الغربية في تلك الفترة! مما أدى إلى تراجع إيرادات تركيا من السياحة بشكل كبير… وفي 24 مارس/ أذار قال نائب رئيس الوزراء لشؤون الاقتصاد محمد شيمشاك في كلمته على هامش قمة أولوضاغ الاقتصادية: “لقد تكون في الغرب صورة وكأن هناك حالة طوارئ في البلاد!”، ليفتح بتلك الكلمات فصلًا جديدًا من الجدل حول ماهية ما تشهده تركيا في الفترة الأخيرة…
وفي 4 أبريل/ نيسان حاول وزير الثقافة والسياحة نابي أفجي نشر رسائل مطمئنة ومليئة بالتفاؤل، وفي 12 أبريل/ نيسان قال خلال أحد الاجتماعات: “إن السياحة تواجه تهديدات دولة، لذلك يجب ألا يبكي العاملون في قطاع السياحة على أحوالهم”. إلا أن تقارير السياحة الصادرة في نهاية العام تشير إلى نمو قطاع السياحة على مستوى العالم حطم الأرقام القياسية متجاوزًا نقطتين فوق متوسطات النمو عند 4%. وبحسب تقرير آخر، فإن تركيا تراجعت إلى المركز 116 بين 135 دولة حول العالم، من حيث الأمن السياحي.
ومرة أخرى جاءت آخر قنبلة على لسان أردوغان قبيل الاستفتاء، عندما قال خلال مشاركته في أحد البرامج التليفزيونية، معلقًا على وضع الكاتب الصحفي ألماني الجنسية دنيز يوجال، المعتقل لدى السلطات التركية: “لن يتم تسليمه إلى ألمانيا، بأي حال من الأحوال. لن نسلمه لهم ما دمت أنا في هذا المنصب”.
أمَّا ألمانيا فقد بدأت مرحلة جديدة تمامًا. بينما كان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يقول: “سنحتضن جميع طوائف المجتمع”، بما في ذلك حزب الشعب الجمهوري الذي طالما وصفه بوجود علاقة بينه وبين التنظيمات الإرهابية، موضحًا أنه سيتم إعادة تقييم العلاقات مع أوروبا.
وعلق أردوغان على قضية خرق العقوبات علي إيران التي يتهم فيها النائب السابق للمدير العام لبنك هالك محمد هاكان عطا الله، وتحول المتهم الرئيسي فيها رجل الاعمال التركي الإيراني رضا ضرابإلى شاهد رئيسي، بالقول: “ستصبحون دولة لا تقف بجانب مواطنيها، إذا اعتقلوا بعد تلفيق بعض الأشياء لهم”، مقدمًا بداية الخيط للأزمة التي ستندلع بين أنقرة وواشنطن. دائمًا ما كانت تظهر الاضطرابات على الساحة السياسية كالبرق، يتبعها تصريحات ملطفة من نائب رئيس الوزراء للاقتصاد محمد شيمشاك، في اتحاد المتعهدين الأتراك، قائلًا: “يكون العمل سهل في الدول التي تعمل القانون، ولكنه قليل الربح”. إلا أن نسبة كبيرة من المواطنين الأتراك لم تتمكن من حل هذا الكلمة الأشبه باللغز…على سبيل المثال هناك خلافات كبيرة صامتة بين تركيا وروسيا بشأن صفقات الطماطم. ويقول وزير الاقتصاد نهاد زيبكجي عن أزمة الطماطم: “لقد أكسبنا الطماطم أهمية كبيرة… وهي أيضًا تمكنت من أن تكون بطلة في ارتفاع الأسعار”.
