اسطنبول 28 يوليو تموز (رويترز) – بعد أن اضطر لمحاربة تنظيم
داعش بعد اقترابه من حدود تركيا يستغل الرئيس رجب طيب
إردوغان الفرصة لكبح جماح خصم آخر إذ يقصف الانفصاليين الأكراد
الذين يعتبرهم مصدر تهديد لسلامة أراضي الدولة التركية.
وتصور تركيا العمليات على أنها حرب على الجماعات الإرهابية
“دون تمييز” ونفذت ضربات جوية ضد الدولة الإسلامية في سوريا للمرة
الأولى الأسبوع الماضي وسمحت للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة
باستخدام قواعدها الجوية بعد أن أحجمت عن ذلك لفترة طويلة.
كما قصفت معسكرات في شمال العراق تابعة لحزب العمال الكردستاني
للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات على الأقل. وألقي القبض على مئات ممن
يشتبه في انتمائهم لتنظيم الدولة الإسلامية وحزب العمال الكردستاني
في مداهمات بأجزاء مختلفة من تركيا.
وينطوي خوض حرب على جبهتين على مخاطر كبيرة على تركيا عضو حلف
شمال الأطلسي فهو يعرضها لتهديد يتمثل في هجمات الجهاديين
الانتقامية ولخطر إعادة إشعال حركة التمرد الكردية التي أودت بحياة
40 ألف شخص على مدار ثلاثة عقود.
ويعتقد أن آلاف الجهاديين الأجانب عبروا حدود تركيا لينضموا
إلى تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق وتسلل كثير منهم بين
ملايين السائحين الذين يتدفقون على شواطىء تركيا كل عام.
وكثيرا ما يساعدهم مهربون أتراك مرتبطون بالإسلاميين المتشددين
وهي شبكة تحاول تركيا تفكيكها لكنها يمكن أن تشن هجمات على الأراضي
التركية على غرار التفجير الانتحاري الذي وقع الأسبوع الماضي وأسفر
عن مقتل 32 شخصا وألقت أنقرة باللائمة فيه على المتشددين.
ويخشى دبلوماسيون غربيون منذ فترة طويلة من أن تكون اسطنبول
وهي واحدة من مدن العالم التي تتردد عليها أعداد كبيرة من السائحين
أو منتجعات تركيا على بحر إيجة أو البحر المتوسط أهدافا سهلة.
وأعادت الهجمات التي قتل فيها عشرات السائحين الأجانب في وقت سابق
من العام الحالي هذه المخاطر إلى الأذهان.
وقال ولفانجو بيكولي من شركة تينيو انتليجنس لأبحاث المخاطر في
مذكرة “زاد تبني أنقرة لسياسات حازمة في الآونة الأخيرة تجاه حزب
العمال الكردستاني والدولة الإسلامية من خطر الهجمات الإرهابية
والاضطرابات الأهلية المستمرة داخل البلاد بدرجة كبيرة.”
لكن على الجبهتين يبدو أن إردوغان يأمل في استغلال الفرصة
للخروج من أزمة. إنه يسعى لتحسين موقف تركيا على الساحة الدولية من
خلال اتخاذ موقف أقوى من الدولة الإسلامية لكنه في الوقت نفسه يضعف
المعارضة المؤيدة للأكراد ويعزز دعم القوميين في الداخل من خلال
الهجمات على حزب العمال الكردستاني.
*لماذا الآن؟
ومنذ الانتكاسة التي مني بها في انتخابات يونيو حزيران حين فقد
حزب العدالة والتنمية الذي أسسه الأغلبية وحصل حزب الشعوب
الديمقراطي المعارض المؤيد للأكراد على أصوات كافية لدخول البرلمان
للمرة الأولى يحرص إردوغان على استعادة تأييد القوميين.
وقال إريك مايرسون وهو استاذ مساعد بكلية ستوكهولم للاقتصاد في
مقال على موقعه الإلكتروني “الهدف الأرجح هنا هو حزب الشعوب
الديمقراطي. من خلال ضرب حزب العمال الكردستاني بقوة تضغط الحكومة
التركية على حزب الشعوب الديمقراطي ليختار جانبا” ينحاز إليه.
وأضاف “اما أن يندد بحزب العمال الكردستاني لوقف العنف فيجازف
برد فعل سلبي بين قاعدة تأييده الكردية أو يتبنى خطابا أكثر تأييدا
للأكراد ليجازف بإغضاب الجماهير التركية وكذلك القضاء الذي له
تاريخ طويل من حظر الأحزاب الكردية والساسة الأكراد.”
وفي حالة إجراء انتخابات مبكرة فإن تراجع تصويت الأكراد
والمخاوف بشأن الأمن يمكن أن تنعش التصويت لحزب العدالة والتنمية
ومعه طموحات إردوغان لتغيير الدستور ليعزز رئاسته بصلاحيات جديدة
واسعة.
