مصطفى أونال
كلف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس حزب العدالة والتنمية أحمد داوداوغلو بتشكيل الحكومة. ولكن داوداوغلو لم يبدأ مهمته فورا، لأنه كان بالأمس في البوسنة. واليوم العطلة الأسبوعية، فبداية تنفيذ المهمة ستكون يوم الاثنين. وإن تركيا بحاجة لتشكيل حكومة جديدة فورا. ويبدو أن القصر والحزب متأنيان جدا فقد مضى وقت أكثر من شهر على الانتخابات. ولم يُعقد أي لقاء رسمي بهذا الخصوص حتى الآن. كما أن عطلة عيد الفطر على الأبواب. وعادة ما تكون الجولة الأولى مرحلة جس نبض. وبالتالي فإن عملية الائتلاف وتشكيل الحكومة لن تتحقق بشكل جدي إلا بعد العيد. فما هو مقياس الائتلاف؟ وهل يمكن تشكيل حكومة جديدة؟ وأي الأحزاب ستشكل الحكومة الائتلافية. وإذا تقرر إجراء انتخابات مبكرة فما الذي سيتغير؟ ولا يطرح هذه التساؤلات الصحفيون فقط بل مختلف شرائح المجتمع أيضا يبحثون عن إجابات لها. وهناك من استعجل كثيرا، فالإعلام الموالي للقصر تحدث عن تشكيل الحكومة الإئتلافية بين العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، إلى درجة أنه وزع الوزارات بين الحزبين. وكل ذلك بقي حبرا على ورق بالطبع.
وكان رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي رد بشكل قاس وشديد اللهجة على هذه الأخبار. وقال: “هات بلال (نجل أردوغان ) وخذ الحكومة”. وأضاف: “على أردوغان أن يترك القصر الأبيض الجديد وليعد إلى قصر تشانكايا القديم”. وهذا الكلام لا يمكن للعدالة والتنمية أن يتغاضى عنه. فالائتلاف مع حزب الحركة القومية يعني إقصاء أردوغان.
فكل الأحزاب عبرت عن موقفها دون استثناء. وأصبحت أفكارها معروفة للجميع. كما أن الرأي العام قد حفظ عن ظهر قلب الخطوط الحمراء والوردية لكل حزب من الأحزاب.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو مدى مرونة الأحزاب بشأن الائتلاف؟ فلابد من مرونة الأطراف، وتراجعها عن مواقفها ولو بخطوة على الأقل حتى يكون هناك اتفاق. وهذا الكلام ينطبق على العدالة والتنمية أيضا.
الجدير بالذكر أنه ليس هناك أي حزب يتلهف للاقتراب من العدالة والتنمية، فكل الأحزاب في غاية الحذر والتحفظ. وهذا ما ليس له مثيل في السياسة العالمية فضلا عن السياسة التركية. فأي حزب يمتنع عن المشاركة في تشكيل الحكومة، ويدفع نعمة السلطة بطرف قدمه؟ فالأحزاب عادة ما تسعى للتمسك بذلك. فثمة سبب لرفض ذلك من قبل حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي.
السبب في تهرب الأحزاب من العدالة والتنمية وكأنه مصاب بداء الجذام هو أن الحزب له أوزار كثيرة لدرجة لا يرغب معها أحد في أن يتحملها أو يشارك في حملها. وأهم العوامل التي أدت إلى ذلك بالدرجة الأولى هي قضية الفساد الرشوة التي يحاول العدالة والتنمية التستر عليها، ونظام الدولة الذي شتته لتحقيق ذلك، وأخيرا السياسة الخارجية المنهارة. وبناء عليه فإن الشراكة مع العدالة والتنمية هي شراكة خطيرة. حيث إن هذه الشراكة إذا لم تتم إدارتها بشكل جيد قد تتحول إلى اشتراك في الجريمة.
وهذا يعني أن تشكيل الائتلاف مرهون بمرونة الأحزاب. وإلى أي مدى سينجح العدالة والتنمية في التخلص من وصاية القصر؟ إذ إن وضع القصر بحد ذاته فيه مشاكل. كما أن حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية لا يريدان تشكيل ائتلاف مع القصر بجانب العدالة والتنمية.
تشكيل ائتلاف ثلاثي يكون القصر فيه طرفا يبدو مستحيلا وإنما الإئتلاف الثنائي هو الممكن. فإن حزب العدالة والتنمية في حال تخلصه من وصاية القصر قد يصل إلى نتيجة ناجحة في مباحثاته مع الحزبين. وكنتُ قد تحدث أمس مع مسؤول من الشعب الجمهوري فقال لي: “يمكننا تشكيل حكومة ائتلافية مع داوداوغلو في حال تخلصه من وصاية القصر”. وأضاف: “وذلك سيكون مصحوبا بالمصاعب ولكنها قابلة للحل، فمن الممكن تشكيل حكومة بشراكة العدالة والتنمية مع حزب الشعب الجمهوري. إلا أن هذا الاحتمال أيضا يضعف مع مرور الوقت”.
والسبب معلوم. وهو عدم تخلي القصر عن الإمساك بزمام الأمور… فهو يعقّد السياسة بعقدة الانتخابات المبكرة. وذلك أحد الأسباب التي تجعله يماطل. وكما قال دنيز بايكال: “إن احتمال حدوث الانتخابات المبكرة أمرٌ وارد جدا”.
إن إدراك أن سياسة القصر تميل إلى الانتخابات المبكرة، لا يتطلب أن يكون الواحد صحفيا بأنقرة. فبإمكان كل من يتأمل الأمور أن يدرك أن داوداوغلو يتطلع للائتلاف. فإن نجحت الأحزاب في المرونة وتجاوز العدالة والتنمية عقبة القصر فقد يتم التوصل إلى نتيجة من مباحثات تشكيل الحكومة.. يتحرك داوداوغلو يتحرك في هذا المضمار لكن ليس بالقدر المطلوب.