مصطفى أديب يلماز
تألمنا كثيرا بسبب أعمال العنف التي تصاعدت وتيرتها طوال هذا الأسبوع. ففي يوم الاثنين الماضي وقعت مجزرة أودت بحياة 32 شابا في سروج كما وردت أنباء عن اشتباكات مع العمال الكردستاني في أديامان، وقد أسفرت هذه الاشتباكات عن استشهاد أحد الجنود.
وقبل أن تتضح ملابسات هذه الأحداث تم استهداف رجال الشرطة في جيلانبينار يوم الأربعاء، وفي ديار بكر يوم الخميس، كما تم استهداف الجنود في كيليس أيضا.
وكنت قد التقيت بدبلوماسي أجنبي في أثناء تتابع هذه الأحداث، وكان يحاول فهم الوقائع ليتأكد من سلامة المواطنين الأتراك. وأخشى ما أخشاه ألا يكون هناك أحد يشعر بالاطمئنان تجاه هذه المسألة. فالكل مرتبك وقلق.
وقد عشنا أحداثا مؤلمة كهذه قبل الانتخابات أيضا. ففي 6 يناير/كانون الثاني فجرت إحدى الانتحاريات الداعشيات نفسها بعد أن دخلت قسم شرطة السلطان أحمد بإسطنبول. ما أسفر عن استشهاد أحد رجال الشرطة.
وبعد ذلك دخل اثنان من “جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري” إلى القصر العدلي في منطقة تشاغلايان بكل سهولة في 31 مارس/آذار الماضي، واحتجزا المدعي العام محمد سليم كيراز، وبعد نقاش طويل حول إنقاذه، استُشهد المدعي العام وقُتل الإرهابيان.
وكانت مكاتب حزب الشعوب الديمقراطي قد تعرضت لهجمات منظمة ومتتالية أثناء الانتخابات في كل من أنقرة وإسطنبول وأضنة ومرسين وكثير من المدن الأخرى. علما بأن أكثر الحوادث الدموية كانت حادثة 5 يونيو/حزيران في ديار بكر. حيث تمكن أحد عناصر داعش من تفجير قنبلة في المؤتمر الجماهيري الانتخابي للحزل الكردي أودت بحياة أربعة مواطنين واستطاع الهرب بكل سهولة رغم أنه كان مراقَبا من قبل الشرطة، حتى إن وزارتي العدل والداخلية تبادلتا التهم واللوم في ذلك.
فما هي الجهة التي سيحاسبها الشعب على كل هذه الحوادث؟ إنها الحكومة التي تهيمن على الشرطة والدرك والمخابرات. ولكن هل تمكن الشعب من محاسبة الحكومة؟ لا. ولم يعلن أي شخص تحمله للمسؤولية. ولسنا نأمل من أحدهم أن يقدم استقالته للأسف. فمن ناحية نحن ما زلنا بعيدين عن مفهوم الإدارة الشفافة والمسؤولة التي نراها في الديمقراطيات والاقتصادات المتطورة في الشرق والغرب كما في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية واليابان وكوريا الجنوبية. ومن ناحية أخرى فإن الحكومة هي المسؤولة عن الحوادث المؤسفة اليوم، وذلك ليس بسبب فشلها وعدم تأهبها للأمور بل بسبب حساباتها وتصرفاتها الخاطئة في السابق.
ولذلك فإن مسؤولي الحكومة حاليا وفي السابق يتعرضون لتهمة التعاون مع الإرهابيين أو التغاضي عنهم. فهل صدق رئي الوزراء أحمد داوداوغلو في قوله: “ليس للعدالة والتنمية أي سوابق في التعاون مع شبكات الإرهاب والسلاح والإجرام”؟
فمن هم إذن الذين أجروا مفاوضات مباشرة مع عبد الله أوجلان ومنظمة حزب العمال الكردستاني عندما فقدوا الأمل في الحصول على أصوات الأكراد؟ ومن هم الذين صوروا المواطنين الأكراد على أنهم منضوون تحت قيادة أوجلان بعد أن اعتبروه زعيم الأكراد سواء رضوا أم أبوا؟ ومن هم الذين كانوا يتهمون المثقفين الذين يدعمون مسيرة السلام، لكن يطرحون أسئلة حولها، بأنهم يعارضون السلام؟ ويمكننا أن نزيد عدد هذه الأسئلة. إذ إن مسؤولية الحكومة لا يمكن إنكارها.
أما فيما يخص داعش وغيره من التنظيمات المتشددة في سوريا، فلا شك في أن هذه التنظيمات لم تتشكل بين ليلة وضحاها. فقد انضم مقاتلون من مختلف أصقاع الأرض إلى هذه التنظيمات من خلال العبور من حدود تركيا. فعلى سبيل المثال نشرت صحيفة واشنطن بوست في العام المنصرم لقاء بين مراسلها وأحد قياديي داعش في الريحانية التابعة لمحافظة هطاي، والذي ذكر أنهم يحصلون على العدة والعتاد وغالبية المقاتلين عن طريق تركيا، وأن قياديي التنظيم يتلقون العلاج في تركيا، رغم أن الحكومة أنكرت ذلك جملةً وتفصيلا. وكانت الشاحنات -التي ادعت الحكومة بأنها محملة بالمعونات الإنسانية- محملةً بالأسلحة. ثم غيرت كلامها فادعت بأنها كانت تريد إرسال تلك الأسلحة إلى التركمان في سوريا. ولكن التركمان أنفسهم كذَّبوا ذلك. وأخيرا باتت الحكومة كمن اعترف بذنبه حين اعتقلت المدعي العام ورجال الجيش والشرطة الذين أوقفوا تلك الشاحنات، وزجت بهم في السجن.ناهيكم عن الاعترافات المسجلة بالصوت والصورة لسائقي الحافلات الذين أوصلوا مقاتلين من الريحانية إلى “أكجه قلعة” للعبور إلى سوريا. فماذا تتوقعون من الناس أن يفكروا فيكم؟