عبد الحميد بيليجي
كان مشهدا مؤسفا.. لكن الذين يتابعون الأخبار عبر وسائل الإعلام الموالية للحكومة وحدها قد يكونوا لم يسمعوا بها أبدا.
أصدر المتضررون من الهجمة الإسرائيلية على سفينة مافي مرمرة التي راح ضحيتها 10 شهداء بيانا وجهوا فيه اتهاما لوزارتي العدل والخارجية ورفعوا ضدهما دعوى قضائية.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]يبدو أن السياسيين الإسلاميين يعيشون خيبة أمل كبيرة من العدالة والتنمية الذي بات معاديا لمختلف شرائح المجتمع كالعلويين والأكراد والديمقراطيين والمحافظين بعد أن كان مقربا منها جميعا.[/box][/one_third]وكان البيان الذي نشره المتضررون يعبر عن خيبة أمل كبيرة. لأن الحكومة ظلت على مدى عام ونصف العام تحول دون إصدار النشرة الحمراء بحق الجنود الإسرائيليين الذين أطلقوا النار على ركاب السفينة. وبذلك كان هؤلاء المتضررون يُمنعون من التوصل بحقوقهم عن طريق القضاء.
وكان محيي الدين يلدريم- وهو أحد الناجين من الهجمة الإسرائيلية- قال لوكالة أنباء إيلكه: “كنا قد سررنا حين طالبت الحكومة التركية في بداية الأمر إسرائيل بالاعتذار وتقديم تعويضات، ورفع الحصار عن غزة. لكننا تعرضنا لخيبة أمل كبيرة حين حاولت الحكومة نفسها أن تثنينا عن قضية مافي مرمرة والتنازل عن متابعة حقوقنا. فهل يا ترى اتفق المسؤولون الإسرائيليون والأتراك على مواضيع كثيرة، وكانت السفينة تشكل عائقا أمامهم؟”
ومن جانبها قالت تشيديم طوبتشو أوغلو زوجة أحد شهداء سفينة مافي مرمرة: “رغم ما عشناه من الهموم وما تعرضنا له من العوائق في هذه القضية، فقد كان القرار الصادر باعتقال الجنود الإسرائيليين في 26 مايو 2014 قرارا مهما من حيث تحقيق العدالة وبالنسبة لنا بعد أن فقدنا أزواجنا وذوينا. إلا أننا ورغم مرور 15 شهرا لم يُنفذ هذا القرار بسبب العوائق التي وضعها مسؤولو القضاء والإدارة بشكل متعمد أو غير متعمد”.
ويبدو أن السياسيين الإسلاميين يعيشون خيبة أمل كبيرة من العدالة والتنمية الذي بات معاديا لمختلف شرائح المجتمع كالعلويين والأكراد والديمقراطيين والمحافظين بعد أن كان مقربا منها جميعا.
وكان السياسيون الإسلاميون قد ذُهلوا حين أدلى أردوغان الناشئ في محاضن الإسلام السياسي بتصريح إثر تأسيسه لحزب العدالة والتنمية قال فيه إنه خلع قميص الرؤية القومية ” ميللي جروش”، وإنه لن يتبع سياسة مستوحاةً من الإسلام السياسي. وقد عرَّف نفسه بأنه ديمقراطي محافظ. وكان أردوغان يتطلع للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وقد لقي حظوة في البيت الأبيض الأمريكي قبل أن يصبح رئيسا للوزراء، وقبِل بأن يكون الرئيس المشارك لمشروع الشرق الأوسط الكبير، وحصل على جائزة تقديرية وميدالية الشجاعة الرفيعة من اللوبي الصهيوني اليهودي. وفي تلك الأيام فضل بعض السياسيين الإسلاميين الابتعاد عن أردوغان لأنهم وجدوا أنه رمز لمشروع أمريكي إسرائيلي. في حين قرر بعضهم الآخر على مضض أن يستفيدوا من الفرص الجديدة التي أُتيحت لهم. حتى إن هناك من كتب كتابا بعنوان “حركة التجديد” وذكر فيه أن حزب العدالة والتنمية مشروع أمريكي صهيوني، لكنه بعد مدة ركب موجة العدالة والتنمية وسار معه.