في أعقاب الاستفتاء الدستوري، أي في الأيام التي بدأت فيها حركة السياحة النشاط مرة أخرى، أعلنت ولاية مدينة أنطاليا المطلة على البحر المتوسط في جنوب تركيا، والتي تعتبر حجر زاوية السياحة الشاطئية في تركيا، حظر اصطحاب الخمور في المناطق المفتوحة. بعدها توجه إلى دولة الصين، في 13 مايو/ أيار، آملًا أن يجذب السياحة الصينية إلى مدينته، وقال: “لقد طفت كل أرجاء الصين، ودعوت الجميع لزيارة أنطاليا”، ثم التقط صورة تذكارية مرتديًا الزي التقليدي الصيني…
إلا أن تركيا لا تزال تبدي تفاؤلها تجاه علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية المضطربة، التي تشبه العلاقة بين الأصم والأبكم. فقد علق أردوغان على إعلان الإدارة الأمريكية تقديم مساعدات بالسلاح لتنظيم وحدات حماية الشعب الكردي في سوريا، قائلًا: “إن الإدارة الأمريكية لا تزال في مرحلة الانتقالية. عليها أن تتعامل بحساسية”، والتي اعتبرها الخبراء تحذيرًا لواشنطن! قال أردوغان في كلمته خلال الاجتماع الطارئ الثالث لحزب العدالة والتنمية في 21 مايو/ أيار: “بالرغم من كافة ترشيحاتنا، فإننا نواصل مسيرتنا مع الاتحاد الأوروبي”؛ وقال أيضًا في 27 مايو/ أيار: “علينا أن نترك ما شهدته علاقتنا بالاتحاد الأوروبي قبل الاستفتاء وراء ظهورنا”؛ ولكن بالتأكيد قدرة تلك الدول الأوروبية على استيعاب وامتصاص تلك الأحداث، والإهانات الموجهة إليها، تختلف من دولة لأخرى!
وفي شهر يونيو/ حزيران وشهر رمضان، كانت أكبر فصة للساسة للقاء الناخبين. وهنا كانت الفرصة قد جاءت للساسة من حزب العدالة والتنمية على طبق من ذهب، لتأجيج الأزمة المندلعة مع الدول الأوروبية. وكلما زاد الوزراء وأنصار حزب العدالة والتنمية إهانتهم وهجومهم على الدول الغربية، زاد نواب المعارضة في البلدات والمدن المعتمدة على السياحة مدحهم وثنائهم على تلك الدولة.
في 15 يونيو/ حزيران، أطلق زعيم المعارضة كيليتشدار أوغلو مسيرة العدل سيرًا على الأقدام من أنقرة باتجاه إسطنبول، ولكن علق عليها رئيس الجمهورية أردوغان بالقول: “إن سيرك في الطرقات بشكل قانوني للطف من الحكومة”، إلا أن رئيس الوزراء بن علي يلدريم كانت لهجته أكثر حدة، حيث وصف المسيرة، بأنها “مسيرة الغفلة”… بينما أكد وزير العدل بكير بوزضاغ أنه لا يمكن البحث عن العدل في الطرقات، قائلًا: “إن القضاء في تركيا أكثر عدلًا مما عليه في الغرب”. وبحسب مؤشر القدرة على المنافسة الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن تركيا حلت في المركز 103 بين 137 دولة حول العالم من حيث استقلالية القضاء.
تواصل أوروبا الرد على العنجهية التركية بتهديدات مقاطعة السياحة في تركيا. في 6 يوليو/ تموز، وافق البرلمان الأوروبي على قرار يدعو لتعليق مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، بموافقة 477 صوت، مقابل 64 صوت بالرفض. لم يكون من المتوقع أن تكون نتائج عملية التصويت مختلفة عن القرار المتخذ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 بتجميد المفاوضات، وأنه سيفتح الطريق أمام نتائج أكثر خطورة نظرًا لأنه مستندًا على قاعدة قانونية.
ومع حلول منتصف شهر يوليو/ تموز، بدأت وتيرة التصريحات تتصاعد بموجب أحداث محاولة الانقلاب الذي تعرضت له البلاد في 15 يوليو/ تموز. في أعقاب تلك الأحداث التي اتهمت فيها حركة الخدمة، أجرى وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو لقاءً مع رئيس دولة بوركينافاسو روش مارك كريستيان كابوري حول المؤسسات التابعة لحركة الخدمة في بلاده، قائلًا: “إن بوركينافاسو من أكثر الدول فهمًا لتركيا”. وفي الليلة السابقة للانقلاب، أي في 14 يوليو/ تموز، ألقى أردوغان كلمة في اجتماع غرفة التجارة في أنقرة، موضحًا أن هناك فرقا بين تركيا وأوروبا، قائلًا: “في الواقع، يجب أن تحصل دولتنا على جائزة نوبل في السلام. نحن متقدمون عن أوروبا في مجال حقوق الإنسان!”. ولكن حبذا لو لم يتكلم عن حقوق الإنسان، وسط التقارير الدولة التي تشير إلى تراجع ترتيب تركيا من حيث حقوق الإنسان؛ وكذلك تقرير مؤسسة فريدوم هاوس التي تضع تركيا ضمن قائمة الدولة “الحرة جزئيًا”، لذلك كان عليه أن يخجل قبل أن يدلي بمثل تلك التصريحات!
