من ليوك بيكر
غزى 2 يوليو تموز (رويترز) – مع مغيب الشمس على غزة، لا يمكن
العثور على مائدة في شرفة فندق الروتس التي تطل على الميناء وأمواج
البحر المتوسط التي تتلاطم برفق.
فقد تجمَّعت حشود من الناس للإفطار بعد صيام يوم في رمضان.
والجو السائد مشحون بالانفعالات، شباب من الرجال والنساء يلتقطون
صورا على هواتفهم الذكية ويدخنون التبغ بنكهة التفاح في النرجيلة
ويشاهدون فرقة راقصة وهم يتناولون طعام الإفطار.
وشتان بين هذا الوضع والموت والدمار الذي حل بغزة قبل عام
حينما شنت إسرائيل هجوما بريا وجويا لوضع نهاية للهجمات الصاروخية
التي لا تنقطع من مقاتلي حركة حماس في غزة. وأودت الحرب التي
استمرت من يوليو تموز إلى أغسطس اب بحياة أكثر من 2100 فلسطيني
معظمهم مدنيون و73 إسرائيليا.
والمشهد في شرفة الفندق ليس علامة على مدى تعافي غزة منذ ذلك
الحين، ولكن على العكس تماما – فلم يعد بناء منزل واحد مما يقدر
بنحو 100 ألف منزل دمرت أو لحقت بها أضرارا في الحرب – ولكنه علامة
على المرونة في مواجهة الأحداث التي يتمتع بها الكثيرون من أبناء
غزة.
إنه تعبير عن التناقضات الصارخة التي ينطوي عليها القطاع،
فخارج فندق الروتس تصطف سيارات فارهة في صفين أو ثلاثة صفوف. وعلى
مبعدة بضعة كيلومترات في حي الشجاعية ترقد أحياء كاملة في الخراب
والدمار وتعاني الأسر شظف العيش في ملاجئ مؤقتة وسط ما خلفته الحرب
من الحطام.
وإذا كان المشهد الأول صورة لما كانت تطمح إليه غزة فإن المشهد
الأخير أقرب إلى ما آلت إليه الكثير من أجزاء القطاع.
ومنذ نهاية الحرب، خضع دخول مواد البناء الى القطاع لقيود
مشددة مع إصرار إسرائيل على فرض رقابة صارمة على كل واردات الاسمنت
والحديد وغيرها من المواد التي يمكن أن تستخدمها حركة حماس في
إعادة بناء الأنفاق السرية التي كانت تُستخدم في مهاجمة إسرائيل.
والشهر الماضي وصف صندوق النقد الدولي اقتصاد غزة بأنه على
حافة الانهيار إذ تقترب نسبة البطالة من 45 في المائة وانخفض
إجمالي الناتج المحلي 15 في المائة في عام 2014 وقطاع الصناعات
التحويلية الذي كان ذات يوم قطاعا قويا بات يحتضر.
وبين سكان غزة البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة -والذين يزيد عددهم
خمسين ألفا كل عام- يعتمد قرابة الثلثين على المعونات بشكل أو
بآخر. إنها أقدم عملية إغاثة تقوم بها الأمم المتحدة فقد اُنشئت في
عام 1949.
ويترك رئيس تلك العمليات روبرت تيرنر منصبه الشهر القادم بعد
أن قضى ثلاثة أعوام في غزة. ومنذ الحرب كان منتقدا لاذعا للعقبات
التي تحول دون إعادة التعمير لكن قبيل رحيله حاول إشاعة لمسة
تفاؤل.
وقال “أرفض أن استسلم للتشاؤم. غزة مكان تجلت فيه مرارا
وتكرارا الروح الإنسانية التي لا تنكسر أو تنهزم.”
وفي نظر كثير من أبناء غزة هذا جزء من المشكلة.
لقد أصبحوا قادرين على التكيف ومجابهة الصعاب بإيجاد سبيل
للتعامل مع انقطاع الكهرباء 16 ساعة يوميا وتهريب كل شيء من
الحيوانات الحية إلى السيارات في الأنفاق.
ومع الجلوس في شرفة فندق الروتس حيث يتحادث الشباب من الرجال
والنساء الذين لا يلبس الكثير منهم أزياء إسلامية ويدخنون معا يسهل
نسيان أن غزة تحكمها حركة المقاومة الإسلامية حماس منذ عام 2007.
في الليل بعد الإفطار يجوب مقاتلون ملثمون من حماس يحمل الكثير
منهم أسلحة شوارع غزة في عرض شبه عسكري ويحثون الناس على الانضمام
إلى الحركة.
وبدلا من التضييق على الحريات التي تظهر في فندق الروتس وغيرها
من الفنادق على الشاطئ ينصرف الشاغل الأول لحماس إلى الاحتفاظ
بالسلطة والمساعدة في تقديم شيء لمن يكافحون لكسب ما يكفي لدفع
غائلة الجوع وسد رمقهم.
وفي الأسابيع الأخيرة بدا أنها حققت بعض التقدم. فبعد أكثر من
عام من بقاء معظم الحدود مع غزة مغلقة فتحت مصر في الأيام الأخيرة
معبر رفح لتيسير انتقال الناس والبضائع في الاتجاهين.
وتتردد شائعات عن عرض حماس هدنة طويلة الأمد على إسرائيل وهو
ما سيطلق العنان لتدفق السلع والناس عبر الحدود المغلقة. في
الأسابيع الأخيرة كان زهاء ألفين من أبناء غزة يعبرون الحدود يوميا
وهي زيادة ملحوظة بعد أن كان العدد لا يكاد يذكر في الأشهر
الأخيرة.
وأتمت دولة قطر الداعم المالي الرئيسي لحركة حماس بناء طريق
جديد على امتداد الشاطئ ولديها مشروعات أخرى مزمعة. ولكن المخاطر
لا تنقطع.
فقد بدأت جماعات سلفية تدعي أن لها صلات بتنظيم الدولة
الإسلامية التهييج في غزة وإطلاق صواريخ بين الحين والآخر على
إسرائيل وتنفيذ هجمات. وهددت تلك الجماعات بالإطاحة بحماس وحركة
فتح المنافسة. وإلى جانب أنها خطر على السلطة الفلسطينية، فإنها
مبعث قلق عميق لمصر وإسرائيل.
ومع أن حركة حماس قد تغض الطرف عن الحريات الصغيرة التي تتكشف
في فندق الروتس وأماكن أخرى في شهر رمضان، فإن تنظيم الدولة
الإسلامية والمتعاطفين معه من غير المحتمل أن يهادنوا أو يتهاونوا.
(إعداد محمد عبد العال للنشرة العربية – تحرير مصطفى صالح)