مراد يتكين – صحيفة راديكال
لايزال حزب العدالة والتنمية يتولى إدارة البلاد بالرغم من مرور شهر على خسارته الموجعة في الانتخابات البرلمانية في يونيو/ حزيران الماضي وعجزه عن الحصول على أغلبية مطلقة تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده.
وذكرت وسائل الإعلام التركية أن حكومة رئيس الوزراء أحمد داوداوغلو، الذي تقدَّم باستقالته بعد إعلان نتائج الانتخابات العامة، قامت بإصدار 663 قرارا تعيين جديد في مناصب رفيعة، خلال الشهر التالي للانتخابات.
ويستمر رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان في الاجتماع بمجلس الوزراء في قصر رئاسته الجديد بمنطقة بيش تبه، وكأن شيئًا لم يكن، ويستمر كذلك في لقاءات ومباحثاته السياسية.ويحاول تأجيل تشكيل الحكومة الجديدة قدر الإمكان. الأمر الذي أثار انتقادات رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشداراوغلو بالأمس، وكذلك رئيس حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، صلاح الدين دميرتاش من قبله على هذا التأخير الذي لم يسبق له مثيل من قبل.
***
ولا يمكن أن نقول إن حزب العدالة والتنمية يشتكي أو يتضرر من الوضع القائم، فهو يستمر في حكمه الفعلي للبلاد. ولفهم ما يدور في كواليس حزب العدالة والتنمية يمكنكم العودة مرة أخرى إلى مشهد ظهور مسؤولي حزب العدالة والتنمية إلى شرفة مقر الحزب في ليلة 7 يونيو/ حزيران، وانظروا إلى تعابير وجوههم، ستجدون أنهم يقفون الآن، بثقة بالنفس أكثر مما كانوا عليه في تلك الليلة، وكأن شيئًا لم يكن.
فقد ساهمت انتخابات اختيار رئيس البرلمان، التي فاز فيها مرشح حزب العدالة والتنمية وزير الدفاع عصمت يلماز، في تضميد جراح الحزب. وأظهر رئيس البرلمان الجديد أنه مسيطر على البرلمان بفتحه لدقائق ثم تعليق جلساته بعدها.
***
وبالتأكيد علينا إعطاء كل ذي حق حقَّه، فالرئيس رجب طيب أردوغان قد تمكن من السيطرة على السياسة بخطوتين فقط.
كانت خطوته الأولى عندما التقى الرئيس السابق لحزب الشعب الجمهوري، المرشح عن الحزب لتولي رئاسة البرلمان دنيز بايكال. فقد كان ذلك اللقاء بمثابة تعميق للصدع بين حزب الحركة القومية والشعب الجمهوري، وليس في داخل الشعب الجمهوري فقط.
كان يؤمن أردوغان بضرورة أن يكون الشخص الذي سيتولى رئاسة البرلمان أحد الأسماء المنتمية للحزب والمخلصة له أيضًا، ولا يكفي أن يكون منتميا للحزب فقط، ويعتبر ذلك أمرًا عاديًا.
أما خطوته الثانية فهي إنه لم يتصرف مثل أسلافه من رؤساء الجمهورية، وقرر تأجيل منح تعليمات تشكيل الحكومة الجديدة بدلا عن منحها بعد تقديم رئيس الوزراء استقالته مباشرة.
تشير الادعاءات المتناثرة في كواليس أنقرة، إلى أن داوداوغلو، حتى وإن حصل على التكليف من أردوغان هذا الأسبوع، إلا أنه من الممكن أن يعطل مفاوضات تشكيل الحكومة الائتلافية، بسبب عطلة عيد الفطر ومن بعده اجتماع المجلس العسكري الأعلى (أي أنه من المتوقع في 1-4 أغسطس آب 2015، أو مدَّها إلى 3-5 من الشهر نفسه بسبب عطلة نهاية الأسبوع).
وكان الكاتب الصحفي في صحيفة “راديكال”، سيركان دميرتاش، محقًا في تحليله للمشهد السياسي، عندما قال إنه كلما طالت المدة في تشكيل الحكومة الجديدة كلما اختلفت المعارضة واشتبكت فيما بينها، وتزداد مخاوفها وتوجساتها، إلى أن يستسلموا أمام مشروع أردوغان واللجوء إلى اقتراح الانتخابات المبكرة.
لا يمكننا الجزم بكون المشهد السياسي لن يتغير عما هو عليه الآن، فبعد انتخابات مبكرة قد يؤثر أو يزعج أردوغان كثيرا.
إذ يدور في مخيلته أن بإمكانه تحويل الحكومة المؤقتة حتى الانتخابات إلى اختبار النظام شبه الرئاسي، وإيصال رسالة للشعب بأن إدارة البلد من خلال النظام الرئاسي أفضل من فشل تشكيل الأحزاب حكومة ائتلافية.
ويريد أردوغان أن يقف بين قادة العالم في قمة دول العشرين المقرر عقدها في 15-16 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل بمدينة أنطاليا التركية، حتى يخوض حزبه الانتخابات المقبلة في أجواء النصر، حتى يخرج منها بفوز يمكنه من تأسيس الحكومة بمفرده ولو لم يتمكن من إصدار القوانين بسبب عدم حصوله على 276 من المقاعد في البرلمان وإن لم يستطع بالتالي تغيير الدستور فإنه يحول نظام الحكم في البلاد إلى النظام شبه الرئاسي بالأمر الواقع،
لأنه في حالة تشكيل حكومة ائتلافية بأية أبعاد لها، لن تسمح لرئيس الجمهورية أردوغان بالتصرف على راحته، كما كان يفعل إبان حكومة حزب العدالة والتنمية المنفردة.
لوح كيليتشداراوغلو بخيار المصالحة في تصريحاته أمس. وأكد ضرورة تشكيل الحكومة في أسرع وقتٍ ممكن. فهل هذه التصريحات التي أدلى بها كيليتشداراوغلو تشير إلى أن خيار تشكيل حكومة ائتلافية بين حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري لا يزال مطروحًا على طاولة المفاوضات، بالرغرم من عدم رغبة أردوغان فيه كثيرا؟