(زمان عربي)- خاص: تواجه اليونان في الأيام الأخيرة خطر الإبعاد من الاتحاد الأوروبي لأنها باتت على شفا الإفلاس.
وأوضحت الاستطلاعات التي أجرتها بعض الصحف اليونانية أن غالبية الشعب يعتبرون الخروج من الاتحاد الأوروبي كارثة. فدول الاتحاد الأوروبي، ولا سيما ألمانيا، لا تتراجع ولو خطوة واحدة عن تنفيذ سياسة التقشف. وأفاد البعض بأن الاستثمارات الموجهة للرفاهية بأموال الديون من أجل التشبه ببقية الدول الأوروبية قد يكون له تأثير بالغ في الوصول إلى هذا الوضع.
وإذا ما ألقينا نظرة عامة على المؤشرات الاقتصادية لليونان لأدركنا مدى جسامة الوضع. فمعدل البطالة 25.8%. والديون العامة في نهاية 2014 بلغت 485 مليار دولار أي ما يعادل نسبة 170% من الناتج القومي الإجمالي.
وإن دولة اليونان التي شهدت تراجعا اقتصاديا بنسبة تفوق 25% اقتصاديا منذ عام 2009 بدأت بالعد التنازلي لدخول مرحلة الإفلاس. والخيارات التي تبنتها اليونان هي التي تكمن خلف ما تعيشه حاليا. حيث استغنت وتخلت عن الصناعة والزراعة وفضلت تحقيق أرباح عالية من قطاع السياحة والخدمات، وبذلك سلكت طريقا لا عودة منه.
حكومة اليونان تلاعبت بالإحصاءات للحصول على مزيد من المساعدات
اليونان عضو في الاتحاد الأوروبي منذ ما يزيد على 30 عاما وهي مطالبة منذ وقت طويل بتطبيق سياسة معينة كي تكون نتائج إحصائياتها متقاربة مع معايير الاتحاد الأوروبي. وقد أكدت مؤسسة الإحصائيات الأوروبية الرسمية يوروستات أن اليونان كانت تتلاعب بالاحصائيات منذ 1997. ولذلك فقد كلف وزراء المالية لجنة الاتحاد الأوروبي بمساعدة اليونان في استعادة الثقة في إحصائياتها.
ولاحظت اللجنة أن اليونان أظهرت بعض أراضيها الجرداء على أنها أراض زراعية للحصول على المزيد من المعونات المالية من الاتحاد الأوروبي.
ويتوقع أن مبلغ الدعم غير المستحق الذي حصلت عليه اليونان هو 340 مليار يورو بعدما تلاعبت بالموازنة والاحصائيات.
وكانت الحكومة اليونانية أنفقت على تجميل العاصمة أثينا مبلغ 14 مليار يورو بعد انضمامها للاتحاد الأوروبي كما حصلت على 2.5 مليار يورو من أجل إنشاء شبكة المترو والأنفاق قبيل الأولمبياد عام 2004. ونظرا لذلك كله لا يريد الاتحاد تحمل كل هذه الأعباء أكثر من ذلك.
ولا يمكن الحيلولة دون إفلاس اليونان ما لم تكن هناك إصلاحات بنيوية في المجالين الاقتصادي والسياسي، فدول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها ألمانيا لا تتراجع ولو خطوة واحدة عن تنفيذ سياسة التقشف.
كان كل مواطن يوناني يفكر في كيفية الاستفادة الشخصية من الاتحاد الأوروبي
طلب صحفي تركي من زميله اليوناني أن يتحدث له عن الفساد والرشوة وظاهرة البذخ في بلاده. وكان الصحفي اليوناني يتهم السياسيين بالاختلاس وأكل أموال الدولة.
فالمشكلة الأساسية لليونان هي أن كل شريحة تريد أن تأكل أكثر من احتياجاتها. فالأغنياء يظهرون دخلهم بأقل مما هو عليه ويتهربون من الضرائب. والمواطنون لايدفعون المال للخدمات العامة كوسائل النقل. والفلاح يحصل على دعم من الاتحاد الأوروبي على أنه يعمل في زراعة الزيتون لكنه يخادع الاتحاد بصور أشجار زيتون بلاستيكية بدلا عن غرس أشجار حقيقة.