في تلك الأثناء، بدأ رئيس الوزراء بن علي يلدريم محاولة تلطيف الأجواء المتوترة بين تركيا والدول الأوروبية، قائلًا: “إن العلاقات بين تركيا وألمانيا شراكة أزلية. من فضلكم لا تزجوا بالاقتصاد في الأمور السياسية”. وأضاف عليها أردوغان: “إن أبوابنا مفتوحة على مصرعيها أمام الشركات الألمانية. إنهم لا يعرفون شيئًا عن الاقتصاد”. إلا أن أردوغان أدرك أنه لم يحصل على رد بالقدر نفسه من اللطف، فاضطر لتغليظ خطابه مرة أخرى خلال كلمته أمام تكتل نواب الحزب في البرلمان في 25 يوليو/ تموز، قائلًا: “إذا قمتم بتهديدنا بالاقتصاد، فإنكم أنتم الخاسرون!”. هذه الكلمات موجهة لألمانيا التي يعتبر اقتصادها من أقوى اقتصاديات العالم بإجمالي ناتج محلي 3.3 تريليون دولار أمريكي. بينما أوضحت وزارة الاقتصاد التركية في بيانها أمام البرلمان في 25 يوليو/ تموز أن الاقتصاد التركي استقبل 915 مليون دولار رؤوس أموال نقدية، منها 788 مليون دولار من مصادر أوروبية.
بينما كانت تركيا في منتصف الموسم السياحي في الصيف، جاء تعديل وزاري جديد يشمل حقيبة السياحة. فقد عين نعمان كورتولموش في منصب وزير السياحة، بعد أن كان متحدثًا رسميًا باسم حزب العدالة والتنمية، لم يهدأ ويهنأ بمنصبه الجديد حتى خرج على المواطنين للإدلاء بتصريحات. وفي اليوم التالي، في 26 يوليو/ تموز اجتمع كورتولموش بالعاملين في قطاع السياحة، وقال: “إن معاداة أردوغان، للأسف، سببًا في بعض الانطباعات السلبية في أوروبا”.
في تلك الأثناء كانت ألمانيا تستعد لانتخاباتها العامة. وقالت المستشار الأمريكية أنجيلا ميركل، ضمن حملتها الانتخابية: “لن يتم تحديث أو توسعة اتفاقية الاتحاد الجمركي مع تركيا”، وكان من أردوغان أن رد عليها في الحال، مخاطبًا المواطنين الألمان المنحدرين من أصول تركية: “لا تصوتوا للأحزاب التي لا تحترم تركيا”، داعيًا أتراك ألمانيًا لعدم التصويت لميركل. ثم وجه انتقاده إلى وزير خارجية ألمانيا جبريال، قائلًا: “من أنت لتتكلم مع رئيس الجمهورية التركية؟ الزم حدَّك. ما هو ماضيك في السياسة؟ كم عمرك أنت؟”. إلا أن الباحثون على الإنترنت توصلوا لمعلومات أن جبريال ولد عام 1959، والتحق بالحزب الاشتراكي الديمقراطي في سن 18 عامًا…
وبنهاية فصل الصيف وقبيل بداية العام الدراسي، بدأت التجهيزات والاستعدادات للتعديلات المنتظرة. وهنا بدأت أخبار الاتفاق الذي أجرته وزارة التعليم مع وقف “الأنصار” تسيطر على المشهد التركي. وكان أبرز تلك التعديلات، حذف اسم أتاتورك من كتاب المعلومات الاجتماعية للصف الخامس الابتدائي. بينما أثنى وزير التعليم عصمت يلماز على التعديلات الجديدة، قائلًا: “نحن نقدم تعليمًا أكثر حداثة وتطورًا علميًا”. وأضاف في تصريحات له في 24 سبتمبر/ أيلول: “لقد قفزنا بتركيا عصرًا في التعليم. نحن لا نمتلك غاز، وبترول، وألماس، ولكن لدينا نظام تعليمي أكثر قيمة”… بيد أن تركيا في المرتبة رقم 99 بين دول العالم من حيث جودة التعليم…
