ممتازر توركونه
لا يمكن لأحد الرد بالإيجاب على هذا السؤال. فالزعم بأن “تركيا إرهابية” لا يمكن تفسيره إلا بعداوة هذا البلد. وبما أنه لم يعد هناك داعٍ لقلق من وصاية عسكرية في بلدنا، فإن القول بأن “حزب العدالة والتنمية إسلامي” يعتبر مدحاً ولفتة مهمة للقائلين بذلك.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن أهم درس يمكن لنا أن نستخلصه هو العلاقة الفاسدة بين الإسلام السياسي والدولة. حيث إن الذين بنوا الإسلامية على أساس “احتكار الدين من قبل الدولة” لم يأتوا في نهاية المطاف إلا بدكتاتورية هشة الأسس. والذين دمّروا الإسلامية مع أدبياتها وأطروحاتها المتراكمة منذ العقود وسلموها للدولة أعلنوا حرباً على المجتمع المدني، لكن ليس باسم أنفسهم، وإنما باسم الدولة العميقة التي نعرفها عن كثب.[/box][/one_third]أنا وزميلي الكاتب الكبير علي بولاج متفقان على أن العدالة والتنمية ليس إسلامياً. فهذا الادعاء يشكّل مثالاً جيداً على مبدأ “التقية” الذي يمارسه أصحابه. فحين تقتضي مصالحكم تصبحون على وفاق مع الإسلاميين؛ أما حين يتحوّل الإسلام السياسي إلى عبء في أثناء سعيكم لتحقيق مزيد من القوة والجاه تحطّون هذه الأيديولوجية عن كاهلكم وتلجؤون للنظام الدستوري والقانوني السائد في البلاد! أجل، من الممكن لشعار “الإسلامية” الذي مثّل وشاحاً يستر النفاق على مدار سنين ماضية أن يحلّ كل مشكلات الشرعية لأصحاب السلطة، لكن ذلك سوف يعرّض “الإسلام السياسي” لتهمة ثقيلة وخطيرة. وانتقادات عالم اجتماع مرموق مثل أرجون يلدريم، وهو صاحب السؤال الوارد في عنوان المقال، في هذا الصدد، تكشف مدى جسامة الأمر، مع أنها تأتي في سياق سد الفجوة الموجودة بين مطامع السلطة وضرورياتها وفكرة الإسلامية.
يجب على الفكر أن يجد تربته وماءه وهواءه في مزيج مثالي حتى يمكنه التطور والاكتمال. والفكر السيئ يطرد الفكر الجيد. ومناقشة موضوعٍ في ظل المصالح السياسية والحسابات وصراعات الأنا لا يخدم الحقيقة، بل يخدم بعض الشخصيات، ويفتح الباب لشخصنة الأمور وتبادل الاتهامات. ويجب على الذين لا يعرفون الفرق بين الجدل والنقاش أن يدركوا معنى تعبير “الشخصنة” الذي كان القدماء يستخدمونه. فحين يتجاوز النقدُ الفكرةَ ليركّز على شخصية صاحب الفكرة يصبح حينئذ جدالاً، أي يتحول إلى شخصنة. وانشغال إعلام الحكومة في الآونة الأخيرة بالشخصيات فقط بدلاً عن الأفكار، وتحوُّل كل هذه السخافات إلى تملّق لأردوغان والتنافس على المركز الأول بين عشاقه، يكفي لتفسير ما نحن بصدده. فما هو الشيء الذي أنتج هذه الصورة المقيتة؟ أليس هو الاستبداد الذي لا يزالون مفعمين بأمل الوصول إليه؟ ومن هو المتسبب في ظهور هذا المستوى الوضيع للصراع الإعلامي؟ لا يتستَّرْ أحدٌ خلف فكرة الإسلامية، فإنها لم تستنزف بسبب هزيمتها في عالم الأفكار والحقائق، بل بسببِ تحويلها إلى “مكسرات” وأداة لمحاولات تطبيق الديكتاتورية في هذا البلد.
رشاوى الحكومة وامتيازات الدولة هي التي استنزفت الفكرة الإسلامية. ولم يرقَ أي وعد من الوعود الضرورية لهذه الفكرة أو الرؤية من عالم الأفكار إلى عالم الأفعال. لذلك لم يواجه النظام الدستوري العلماني في تركيا مشكلة تحت مسمى “الإسلامية” في غضون حكم العدالة والتنمية. فتركيا هي تركيا المعروفة، فلم تتحوّل ولم يحدث فيها شيئ جديد، بل ما حدث هو أن الدولة بادرت إلى سدّ نقصها في الشرعية عبر استهلاك “الإسلامية” بصورة مفرطة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]أولئك الذين انقادوا وراء سفسطة “الكيان الموازي” بسهولة سيدركون حتماً، لكن بعد خراب البصيرة، أنهم لا يقودون هذه الحرب ضد الإسلام المدني باسم الإسلام السياسي، بل يقودونها نيابة عن الدولة “القاهرة الكريمة”. ولذلك فإن الحرب التي أعلنها أردوغان على حركة الخدمة واستنفر من بعده حلفاءه وأنصاره للمشاركة فيها لم تكن موجّهة ضد المسلمين وحسب، بل كانت موجهة مباشرة ضد المجتمع المدني كله باسم الدولة عبر صاحبها الجديد.[/box][/one_third]ولاشكّ في أن هذه الآلية التي تغذّي الغوغائية والجدل حول الشخصيات ستنتهي إن عاجلا أم آجلا. وعندما تنتهي القوة الإعلامية المتغذّية على ريع وموارد الدولة فهل ستبقى هنالك أية قيمة للأسنان الحادة التي تجيد “عملية العضّ”. فإذا ما فقد “الفكر السيئ” قيمته المؤقتة فإنه سيُطرح جانباً وستعود الأمور إلى نصابها لا محالة عاجلاً كان أم آجلاً.
إن أهم درس يمكن لنا أن نستخلصه من ذلك هو العلاقة الفاسدة بين الإسلام السياسي والدولة. حيث إن الذين بنوا الإسلامية على أساس “احتكار الدين من قبل الدولة” لم يأتوا في نهاية المطاف إلا بدكتاتورية هشة الأسس. والذين دمّروا الإسلامية مع أدبياتها وأطروحاتها المتراكمة منذ العقود وسلموها للدولة أعلنوا حرباً على المجتمع المدني، لكن ليس باسم أنفسهم، وإنما باسم الدولة العميقة التي نعرفها عن كثب. وأولئك الذين انقادوا وراء سفسطة “الكيان الموازي” بسهولة سيدركون حتماً، لكن بعد خراب البصيرة، أنهم لا يقودون هذه الحرب ضد الإسلام المدني باسم الإسلام السياسي، بل يقودونها نيابة عن الدولة “القاهرة الكريمة”. ولذلك فإن الحرب التي أعلنها أردوغان على حركة الخدمة واستنفر من بعده حلفاءه وأنصاره للمشاركة فيها لم تكن موجّهة ضد المسلمين وحسب، بل كانت موجهة مباشرة ضد المجتمع المدني كله باسم الدولة عبر صاحبها الجديد.
مختصر الكلام: تركيا ليست إرهابية، بل هي بلدنا الحبيب؛ أما حزب العدالة والتنمية فليس حزبا إسلاميا، وإنما هو حزب شعبوي انحرف عن مساره بفضل زعيمه.