بقلم: ويسال آياهان
يجب تدوين ما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس من حِكمة كبيرة (!). فقد قال في معرض إشارته إلى صلاحياته الدستورية “ليس لديّ صلاحية تمديد مدة الـ45 يوماً؛ المدة الأقصى لتشكيل الحكومة”، وكأنه ليس من يرقص ويدوس كل يوم على الدستور والقوانين وإنما هو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل!
وكان أردوغان أقسم حين باشر مهامه الرئاسية في مثل هذا الوقت من العام الماضي على أنه سيلتزم “سيادة الدستور والقانون”، وأنه لن يحيد قيد أنملة عن هدفِ “السعي ليتمتّع كل المواطنين بحقوق وحريات الإنسان في إطار إقامة مفهوم العدل”، ثم كان اختتم قسمه قائلاً “أقسم بشرفي وعرضي أن أؤدي المهام الملقاة على عاتقي بحيادية وأن أكون على مسافة واحدة من الجميع”.
إذن تعالوا لنتذكّر ما فعله أردوغان حتى انطلاق الانتخابات البرلمانية في 7 يونيو/ حزيران 2015 عقب تأدية يمينه هذا بشرفه وعرضه:
1- نظَّم 56 مؤتمراً جماهيرياً، تحت غطاء حفلات افتتاحات جماعية، بثّتها 12 محطة تلفزيونية خاصة، بالإضافة إلى محطة الإذاعة والتليفزيون الحكومية “تي آر تي” (TRT) .
2- أقام 18 مؤتمراً جماهيرياً، بحجة عقد لقاءات مع المواطنين، أذاعتها جميع القنوات التليفزيونية والمحطات الإذاعية. فضلًا عن 25 لقاءً مع عُمَد القرى وسائقي الحافلات العامة وسيارات الأجرة، وغيرهم من أصحاب المهن والحرف الحرة.
3- شارك في 19 لقاءً تليفزيونياً مع أناس موالين له يظهرون في صورة صحفيين ومقدمي برامج يتملقونه بقولهم “ما أحلاك يا رئيس!”
شنَّ حملات من السخرية والإهانة على كل الأحزاب السياسية وقادتها، سوى حزبه العدالة والتنمية، من خلال البث المباشر على القنوات التليفزيونية:
5- بادر أردوغان إلى إهانة حزب الشعب الجمهوري – أكبر أحزاب المعاضة – وزعيمه كمال كيليتشدار أوغلو 48 مرة من خلال عبارات شديدة الإساءة.
6- وجّه بعبارات مسيئة وساخرة انتقادات لاذعة 21 مرة لحزب الحركة القومية وزعيمه دولت بهشلي.
7- اتهم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وزعيمه صلاح الدين دميرطاش بالإرهاب 34 مرة. وسعى جاهدًا لاستعادة الأصوات التي خسرها حزب العدالة والتنمية لصالح حزب الحركة القومية من خلال قوله: “ليس في بلدنا مشكلة كردية” و”إنهم علمانيون بلا دين.. إنهم زرادشتيون( في إشارة إلى أعضاء الحزب الكردي)”.
8- اتهم الجميع، باستثناء حزب العدالة والتنمية، بخيانة الوطن27 مرة، عبر تأكيده على وجود تعاون بين أحزاب الشعب الجمهوري والحركة القومية والشعوب الديمقراطي وما سماه بـ”الكيان الموازي”.
9- قاد دعاية لصالح حزب العدالة والتنمية من خلال استخدامه صيغة الجمع في خطاباته الجماهيرية “نحن”، قاصداً حزب العدالة والتنمية، ومن خلال قوله “أعطونا 400 مقعد برلماني لتحلّ هذه المشكلة في أمان وسلام”، و”نحن لا نرشّح مفتياً صورياً مزعوماً في ديار بكر المحافظة، كما لا نرشّح مثليّاً في إزمير العلمانية لكسب مؤيدين”.
10- عمد إلى استقطاب طوائف المجتمع المختلفة والتمييز بينها، عبر استخدامه عشرات المرة كلمات مثل الأكراد، والعلويين، والأرمنيين، والزرادشتيين، إلى جانب رفع 225 دعوى قضائية على معارضيه بتهمة “إهانة رئيس الجمهورية”، وتوقيف 35 شخصاً، واعتقال 28 آخرين.
11- في مدينة إغدير الواقعة في شرق تركيا، أعربت مجموعة من السيدات اللاتي قدمن لحضور مؤتمر جماهيري لأردوغان عن امتعاضهن، وأدرن ظهورهن له. وعلَّق أردوغان على هذا التصرف بأسلوب لا يستسيغه العقل ولا يليق برئيس بلد قائلاً: “هناك مجموعة أدارت وجهها وتقوم ببعض الإشارات. ومعنى ذلك واضح أصلاً، لكن أخلاقنا لا تسمح بالإفصاح عن هذا المعنى”.
“السلطان القابع في قصر الرئاسة هو المسؤول الأول عن إراقة الدماء”
رأينا أن برامج الافتتاح الجماعي لبعض المشروعات لـ”الرئيس المحايد” قد توقفت بين ليلة وضحاها بمجرد إجراء الانتخابات البرلمانية في 7 يونيو/ حزيران 2015. ثم بدأت تركيا تشهد إراقة دماء بعد فترة أكثر من سنتين وكأن بعض المحاور ضغطت على الزرّ مجدداً وأشعلت فتيل الإرهاب، حتى تحولت البلاد إلى كرة من اللهب. وقد أشار الكاتب الصحفي “حسن جمال” في مقالله على موقع “T24” الإخباري إلى المسؤول الفعلي عن الأحداث التي تشهدها البلاد قائلاً: “السلطان القابع في قصر الرئاسة هو المسؤول الأول عن إراقة الدماء. نقطة!”.
انطلاق موسم حشد عمد القرى
بعد أن غلى الشارع التركي نتيجة سقوط 33 شهيدًا خلال الأعمال الإرهابية التي شهدتها البلاد مؤخرًا، عاد أردوغان مرة أخرى إلى شاشات التليفزيون، ما يعني أن شركات استطلاع الرأي قدّمت له تقريراً عن ضرورة إجراء انتخابات جديدة! فالمواطنون الذين فتحوا التليفزيون أمس كما هي عادتهم كل يوم فوجئوا بالرئيس المحايد الذي ظهر أمامهم على الشاشات بصورته الجديدة البعيدة عن صورته العبوس التي ظهر بها عقب فشل العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة. فقد عاد مرة أخرى لعقد اجتماعات مع عمد القرى والحديث معهم لجذبهم إلى صفّه. وقد طلب “الرئيس المحايد” الذي أقسم بشرفه وعرضه من العمد أن ينهضوا بمهمة “التخابر والتجسس” على المواطنين في قراهم ينقلوا له كل شيء يدور فيها.. لنختم بما قاله الكاتب الصحفي حسن جمال أيضًا:
“إنه يخاف! إن ما يؤرق نومه الآن هو إعادة فتح ملفات الفساد والرشوة ومحاسبته عليها. لذلك يسعى لإجراء انتخابات مبكرة.
لذلك فهو يجرَّ البلاد إلى حافة الهاوية. ولن تتمكن تركيا من النجاة من بحر الدماء قبل أن تدرك العقول تلك الحقيقة البينة، لا سيما مؤيدو العدالة والتنمية.
لكن لا يساوركم أي شكّ في أن بحر الدماء سيزداد اتساعًا وعمقًا يوماً بعد يوم إذا فضّلنا خيار الانتخابات المبكرة”.