سلجوق جولتاشلي
كتب عبد القادر سلوي الكاتب بجريدة يني شفق الموالية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان مقالًا بعنوان “إلى متى أُرجئ التغيير الحكومي” عقب ثلاثة أيام من عمليات الكشف عن فضيحة الفساد والرشوة الكبرى يوم 17 ديسمبر / كانون الأول 2013. واتهم في نهاية مقاله حركة الخدمة بوضع كاميرات مراقبة في حمامات مسؤولي حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وبعد مرور أسبوع على الكشف عن هذه الفضيحة نشر يالتشين آكدوغان، المستشار السياسي لرئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان النائب البرلماني عن الحزب الحاكم، مقالًا بجريدة” ستار” الموالية لأردوغان حمل عنوان: “أيمسكون في أيديهم نورًا أم صولجانًا؟”، وزعم أن حركة الخدمة دبَّرت مؤامرة ضد الجيش التركي.
هذان المقالان المهمان اللذان كُتبا تواليًا بعد أيام قليلة من الكشف عن فضيحة الفساد والرشوة أظهرا إستراتيجية الإجهاز على التحقيقات الجارية للكشف عن تفاصيل فضيحة الفساد التي يدَّعى أن أردوغان وعددا من أقاربه متورطون فيها.
كان هناك مخطط لإعلان جماعة الخدمة “شيطانا” وإعلان أعداء الأمس أصدقاء اليوم. وإشاعة أن أشخاصا منتسبين إلى الجماعة قاموا بعمليات تنصت لتتحوَّل الجماعة إلى جماعة “لا أخلاق لها”، وادعي أنهم زرعوا كاميرات تجسس في حمامات أناس اعتمدوا عليهم وفي غرف نومهم وتفرغوا لأعمال التجسس والمراقبة.
كان لابد من إعلان حرب ضروس للقضاء على حركة الخدمة، وكان يجب أن تشهد هذه الحرب تحويل ألد أعداء الأمس بشكل فوري إلى حلفاء. وكان الجيش، الذي هو أقوى أعداء الأمس، سيجري إقناعه بأن مؤامرة قد حيكت ضده.
إن أردوغان الذي يدعي أنه يدافع عن الإرادة الوطنية في مواجهة الانقلابيين وأنه ينقل تركيا إلى المستقبل الواعد، كلف يالتشين أكدوغان بمهمة الاعتذار للانقلابيين وضمهم إلى صفه. واستطاع جميع الانقلابيين بفضل هذه الخطوة أن يتحرروا من سجونهم بعدما ألقي القبض عليهم بتهمة محاولة الانقلاب على حكومة أردوغان.
لكنهم ركَّزوا أكثر على التحقيق في ادعاءات التنصت لأن مسألة المؤامرة ضد الجيش كان من شأنها أن تصيب” قصة نجاح” لحزب العدالة والتنمية بالضرر.
وقبل ثلاثة أيام من إجراء الانتخابات المحلية بتاريخ 30/3/2014 تسربت إلى شبكة الإنترنت تسجيلات صوتية خاصة باجتماع حضره جميع المسؤولين رفيعي المستوى بوزارة الخارجية في أنقرة ليناقشوا أمورا تمس أمن الدولة. وقد نشر رئيس الوزراء أردوغان ووزير الخارجية أحمد داوداوغلو وقتها كذبة سريعة مفادها أن حركة الخدمة هي التي قامت بعملية التنصت على ذلك الاجتماع. وكان التصريح الصادر عن وزارة الخارجية، التي فشلت في حماية أمن الوطن التي هي وظيفتها الأساسية، بمثابة البحث عن خونة آخرين. وقال وزير الخارجية “من فعل ذلك من شبكات الخيانة هم أعداء الحكومة والشعب”، وأعلن بثقة كبيرة أنهم سيحددون من أقدم على هذه الخيانة في أقرب وقت وأنهم سيعاقبونهم بـ”أقصى العقوبات التي يستحقونها”.
وبدأ الإعلام الموالي للحكومة يكثِّف أخباره التي تتناول “الخيانة”، فكانت عبارة أردوغان التي قال فيها “هذا سوء أخلاق وخسة ووضاعة وخيانة للأمانة، سنستأصل شأفتهم” تزيِّن الصفحات الأولى من الصحف المؤيدة له ولحزبه. حسنًا، ماذا كان العنوان الرئيسي الذي نشرته صحيفة” زمان” في ذلك اليوم، كان على النحو التالي: “نطالب بمحاسبة المتنصتين والمسربين للتسجيلات الصوتية والمروجين للحرب”.