إلا أن العدالة والتنمية لم يعد يحتاج لا للديمقراطيين ولا الأحرار ولا حركة الخدمة ولا الاتحاد الأوروبي. حيث رأى العديد من المراقبين أن أردوغان يعود إلى نقطة البداية، حيث إن بعض الذين ظلوا إلى جانبه حتى عام 2010 أعلنوا صراحة أنهم لن يكملوا المشوار معه. وذلك كان معناه أن تركيا أدارت ظهرها للاتحاد الأوروبي وتوجهت نحو الشرق الأوسط، وبدأت تتحدى أمريكا وإسرائيل، وتتقرب من إيران في خطوات تسعى من خلالها الإدارة السياسية إلى أسلمة المجتمع. وكلما توغلت تركيا في هذا الطريق ازدادت عزلتها عن المجتمع الدولي. الأمر الذي فرح به الإسلاميون الذين وصفوه بأنه “عزلة مقدسة”.
وليس أمام حزب العدالة والتنمية أية سياسة متزنة بعد أن تخلى عن أصدقائه القدامى بكل سهولة. فهذا الكيان السياسي الذي أصبح مستعدا للانقلاب 180 درجة في أية لحظة حسب الظروف التي تحيط به، صار سبب خيبة أمل للإسلاميين وغيرهم. وثمة أمثلة كثيرة جدا على ذلك، كما في حادثة سفينة مافي مرمرة حيث ساند المتضررين سياسيا ثم تخلى عنهم.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]ليس أمام حزب العدالة والتنمية أية سياسة متزنة بعد أن تخلى عن أصدقائه القدامى بكل سهولة. فهذا الكيان السياسي الذي أصبح مستعدا للانقلاب 180 درجة في أية لحظة حسب الظروف التي تحيط به، صار سبب خيبة أمل للإسلاميين وغيرهم. وثمة أمثلة كثيرة جدا على ذلك، كما في حادثة سفينة مافي مرمرة حيث ساند المتضررين سياسيا ثم تخلى عنهم.[/box][/one_third]وكان أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داوداوغلو في الحملات الانتخابية قبيل انتخابات 7 يونيو/ حزيران الماضي يدعيان أن العقل المدبر (المقصود به هو أمريكا) هو أساس كل المشاكل، وقد طالبا بتلقينه درسا قاسيا في الانتخابات. إلا أن العدالة والتنمية سمح للعقل المدبر باستخدام قاعدة إنجيرليك الجوية بعد هذه الانتخابات. وفوق ذلك قال وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو: “نحن شركاء مع أمريكا في كل قراراتنا”.
وحين وردت أنباء عن وجود مفاوضات سرية بين العدالة والتنمية وإسرائيل، أراد الإسلاميون تكذيب تلك الأنباء، ولكن تشاووش أوغلو أكد صحتها. وحين تبيَّن أن العدالة والتنمية منح 65 مليون دولار للوبيات الأمريكية تعبيرا منه عن أنه موال لإسرائيل لم ينطق الإسلاميون بأية كلمة ربما لأنهم بلعوا ألسنتهم الصغيرة. كما أن الإسلاميين الذين يعشقون إيران منذ 30 عاما تعرضوا لصدمة كبيرة أخرى حين اتفقت إيران مع “الشيطان الأكبر” (أمريكا).
وكان الإسلاميون فرحوا فرحا عظيما حين قال أردوغان: “ما علاقة الناتو بليبيا؟” لكنهم غابوا عن الساحة حين صرح أردوغان مع بدء عمليات الناتو في ليبيا: “يجب أن يتدخل الناتو في ليبيا ليعيدها إلى الليبيين”.
وكان هؤلاء الإسلاميون قد غضبوا أشد الغضب حين دعت حكومة العدالة والتنمية الناتو لعقد اجتماع طارئ وطلبت منها الحماية، بعد أن كان أردوغان يتحدى الغرب في الحملات الانتخابية.
وكانت الصحف الإسلامية قبل زيارة أدروغان للصين تذكر في صفحاتها بأن أردوغان سيلقن الصين درسا قاسيا بسبب إجرامها في شينجيانج (تركستان الشرقية). لكنها تعرضت لخيبة أمل كبرى حين قال أردوغان أثناء زيارته للصين: ” إنني أستنكر الأنشطة الإرهابية التي تشهدها تركستان الشرقية لأنها تسعى إلى النيل من وحدة الأراضي الصينية”.
إذن حتى الإسلاميون الموالون لحزب العدالة والتنمية أنفسهم يعانون كثيرا في هذا الوقت!