وفي نهاية شهر سبتمبر/ أيلول، قالت وزيرة الأسرة والسياسات الاجتماعية فاطمة بتول صايان كايا، خلال مشاركتها في حفل “قمة ابتكار المداس العائلية”: “لقد قاموا بالسيطرة على الدبابات في 15 يوليو/ تموز من خلال سد أنبوب العادم. وبهذا قدموا نموذجًا جديدًا من الابتكار”.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول، واصل التوتر في العلاقات الأوروبية التركية مسيرته في الصعود، بدأ أردوغان افتعال الأزمة من جديد، قائلًا: “لم نعد بحاجة لعضوية الاتحاد الأوروبي!”. وقال وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو: “فلتقدم ألمانيا بأول خطوة، بينما ستكون الخطوة الثانية منا نحن!”. إلا أن المغذى من هذا التصريح لم يكن واضحًا لأي طرف من الأطراف، خاصة بعد تصريحات أردوغان. وفيما يتعلق بالعلاقات الروسية التركية المتنوعة بين صفقات الطماطم التركية والغاز الطبيعي واتفاقية إنشاء محطة نووية، قال جاويش أوغلو: “إن لم يتم نقل التكنولوجيا، لن يكون هناك اتفاق بشأن منظومة S-400 للدفاع الجوي الروسية”. على الفور ردت روسيا: “لا يوجد شيء كهذا، لقد عقدنا الاتفاق!”. يتجنب الجانب التركي دائمًا الكشف عن قيمة الاتفاق، الذي أوضحت مصادر موثوق فيها أن قيمة الاتفاق بلغت 2.5 مليار دولار. ولكنهم عندما أعلنوا أن السداد سيكون بالروبل الروسي، هدأت قلوبنا!
وفي 8 أكتوبر/ تشرين الأول، أعلنت السفارة الأمريكية في أنقرة تعليق إصدار تأشيرات الدخول إلى أراضيها للأتراك، بعد اشتعال الأزمة بين أنقرة وواشنطن بسبب قضية خرق العقوبات على إيران التي يحاكم فيها النائب السابق للمدير العام لبنك هالك الحكومي محمد هاكان أتيلا، بتهمة خرق العقوبات المفروضة على إيران. وهنا قال نائب وزير الخارجية الأمريكي، في 11 أكتوبر/ تشرين الأول: “إن تركيا ليست حليفًا موثوق فيه. لقد باتت دولة شرق أوسطية”. ولكن الرد التركي جاء على لسان وزير العدل التركي عبد الحميد جول، الذي قال: “إن تركيا دولة عدل”، بينما قال وزير الاتحاد الأوروبي وكبير المفوضين عمر تشاليك: “إن القضاء التركي أكثر القضاءات في العالم حساسية”.
وفي 19 أكتوبر/ تشرين الأول، ظهر أردوغان على قناة “TRT World”، وانتقد موقف الدول الغربية تجاه تركيا، قائلًا: “نحن الديمقراطيين ماذا يمكننا أن نفعل في وجه محامو الإمبريالية؟ أنا أثور في وجه هذا العدل”. وفي 24 أكتوبر/ تشرين الأول كثف أردوغان انتقاداته للولايات المتحدة الأمريكية، قائلًا: “يحاولون إقناع مواطننا –رضا ضراب-ليعترف على الآخرين. ولكن عندما تغلق تلك الملفات، سنقيم الدنيا على قدم وساق!”. وكان أردوغان قد أدلى بتصريحات حول تشجيع فكر الإسلاموفوبيا، خلال اجتماع شورى الحضارات الدولي، في 21 أكتوبر/ تشرين الأول، قائلًا: “إن ترامب لا يمكنه أن يقول على البوذية إرهاب، لأنهم يمارسون اليوجا”.
ومن ضمن الموضوعات التي تطرق لها أردوغان، أزمة تحول مناظر تركيا الطبيعية إلى كتل خرسانية، بازدياد عدد ناطحات السحاب في المدينة، مشيرًا إلى أنه أحد المسؤولين عن تلك الإهانة التي تعرضت لها إسطنبول؛ وفي 8 نوفمبر/ تشرين الثاني، وأدلى أردوغان باعتراف مثير، قائلا: “منذ أن تركت رئاسة الوزراء وأعمال البناء لا تزال مستمرة”. وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني، خاطب أردوغان الشعب، قائلًا: “ألن تسألوا حزب الشعب الجمهوري عن هدم إسطنبول والمدن الكبرى؟”.
