عثمان نوري أراس
تشهد تركيا في الأشهر القليلة الماضية انخفاضًا سريعًا في حجم الصادرات. مع أنه عندما جاء حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى سُدة الحكم في عام 2002 استطاعت تركيا بمساعدة الظرف الدولي أن تأتي ضمن الدول التي تشهد أسرع نمو في الصادرات في العالم. بيد أن السياسات الخاطئة التي ينتهجها الرئيس رجب طيب أردوغان ومسؤولو الحكومة في السنوات الأخيرة داخليًّا وخارجيًّا عرّضت الصادرات لأزمة.
وأظهرت معطيات كل من هيئة الإحصاء التركية الرسميّة والبنك المركزي أن حجم صادرات تركيا شهد انخفاضًا يزيد علي عشرة في المئة في النصف الأول من العام الجاري. علمًا بأن العدالة والتنمية حقق خلال فترة حكمه في الفترة ما بين أعوام 2002-2012 زيادة بمتوسط يزيد على 15 في المئة سنويًّا في الصادرات. على أن الصادرات التي سجلت انخفاضًا ملحوظًا بنحو 22 في المئة في عام 2009 بسبب تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، سجلت زيادة تدريجيّة في عامي 2010 و2011 مع بدء زوال تأثيرات الأزمة.
إلا أن نسبة الزيادة في حجم الصادرات شهدت هبوطًا في عام 2012 مقارنة بعام 2011. كما شوهد انخفاض إلى حد ما بنسبة 0.4 في المئة في حجم صادرت تركيا بالرغم من أن حجم التجارة العالمي شهد في عام 2013 نموًا بنسبة 3 في المئة. وفي عام 2014 جاء حجم التجارة بعيدًا عن التوقعات وأقل بكثير من متوسط أعوام 2002-2012، لكنها حققت زيادة بنسبة 3.8 في المئة فقط.
ارتفاع الدولار يعجز هو الآخر عن الحيلولة دون تراجع الصادرات
وفي عام 2015، على الرغم من توقعات الزيادة في حجم الصادرات بسبب تهاوي قيمة الليرة التركية أمام سعر الدولار، إلا أن الصادرات شهدت انخفاضًا بنسبة بلغت نحو 9 في المئة في الأشهر السبعة الماضية بسبب الانخفاض في كل شهر من تلك الأشهر مقارنة بالأشهر نفسها من العام الماضي.
وإذا ما أخذنا هذا النمط ومسار حجم الصادرات في ظل حزب العدالة والتنمية في الاعتبار؛ نجد أن الفترة الواقعة فيما بين أعوام 2002و2012 هي فترة سُطرت فيها إنجازات ونجاحات في حجم الصادرات بالنسبة للدولة بفضل الوئام الديناميكي وتأثير التوسع في السوق العالمي. وفي واقع الأمر شهدت تركيا فترة مضطربة وحالة من عدم الاستقرار على الصعيد الاقتصادي حتى عام 2012 بسبب بدء حدوث انزلاق محوري في مفهوم حكومة العدالة والتنمية من ناحية أخرى وتأثير الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 من ناحية أخرى.
وسرعان ما انقلبت الأوضاع في الصادرات رأسًا على عقب بسبب حالة التباطؤ في التعافي وإعادة التقاط الأنفاس في السوق العالمية وانعكاس الانزلاق المحوري في مفهوم حكومة العدالة والتنمية في التحقيقات المتعلقة بعمليات الفساد التي تكشفت وقائعها في 17 و25 ديسمبر/ كانون الأول 2013 على القرارات والإجراءات التي اتخذتها بصورة واضحة.
ما هي أسباب الانخفاض؟
يمكن القول بأنه على الرغم من زيادة صادرت تركيا في هذا العام من ناحية الكميّة، إلا أنه يبدو تدهور قيمة الدولار أمام اليورو هي السبب الرئيس في الانخفاض الحادث في القيمة التي يتم حسابها على أساس الدولار.
أما السبب الثاني المتوقع في الانخفاض الحادث في حجم الصادرات هو انخفاض إيرادات الدول التي تصدر لها بضائع بالدولار بسبب الانخفاض في أسعار النفط. وعليه فإن الانخفاض في إيرادات الدول التي تتعامل تركيا معها أخفضت من حجم صادرتنا.
وثمة عامل آخر ضمن هذه التوقعات هو أن انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية لم ينعكس على الأسعار المحلية داخل تركيا التي تتمتع بعقلية إدارة حاكمة لا ترغب في خسارة إيرادت الميزانية الجاهزة. وهو الأمر الذي أفضى إلى أن فقد المنتجات التركية التي ظلت أسعارها عالية قدرتها على المنافسة تجاه الأسعار المتراجعة في الدول الأوروبية والأسواق العالمية الأخرى.
فضلًا عن أن تزايد المنافسة العالمية يوما بعد يوم بسبب تصنيع بعض الدول منتجات تتمتع بثقل في صادرت تركيا بصورة أكثر رخصا وجودة، جعل حالة الانخفاض التي تشهدها الصادرت التركية دائمة.
ومن الأسباب الأخرى التي تشير إلى انخفاض في الصادرات التركية هو كون منتجات مثل السيارات والمواد الكيميائية والمخبوزات والملابس الجاهزة والمنسوجات التي تتمتع بالنصيب الأكبر في صادرت تركيا؛ منتجات ذات تكنولوجيا متوسطة بدلا عن أن تكون منتجات ذات تكنولوجيا فائقة. إذ إن معظم هذه البضائع لديها تأثير قوي على معدلات النمو الاقتصادي.