مصطفى أونال
قال نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش: “من المؤسف أن يتمكن انتحاري من الدخول إلى منطقة كانت تحت حراسة جيدة”.. هل هذا مؤسف فقط؟ إنه يدعو إلى التفكير أيضًا.
إن وصول الانتحاري إلى هدفه في ذلك “المكان الذي كان تحت حراسة جيدة” يطرح علامة استفهام؟ والأسئلة متعددة، لكن ما من جواب، ونحن نعلم أن المسؤولين في الدولة لا يحبون الأسئلة المزعجة. فمنذ وقت ليس بالطويل قد اختار محافظ شانلي أورفا إسكات الصحفيين باستخدام القوة بدلا عن الإجابة عن أسئلتهم حول خطر داعش في المدينة، وأمر باعتقال 4 منهم. ولم تُبدِ أنقرة أية ردة فعل، فالحكومة تبنت موقف هذا المحافظ.
وإن إسكات الصحفيين والحيلولة دون توجيه الأسئلة ليس حلا، فلو أن المحافظ أدلى بتصريحات محذرة من خطورة داعش لربما خلق نوعا من التعاطف لدى الرأي العام. وحتى لو كان المسؤولون “يجعلون أصابعهم في آذانهم” وجربوا كل الطرق للتهرب من الأسئلة فلا بد من أنها ستُطرح، ولا مفر منها.
كما أن بلدة سروج من أكثر المناطق حساسيةً. فهي على الحدود السورية، ومن أقرب المناطق إلى ساحة الحرب. والكل يعلم أن أية شرارة تأتي من الحدود ستعكر الأجواء. وقد وردت أخبار عن التحذيرات المستمرة من قبل وحدات المخابرات. علما بأن عدد السوريين في تركيا قد فاق المليونين منذ وقت طويل. صحيح أن إغاثة الملهوفين واجب إنساني، ولكن يصعب القول بأن جميع السوريين من ذوي النوايا الحسنة، كما يصعب مراقبة هذا العدد الكبير.
كانت النية المبيتة لدى حكام تركيا هي الصلاة في الجامع الأموي، حيث ادعوا أن أيام الأسد باتت معدودة. حتى إن رئيس الوزراء أحمد داوداوغلو صرح قائلا: “أنا لا أقول إن الأسد سيرحل في غضون أشهر بل سيرحل خلال أسابيع فقط”، ومر على هذا التصريح ثلاث سنوات. كانت النية أداء صلاة الجمعة فإذا بنا صرنا نؤدي صلاة الجنازة على موتانا بالعشرات الذين لقوا مصرعهم في بلدة الريحانية أولا وفي سروج ثانيا… ونسأل الله أن تكون حادثة سروج هي الأخيرة من نوعها.
كانت تركيا تطمح في جعل سوريا شبيهة بها بعد تخليص دمشق التي داهم أبوابها الربيع العربي من القبضة البعثية، وتعريفها بالديمقراطية. إلا أن ذلك لم يحدث. وأخشى أن تتمكن سوريا من جعل تركيا شبيهة بها. وأن تنتقل شرارة حربها إلى تركيا. فهناك أمارات كثيرة ظهرت على ذلك. ومن ذلك أن شرارة من نار الحرب المستعرة بين داعش والاتحاد الديمقراطي الكردي قد وقعت في تركيا.
يبدو أن مجتمعنا سيدفع فاتورة باهظة نتيجة سياسات العدالة والتنمية الخاطئة تجاه سوريا. ولم يتضح إلى الآن أين ستنتهي هذه الحرب. ولم تكن مقولة الرئيس السابق عبد الله جول لداود اوغلو: “هل أنت وزير خارجية سوريا”؟ مقولة نابعة من عبث”. إذ لم يكن من الصعب التكهن بما سيحدث كما قال جول إنه نبه إلى مثل واقعة سروج لكنه لم يجد آذانا صاغية. وقد تحدثت إلى أحد أعضاء حزب العدالة والتنمية، فقال لي: “حتى الآن لم يعِ المسؤولون في الحزب أن سوريا ستكون وبالا على تركيا. فأنا متشائم، ومصاب بالأرق”.
إن حادثة سروج كلفتنا الكثير، حيث فقدنا 32 شخصا في ريعان الشباب فضلا عن العديد من الجرحى. والمشتبه به معروف: داعش، فمن الصعب أن نقول إن حكومة العدالة والتنمية تحارب داعش بجدية.
حادثة سروج صدمة كبيرة بالنسبة لتركيا، وليست هجمة إرهابية معتادة. ويجب البحث أولا في الأجواء التي تولد الإرهاب، كما يجب إعادة النظر في سياستنا تجاه سوريا، والقضاء على الإرهاب بشكل جذري، إذ إن تركيا باتت هدفا للموجات الإرهابية التي يصعب فهمها. فقد شهدت تركيا خلال العام الأخير حوادث ناجمة عن معارك كوباني حيث قُتل بعض رجال الأمن والشرطة، كما تم اقتحام القصر العدلي في تشاغلايان بإسطنبول، وتم تفجير قنبلة في حملة انتخابية لحزب الشعوب الديمقراطي بديار بكر، بالإضافة إلى مجزرة سروج، واستشهاد عسكري في “أديامان” فضلا عما حدث في الريحانية وغازي عنتاب. ولم يتم تسليط الأضواء على أي من هذه الحوادث بشكل كامل. كما أن هذه الأحداث ليست علامة خير بالنسبة لتركيا. ولا أريد أن أقتنع بسيناريوهات السياسة الداخلية والانتخابات. فحزب العدالة والتنمية لا يستطيع التخلص من هذه المشاكل حوله من خلال نظريات مؤامرة الكيان الموازي والعقل المدبر.
وينبغي على الأحزاب أن تسرع في تشكيل الحكومة الجديدة. ذلك لأن المرحلة الراهنة لا تحتمل الفراغ. ويجب أن تثمر أعمال تشكيل الائتلاف في أسرع وقت ممكن. حيث إن المشكلة كبيرة. والخطر يداهمنا. والتوتر متزايد. وثمة حاجة ملحة إلى حكومة قوية متمكنة من تمثيل الشعب في البرلمان، وقادرة على النجاة بالبلاد مما يعصف بها من توترات. ويبدو أن حادثة سروج هي الإنذار الأخير. إذ إن شرارةً واحدة قد تتسبب بحرائق كبرى. والهدف هو تركيا بالطبع.