إسطنبول (زمان عربي) – وصل قطار شهر رمضان المبارك الي محطة العتق من النار أو محطة العشر الأواخر في شهر الله جل وعلا الذي أنزل فيه القرآن والذي قال عنه خاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم “رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار”.
ويعتبر الاعتكاف، الذي كان أحد العبادات التي حرص الرسول عليه الصلاة والسلام على أدائها خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، من أبرز معالم حلول العيد، الذي يدعو المؤمنين جميعًا لهذا المناخ الديني الجميل. لأن الجميع يمكنهم المشاركة في هذا العمل، كل حسب طاقته. ويروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم: إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا ليله وأيقظ أهله وشد مئـزره” وفي رواية أخرى “كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها”.
ويمكننا من خلال اتباع هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وخطاه في الاعتكاف السليم محاسبة أنفسنا، وتربيتها، والتقرب إلى الله عز وجل. بعقد النية وترك كل متاع الدنيا، والإعراض عن كل ملذات الحياة، والتضرع إلى الله بقلوب خاشعة.
الاعتكاف حالة انسجام بين العبد وخالقه!
يعتبر الاعتكاف، وأداء الصلاة، وقراءة القرآن الكريم، والاطلاع على تفسيره، والاستغفار المستمر، والتوبة، والتحميد، والتهليل، والتكبير، من مقومات الانسجام بين العبد وربه. فكما هو معتاد كل عام، تفتح المساجد أبوابها للرجال الراغبين في أداء الاعتكاف. أمَّا النساء فيمكنهن الاكتفاء بالجلوس في المنزل أو الاستمتاع بقضاء تلك العبادة في أي مكان يمكنهن الشعور فيه بروح المسجد.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على الاعتكاف في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، من كل عام، وكان يعتكف داخل مسجده في المدينة المنورة. فبما أن ليلة القدر يجب البحث عنها في الليالي الوترية في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، فمن المحتمل جدا أن يحظى بها المعتكفون في المساجد وهم على حال العبادة.
لكن في يومنا هذا قد يكون من الصعب على البعض الاعتكاف في المساجد طوال الثلث الأخير من الشهر المبارك، كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
لا يهم الكم قدر الكيف الذي يتم به أداء العبادات خلال الوقت الذي يقضيه الإنسان للتقرب من الله عزل وجل. ولذلك فإن من لا يستطيع الاعتكاف لمدة طويلة يمكنه عقد النية للاستفادة من نعمة هذه العبادة وتذوق حلاوتها ولو ليوم واحد أو حتى لساعة واحدة. لأن مفهوم الوقت بالنسبة لروح الإنسان، تختلف تمامًا عما هو بالنسبة للجسد البشري، إذ أنه ليس محصورا ومحدودا بـ 24 ساعة. إذ أن الروح قد تستفيد من عبادة ساعة وكأنها تقضي وقتا طويلا في طاعة الله عز وجل وكأن الوقت ينبسط بفضل ما يمنحه جل وعلا من لطائف ربانية.
عقد النية أولا هو من شروط الاعتكاف!
هناك آداب وضوابط تحكم عملية الاعتكاف بين المسلمين. ومن أبرز شروطها أن يتم عقد النية أولًا، لأن الهدف منه أداء عبادة من العبادات. وإن عقد النية جهرًا بالقول له أهميته، مع أن النية سرا تكفي أيضا. وفي هذه الفترة لا يجوز للمعتكف أن يتكلم بكلام سوى قول الحق وما فيه خير.
ومن الأفضل ارتداء رداء حسن واستخدام عطر أو طيب زكي خلال فترة الاعتكاف. كما يفضل قضاء الوقت داخل المسجد بالانشغال بقراءة القرآن، والاطلاع على تفسير القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وكذلك الاطلاع على سير الأنبياء والرسل، وبتعلّم المسائل الدينية، والإكثار من الصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير.
من أجل أن يعتكف الجميع…
يمكننا عقد النية لله، والاعتكاف ولو لساعة واحدة بعد صلاة الفجر أو العشاء. نحرص خلالها أداء الصلاة في خشوع تام، دون هرولة أو استعجال، وبعدها نشرع في الذكر والتسبيح، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والدعاء لله متوسلين بأسماء الحسنى.
كما يمكننا قضاء وقتنا المحدود هذا بأداء النوافل مثل صلاة التهجد، والإشراق، والحاجة، والضحى، والأوابين حسب الوقت، والإكثار من الدعاء والإستغفار والتوبة إلى الله.
كما يستحسن الانشغال بالقرآن الكريم وتفسيره وتدبر معانيه. كما يمكن الاستفادة من الوقت بمحاسبة أنفسنا إن كنا نمضي حياتنا وفق ما خلقنا الله من أجلها أم لا، ونعقد العزم والثبات على طاعة الله ونبتعد عما نهانا عنه. كذلك يمكن لنا أن نسعى لتربية نفسنا الأمارة بالسوء من خلال ذكر الموت أو كما يسمى “رابطة الموت”. فإن ذكر الموت يهدم اللذات ويساعد الإنسان على التخلص من الرياء وبلوغ مرتبة الإخلاص.
الاعتكاف ليوم واحد
ولمن استطاع يمكنه عقد النية والاعتكاف ولو ليوم واحد. ولكن يفضل أن يكون يومًا في أحد الليالي الفردية بين الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، فقد يصادف أن تكون ليلة القدر التي قال عنها الله عزَّ وجل: “ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر…”.
اعتكاف رسول الله صلى الله عليه وسلم…
يروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم: إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا ليله وأيقظ أهله وشد مئـزره” وفي رواية أخرى ” كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها”.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي الأيام العشرة الأخيرة من رمضان، معتكفًا في مسجده، منذ أن شرع الله فريضة الصيام على المؤمنين في السنة الثانية للهجرة. وكان يمكث في خيمة داخل مسجده، يخلو فيها عن الناس، ويقبل على ربه تبارك وتعالى.
ونقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يهجر النوم ليلًا إلا قليلًا، ويقضي وقته في ذكر الله عزَّ وجلَّ وقراءة القرآن ويشغل وقته بالعبادات.