زعمت مجلة” فوكس” الألمانية الأسبوع الماضي أن وكالة الأمن القومي الأمريكي (NSA) هي التي قامت بالتسجيل الصوتي المذكور وسربته إلى الإنترنت يوم 27 مارس / آذار 2014. أنظر إلى الصفحات الأولى من وسائل الإعلام الموالية لأردوغان والحكومة فلا أرى منها أي رد فعل إزاء هذا الخبر الخطير. وأتابع منذ ذلك اليوم تصريحات داوداوغلو النارية وخطابه في اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه فلا أراه يتطرق ولو بكلمة واحدة للحديث عن هذا الخبر. أما أردوغان فمنشغل بمشاركة الرأي العام حساباته السياسية بصفته رئيس جمهورية” مستقلا”.
كتبت مجلة ديرشبيجل الألمانية في شهر أغسطس / آب من العام الماضي أن المخابرات الألمانية (BND) تتنصت على المسؤولين الأتراك منذ خمس سنوات. فصرح داوداوغلو حينها قائلًا: “لو كانت هذه الادعاءات غير صحيحة فيجب اتخاذ الإجراءات اللازمة حيالها وتوضيح العبارات التي تناولتها وسائل الإعلام. وإن كانت هناك نسبة بسيطة من الصحة في هذه الادعاءات فينبغي تزويدنا بأكثر التوضيحات اتساقًا بشأن هذه المواضيع”. كما تلاحظون أنتم أيضا أن السيد داود أوغلو لم يستخدم كلمات من قبيل “الخونة” و”السفلة” و”عديمي الشرف” التي استخدمها في اتهام حركة الخدمة والإفتراء عليها بالتنصت.
رد الألمان على داوداوغلو الذي طلب توضيحًا بشأن هذا الأمر؛ إذ قالوا “نعم لقد تنصتنا على مسؤولين أتراك، لكن لم يكن لدينا أي دافع أيديولوجي”. وعندما سُئل أردوغان اكتفى بأن يقول “كل الدول العظمى تفعل ذلك” دون أن يحس حاجة لمهاجمة ألمانيا ببعض عباراته الرنانة التي كان يهاجم بها أتباع حركة الخدمة.
أعلن النائب البرلماني عن حزب الشعب الجمهوري المعارض أردال أكسونجير أن وكالة الأمن القومي الأمريكي (NSA) تتصنت على أردوغان منذ ثمانية أعوام ونصف العام، مشيرًا إلى أنه شاهد الوثائق التي تثبت ذلك. فلم يخرج علينا أي مسؤول بحزب العدالة والتنمية ليطرح ولو سؤالًا بسيطًا بشأن هذه الوثائق.
وهم يوجهون سؤالا إلى الولايات المتحدة بشأن تنصتها على أنقرة، فلا ينفي الأمريكان هذه المزاعم.
وقد رفض حزب العدالة والتنمية المقترح الذي طرح بالبرلمان بشأن التحقيق فيما يسمى بـ”الدولة الموازية”. ولا يزال الادعاء الذي طرحه داوداوغلو بقوله “جاءت تعليمات من ولاية بنسلفانيا الأمريكية” ينتظر أن يبرهن أحدهم على صحته. ولكن لنقل إن هذه الأمور ذات علاقة بحركة الخدمة، فمن يمكن أن يعترض على تشكيل لجنة برلمانية طارئة للكشف عن الجهة التي تنصتت على وزارة الخارجية والتي تعتبر مسألة أمن قومي؟ يجب على حزب العدالة والتنمية أن يرأس هذه اللجنة للتحقيق في العبارات التي استخدمها أردوغان وقال فيها “هذه الوضاعة والسفالة وانعدام الشرف” حتى تزول الشكوك التي تحوم حوله. وليتبين الذين خانوا الأمانة في الحقيقة. وإن كان هناك خائنون للأمانة قد ألصقوا إفتراءات بحركة الخدمة حتى يتستروا على جرائمهم فيجب محاسبتهم.