وجاء قرار الانضمام للحملة ضد متشددي الدولة الإسلامية مباشرة
بعد تفجير انتحاري يشتبه أن تنظيم الدولة الإسلامية نفذه وأسفر عن
مقتل 32 شخصا في بلدة سروج بجنوب شرق البلاد. وأدى الهجوم إلى
ممارسة الأكراد لأعمال عنف على مدى أيام وهم يتهمون إردوغان وحزب
العدالة والتنمية بتقديم الدعم سرا لتنظيم الدولة الإسلامية ضد
أكراد سوريا.
وتنفي أنقرة ذلك لكنها في الوقت نفسه غير راضية عن التقدم
الثابت الذي تحرزه وحدات حماية الشعب الكردية السورية مدعومة
بالضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الدولة
الإسلامية. ويخضع نحو نصف حدود سوريا مع تركيا التي يبلغ طولها 900
كيلومتر لسيطرة الأكراد.
ويخشى إردوغان وحزب العدالة والتنمية من أن يكسب هذا التقدم
الأقلية الكردية في تركيا وقوامها 14 مليون نسمة جرأة وأن يشعل من
جديد التمرد الذي قاده حزب العمال الكردستاني لثلاثة عقود. وتصنف
تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزب العمال الكردستاني
منظمة إرهابية.
وقال سنان أولجن الباحث الزائر في مركز كارنيجي أوروبا ورئيس
مؤسسة إيدام البحثية ومقرها اسطنبول “سير الأحداث في سوريا كان
يجري ضد المصالح التركية… أولا الدولة الإسلامية كانت تتوسع في
اتجاه الشمال الغربي وتواصل الاستيلاء على أراض على الحدود.
“ثانيا كان هناك خوف من أن توسع وحدات حماية الشعب الكردية
يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى إقامة أراض كردية تمتد من العراق
إلى البحر المتوسط. هذان العاملان أجبرا تركيا على التحرك.”
*نفوذ في واشنطن
يقول أولجن إن أنقرة تعي أيضا أن وحدات حماية الشعب الكردية
بإثباتها أنها شريك يمكن الاعتماد عليه على الأرض للضربات الجوية
التي تقودها الولايات المتحدة “تكتسب درجة غير مناسبة من النفوذ في
واشنطن” وهو ما دفع تركيا لتدرك الحاجة للتدخل والتحرك ضد تنظيم
الدولة الإسلامية حتى تتجنب تهميشها.
وأضاف “تأجيل المشاركة الكاملة مع التحالف المناهض للدولة
الإسلامية كان ثمنه كبيرا من الناحية الأمنية وعلى صعيد المصلحة
القومية لتركيا.”
وتابع “لو كانت تركيا استطاعت تبني هذا الموقف قبل عام لاختلفت
الأمور كثيرا.”
وقال يوسف موفت أوغلو من شركة ماكرو للاستشارات وهي مؤسسة
لاستشارات المخاطر السياسية مقرها لندن إن من أسباب اتخاذ أنقرة
القرار بالتحرك إدراكها أن جهودها لكسب تأييد الولايات المتحدة
لإقامة “منطقة عازلة” في شمال سوريا لا تحرز تقدما.
وتريد تركيا أن تبعد المناطق الآمنة على الجانب السوري من
الحدود متشددي الدولة الإسلامية والمسلحين الأكراد عن أراضيها وأن
تساعد في وقف تدفق المزيد من اللاجئين الذين سينضمون إلى 1.8 مليون
لاجىء تستضيفهم حاليا.
وبعد بدء الضربات بقليل أثار وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو
القضية مرة أخرى وقال في مؤتمر صحفي يوم السبت إن الأراضي التي يتم
تطهيرها من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في شمال سوريا ستصبح
“مناطق آمنة” بطبيعة الحال.
ويبدو أن أنقرة قد حصلت على تأييد ضمني من واشنطن لحملتها ضد
حزب العمال الكردستاني الذي تختبىء عناصره في جبال شمال العراق على
الرغم من تعاون التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة مع الأكراد في
سوريا.
وقال بريت مكجيرك نائب المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي
لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية على تويتر “لا توجد صلة بين
الغارات الجوية ضد حزب العمال الكردستاني والتفاهمات الأخيرة
لتعزيز التعاون الأمريكي التركي ضد تنظيم الدولة الإسلامية.”
لكنه لم ينتقد الضربات الجوية التي تنفذها تركيا في العراق.
وكتب يقول “نحترم تماما حق حليفتنا تركيا في الدفاع عن نفسها.”
(إعداد دينا عادل للنشرة العربية- تحرير محمد اليماني)