بقلم: فاروق مرجان
كيف اجتاحت النيران جميع تركيا في ظرف أسبوع واحد، والتي تأججت مع التفجير الانتحاري ببلدة سروج التابعة لمدينة شانلي أورفا جنوب شرق البلاد؟
تذكروا أحداث “أولوديره” التي وقعت قبل ثلاثة أعوام؛ والتي أسفرت عن مقتل عدد أكبر من الناس مقارنة بحادث سروج، إلا أن تلك الأحداث لم يكن لها وقعًا وضجة بهذا القدر الكبير في جميع تركيا.
وعلى الرغم من مقتل أكثر من 50 شخصًا في تفجيرات “ريحانلي” التابعة لمدينة هطاي إلا أن هذه الأحداث أيضًا لم تحدث كل هذه الضجة في البلاد. حتّى عقب أحداث السادس والسابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي التي اندلعت بعد تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان إذ قال إن “بلدة كوباني (عين العرب) أوشكت على السقوط”، فلم يقدم تنظيم حزب العمال الكردستاني على مثل هذه الموجة من التفجيرات ضد كل من رجال الجيش والشرطة.
تذكروا التفجيرات التي وقعت في مدينة ديار بكر جنوب البلاد قبل يوم واحد من الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من يونيو/ حزيران الماضي. فحتى هذا التفجير أيضًا لم يؤت أكله أو يتمخض عن النتيجة المأمولة والرامية إلى إلغاء الانتخابات. ولم يخرج الناس في جنوب شرق البلاد إلى الشوارع احتجاجًا على ذلك، كما لم تبدأ موجة من الإرهاب مثل التي نشهدها في الأيام الأخيرة.
حسنًا، ما الذي حدث الآن لتتحول تركيا إلى مكان حريق؟
اتخذ حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل قراراً بشن هجوم ضد رجال الجيش والشرطة بدعوى أن أنقرة هي التي تقف وراء التفجيرات التي نفذها تنظيم داعش في بلدة سروج. وهو ما جعل القوات المسلحة التركية تتخذ عقبها قرارا بشن عمليات وراء الحدود في سوريا والعراق.
تُقيّم مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية الأحداث التي تشهدها تركيا منذ أسبوع على النحو الآتي: “أن هدف رجب طيب أردوغان هو إبقاء حزب الشعوب الديمقراطي الكردي تحت الحد النسبي في البرلمان وحصول حزب العدالة والتنمية على العدد الكافي من النواب داخل البرلمان الذي يخوله بتطبيق النظام الرئاسي الذي يحلم به”.
من إغلاق القصر إلى إغلاق الشعوب الديمقراطي
دعوكم الآن من إبقاء حزب الشعوب الديمقراطي تحت الحد النسبي. إذ بدأ يتم الحديث عن فتح المدعي العام في المحكمة العليا دعوى قضائية في المحكمة الدستورية لإغلاق الشعوب الديمقراطي.
وكانت جميع تصريحات أردوغان خلال الحملة الانتخابية مُحمّلة برسائل إلى المدعي العام في هذا الموضوع. إلا أن الأمر الذي يثير حفيظتي ويدهشني حقًّا هو أن دفاع دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية عن هذا المشروع الذي يعد أهم مشاريع القصر الرئاسي – أي إغلاق الحزب الكردي – على الرغم من أنه قال لأردوغان “اترك القصر وغادره وسلّم ابنك إلى القضاء”.
وما يدعو للدهشة أيضًا هو إشارة دولت بهشليي بأصبع الاتهام إلى حزب الشعوب الديمقراطي بدعوى أنه المتسبب في حالة الاضطرابات والتخبطات السياسية التي انجرفت إليها تركيا في هذه الأيام. بل الأدهش أنه يناشد المدعي العام للمحكمة العليا لاتخاذ قرار في هذا الصدد.
نعم، إن الأمر الذي يجعل بهشلي الذي دعا لإغلاق القصر في وقت سابق أن يطالب بإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي لهو أمر يدعو إلى الدهشة والغرابة حقًّا.
لنستفت ضمائرنا
هل الشيء الذي يقف اليوم حجر عثرة أمام تركيا هو صاحب الإرادة الموجود في القصر، أم حزب الشعوب الديمقراطي؟
هناك من يعتقد بأنه سيتم اجتياز هذه الأزمة الكبيرة التي تعصف بتركيا اليوم عن طريق إخراج نواب حزب الشعوب الديمقراطي الـ 80 من البرلمان، وكأنهم لم يدخلوا البرلمان من قبل (كان النواب الأكراد قبل ذلك يدخلون البرلمان كنواب مستقلين وليس تحت مظلة الحزب-، وهل يتوافق هذا الاعتقاد مع الحقائق السياسية؟
ألم يكن صلاح الدين دميرتاش الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي ورفقاء دربه في البرلمان لمدة أربع سنوات حتى الانتخابات البرلمانية في السابع من يوينو؟ ألم تعمل حكومة حزب العدالة والتنمية، التي تعرضت لنكسة حقيقية في هذه الانتخابات وعجزت عن الانفراد بالحكم وتحقيق الأغلبية المطلقة في البرلمان، مع الشعوب الديمقراطي لمدة أربع سنوات؟ ألم تجر هذه الحكومة مفاوضات مسيرة السلام الداخلي مع دميرتاش ورفقائه؟
ألم يقرأوا في ميدان ديار بكر رسائل عيد النيروز التي بعث بها زعيم منظمة حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان التي قدمها رئيس جهاز المخابرات التركية حاقان فيدان ووزير العدل؟ ألم يحملوا الرسائل نفسها إلى جبال قنديل؟
ألم يلتقط رجال الحكومة الحاليين معهم صورا مشتركة في قصر دولمه بهتشه بإسطنبول؟
بعد كل ذلك، ما السبب الذي جعل حزب الشعوب الديمقراطي الذي يتمتع بكل هذا القدر من الاحترام والاعتبار والشرعيّة أن يتحول إلى حزب “غير شرعي” قبل أن يبدأ البرلمان في العمل بصورة منتظمة أصلا؟
دخول حزب الشعوب الديمقراطي البرلمان كان رد الصندوق على القصر
الأمر واضح للغاية.. ذلك أن الشعوب الديمقراطي كان يمتلك 35 مقعدًا برلمانيًّا قبل انتخابات السابع من يوينو ولم يكن في موقف يجعلهم يهددون ويرعبون الحكومة الحالية أو بمعنى آخر القصر الرئاسي متمثلا في أردوغان. إلا أنهم الآن لديهم 80 مقعدًا في البرلمان، والأنكى من ذلك أنهم حطموا حلم القصر في تلك الانتخابات.
من بين النواب الثمانين في حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان دنجير مير محمد فيرات (وهو من مؤسسي حزب العدالة والتنمية). وجلال دوغان النائب السابق في حزب الشعب الجمهوري، وألطان طان، وجارو بايلان، وأرطغرل كوركوتشو وسري سريّا أوندير.
كان السبب الحقيقي في إنجاز حزب الشعوب الديمقراطي هذا النجاح، هو رغبة القصر ورجاله في التمكن من تشكيل “حكومة الرجل الواحد”. إن حصول حزب الشعوب الديمقراطي على 80 مقعدا في البرلمان كان بمثابة جواب الشعب للقصر من خلال صناديق الانتخابات بالرفض لما كان يحلم به. وبالتالي أن منبع المشاكل هو القصر وليس الشعوب الديمقراطي…