محمد كاميش
لفت محرر الشؤون الخارجية بصحيفة” زمان” مصطفى أديب يلماز انتباهي قبل يومين إلى خبر أعترف بأنه أدمى قلبي. فبحسب ذلك الخبر، الذي نشرته وكالة رويترز للأنباء، سمحت السلطات في العاصمة الفرنسية باريس بتشييد ناطحة سحاب جديدة بالمدينة بعد 42 عامًا من الحظر. نعم، صدر للمرة الأولى بعد أكثر من أربعة عقود تصريح لبناء ناطحة سحاب في أشهر العواصم [one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]أظنّ أن الفرنسيين عاجزون عن التفكير في تحقيق ثروات طائلة من خلال المناقصات وكسب أموال كثيرة بطرق سهلة وخلال فترة وجيزة! بيد أنهم لو اقتدوْا بالمسؤولين الأتراك في ذلك لاستطاعوا أن يصيروا أغنياء دون الحاجة إلى إنتاج أي شيء حقيقي على أرض الواقع خلال فترة قصيرة عبر المخططات العمرانية وعمليات التلاعب المستمرة.[/box][/one_third]العالمية التي يعيش بها ملايين البشر؛ إذ افتتحت آخر ناطحة سحاب بالمدينة عام 1973. وقد تراجعت البلدية الاشتراكية عن الاعتراض على هذا القرار الذي اتخذه مجلس بلدية المدينة في مقابل أن المبنى سيضم وحدات لرعاية الأطفال ومركزًا ثقافيًا.
أظنّ أن الفرنسيين عاجزون عن التفكير في تحقيق ثروات طائلة من خلال المناقصات وكسب أموال كثيرة بطرق سهلة وخلال فترة وجيزة! بيد أنهم لو اقتدوْا بالمسؤولين الأتراك في ذلك لاستطاعوا أن يصيروا أغنياء دون الحاجة إلى إنتاج أي شيء حقيقي على أرض الواقع خلال فترة قصيرة عبر المخططات العمرانية وعمليات التلاعب المستمرة. ولا أدري لماذا لا يفضِّل الفرنسيون هذه الطريقة، فربما ينظرون إلى استغلال السياسة كأداة لتحقيق الثراء الشخصي على أنه رذيلة كبيرة، ولعلهم يشعرون بالخجل من إفساد القيم الثقافية التي تراكمت بالمدينة على مدار مئات السنين من خلال مبانٍ جديدة عديمة الهوية. وربما يكون الإسهام في حفظ الحضارة أهم بالنسبة لهم من كسب المال. باختصار، إنه لأمر ملفت للنظر أن تتناول وكالة أنباء دولية كرويترز خبر تشييد ناطحة سحاب في باريس. ذلك أن تلك المدينة لا تشهد تغييرا في التخطيط العمراني باستمرار لتحقيق منافع اقتصادية كبيرة للغاية للأقارب والموالين للحكومة. حتى الحكام المستبدون لا يستطيعون اللعب بهوية المدن التاريخية، كما لا يجري تحويل الأراضي الزراعية ومساحات الألعاب والمساحات الخضراء إلى وحدات سكنية بمنتهى السهولة.
لقد تحوَّلت تركيا إلى دولة تعتبر تحقيق الثراء دون إنتاج أو تعب هو مبدأها في الحياة، فعملية السرقة تلك تتم من خلال المخططات العمرانية، وكأن الأراضي ومنافعها هي الأسلحة المستخدمة في عملية السطو هذه.
أخشى أن تأسر هذه الأخلاق الشعب التركي أكثر فأكثر بمرور الأيام، فثمة مساعٍ تبذلها الحكومة نفسها للقضاء على كل من يصنع وينتج ويولد القيم.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لقد تحوَّلت تركيا إلى دولة تعتبر تحقيق الثراء دون إنتاج أو تعب هو مبدأها في الحياة، فعملية السرقة تلك تتم من خلال المخططات العمرانية، وكأن الأراضي ومنافعها هي الأسلحة المستخدمة في عملية السطو هذه.[/box][/one_third]يعتقد البعض أن هذه السياسات تحقق الثراء على المدى القصير، غير أنه من الواضح أنها ستتسبب على المدى البعيد في إفلاس تركيا كما حدث في جارتها اليونان. ولأن العقل الفرنسي الأعلى لم يسمح بكسب المال السهل من خلال قطاع المقاولات، بإمكاننا أن نرى العلامات التجارية والشركات والمنتجات الصناعية الفرنسية الشهيرة التي خرجت إلى النور بكدّ وجهد. بيد أنهم كان بإمكانهم تشييد المشروعات الإنشائية على كل شبر من باريس التي تجذب انتباه الجميع حول العالم ليكسبوا أموالًا طائلة خلال فترة قصيرة من خلال مبيعات هذه المباني. لكننا نرى أن مدنًا كبرى كلندن وروما وبروكسل ترجح الطريق نفسه من أجل إنتاج القيم وليس الطريقة السهلة والرخيصة لكسب المال.
أما تركيا، التي يحكمها حزب العدالة والتنمية، فتواصل السير في طريقها نحو عدم إنتاج أية قيمة. وعلى عكس الشعارات الرمزية فإنهم يقتلون بوحشية كل القيم التي أنتجها العثمانيون، ويصبون الخرسانة دون تردد فوق الحضارة التي بناها أجدادهم. فإذا قادتكم أرجلكم في جولة عفوية بشبه الجزيرة التاريخية في إسطنبول ستجدونهم يشيدون المباني في كل مكان بها.
أشعر بالشغف الحقيقي لأعرف من أي عصر نهب جاءتنا هذه العقلية التي تريد دائمًا تشييد المباني.