في تلك الفترة بدأت التصريحات تتولى مع ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة التركية. وعلق وزير الاقتصاد زيبكجي على تدهور سعر الليرة التركية بلغة بسيطة وواضحة دون الحاجة للكشف عن أرقام، قائلًا: “إن اقتصادنا في حالة جيدة، والاقتصاد متحفز”. بينما قال أردوغان: “لقد سددنا كل ديوننا لصندوق النقد الدولي. والآن هم من يطلبون الاقتراض منا!”. إلا أن صندوق النقد الدولي سرعان ما كذب تصريحات أردوغان…
وفي نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، أجرى أردوغان حوارًا هاتفيًا مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب، ولكن على الفور تسرع جاويش أوغلو، وقال: “نتمنى أن يلتزم ترامب بوعده بعدم تقديم السلاح لتنظيم وحدات حماية الشعب الكردية!”. إلا أن الإدارة الأمريكي لم تؤكد تلك التصريحات. بعدها بدأت التصريحات تتوالى من الوزراء الأتراك الواحد تلو الآخر… فقال جاويش أوغلو: “إن تركيا دولة قوية. فإن دخلت الاتحاد الأوروبي، فإن هيمنة ألمانيا فرنسا ستكون في مهب الريح”… بينما قال وزير الغابات فايسل أروغلو: “إن أردوغان الأكثر اهتمامًا بالبيئة حول العالم”… أمَّا بوزضاغ، فقد علق على اعترافات رضا ضراب: “إن التاريخ مليء بالافتراءات؛ مثل الافتراءات الملقاة في حق السيدة مريم، وأمنا عائشة”.
بينما يستمر القضاء الأمريكي نظر خرق العقوبات على إيران، قال جاويش أوغلو: “إن أنصار حركة الخدمة تسربوا إلى البعثات الدبلوماسية الأمريكية في تركيا، والقضاء الأمريكي، والكونجرس”. في 5 ديسمبر/ كانون الأول قال أردوغان عن قضية ضراب: “إن قضية ترامب تخص مجموعة بعينها داخل الولايات المتحدة الأمريكية. ولكننا نخاطب السيد ترامب”، يكون قد ربط نفسه بذلك، بتصريحات وقرارات ترامب في هذا الأمر. في 11 ديسمبر/ كانون الأول، قال أردوغان في اليوم العالمي لحقوق الإنسان: “إن تركيا دولة مرفهة فيما يتعلق بالديمقراطية والحريات والحقوق، كما لم يسبق لها مثيل في التاريخ”…
وجهت تركيا انتقادات شديدة اللهجة للولايات المتحدة الأمريكية بسبب قرارها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتها إلى هناك بدلًا من تل أبيب. فقال جاويش أوغلو، ردًا على سؤال: “هل سيتم إصدار قرار بعقوبات؟”: “نحن نعارض قرار العقوبات. ما هي العقوبات التي من الممكن أن تطبق على الولايات المتحدة الأمريكية؟”. في 18 ديسمبر/ كانون الأول، قال جاويش أوغلو: “لا يمكن أن يكون هناك صديق دائم في السياسة الخارجية. ولا يمكن أن يكون عدو كذلك”.
وفي الأيام الأخيرة من عام 2017، قال رئيس تكتل نواب حزب العدالة والتنمية ومثل الحزب عن مدينة أماسيا: “إن حالة الطوارئ ليست خيارًا بيد حزب العدالة والتنمية!”. ومع اقتراب العام الجديد، جاءت الفتوى المنتظرة من هيئة الشؤون الدينية، التي أفتت، قائلة: “الخمور والقمار من أعمال الشيطان”… وخلال زيارة أردوغان لتونس، قال: سنقوم باستيراد زيت الزيتون من تونس”، بالرغم من أن تركيا تحتل المركز الثاني عالميًا، من حيث أعداد أشجار الزيتون.
وبنهاية عام 2017، أعلن رسميًا تجاوز أزمة التأشيرات بين واشنطن وأنقرة. إلا أنه من غير المعروف الضمانات التي قدمت من أجل التراجع عن هذا القرار من قبل إدارة ترامب؛ بيد أن الخبراء يربطون هذا الخبر بأخبار شراء تركيا صواريخ AIM-120 Amraam من الولايات المتحدة الأمريكية.