وإن 5 آلاف من المواطنين أظهروا أن دخلهم يفوق 145 ألف دولار مع أن تعداد سكان يونان هو 11 مليون نسمة. ويُطلق على هذه الإجراءات غير القانونية التي يُهدف من خلالها تحقيق المكاسب غير شرعية اسم “فاكيلاكي” fakelaki باليونانية بمعنى المظاريف الصغيرة التي تستخدم لتداول لرشاوي. وهذا يؤدي إلى تحقيق كل فرد مكسبا بمقدار 3 آلاف يورو سنويا.
ويرى كل مواطن يوناني متوسط الحال أن من حقه الحصول على 16 مرتبا في السنة على أن يكون 4 منها حوافز وأن يحصل على التقاعد في سن الخمسين على أن يتقاضى راتبا تقاعديا لا يقل عن المرتب الأخير الذي حصل عليها أثناء عمله. ولذلك فهي لا تريد اتباع سياسة التقشف التي يطالب بها الاتحاد الأوروبي.
“لا يستشار الشعب في كيفية سداد الديون”
قرر رئيس الوزراء أليكسيس تشيبراس استفتاء الشعب على اتباع سياسة التقشف. في حين أوضح الاتحاد الأوروبي أن هذا لا علاقة له بالاستفتاء بل هو ضروري من أجل الوفاء بسداد الديون. وهناك مخاوف من طرد اليونان من الاتحاد الأوروبي وستبقى البنوك مغلقة حتى 7 يوليو/ تموز الجاري ولا يحق للمواطن أن يسحب من ماكينات الصرف الآلي أكثر من 60 يورو يوميا. وبدأ الكل لا يعمل إلا بالدفع النقدي المقدم. كما أن محطات الوقود اكتظت بالذين يريدون شراء البنزين تحسبا لأزمة محتملة.
بعض الأمور المعتاد عليها والتي أدت إلى الإفلاس خطوة خطوة
اليونان انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في 1981. وتأجل إجراء الإصلاحات سنوات طويلة وفكر موالاة الدولة السائد في المجتمع والإسراف والفساد والتهرب من الضرائب، والأزمة الاقتصادية العالمية التي حدثت في 2008، والميل إلى الترف من بين العناوين الرئيسية التي تلخص دواعي المآسي التي تعصف باليونان منذ 6 سنوات.
وتفيد الإحصائيات الأوروبية بأن عدد المتقاعدين في اليونان بلغ 2.6 مليون من أصل 11 مليون مواطن وأن متوسط الراتب التقاعدي 882 يورو (713 يورو الراتب الأساسي و169 يورو حوافز).
ويحصل موظفو الدولة على 16 راتبا ويتقاعدون في بعض مجالات العمل بعد الـ65 من العمر. فالحلاقون والمدلكون والمذيعون وغيرهم من أرباب 600 نوع من الحرف يتقاعدون في سن مبكرة ويحصلون على 95% من آخر راتب أثناء العمل كراتب تقاعدي.
والحد الأدني للأجور للعاملين دون سن 25 هو 511 يورو ولمن يكبر هذا السن 586 يورو بعد أن كان 751 يورو للكل قبل الأزمة.
وقد كان الهدف حسب ميزانية 2015 ،التي وافقت عليها حكومة ساماراس، هو معدل نمو يُقدر بـ2.9 % ونسبة 3% الزيادة من غير الفوائد، وتحقيق عائدات خصخصة بنحو 2.5 مليار يورو.
لكن هذه الأرقام تغيرت لعدم الاستقرار. فنسبة الزيادة من غير الفوائد المتوقعة هي 1 بالمائة والنمو سيفوق 0% بقليل خلال العام الجاري.
ومن المزمع أن تنخفض نسبة البطالة إلى 22.4% في نهاية العام حسب الميزانية التي جاءت متوازنة للمرة الأولى في فترة الأزمة علما بأنها الآن 27%.
لا يحبون دفع أجرة حتى للمواصلات العامة
إن دفع تعريفة المواصلات العامة في الدول الأوروبية مبنية على أساس الثقة ولكن في اليونان لا يدفع أجرة النقل في مترو الأنفاق باستثناء القلة القليلة من المواطنين البارين. ومع أن تكلفة مترو الأنفاق تفوق مليار دولار في السنة، لكنه لا يسجل من الدخل سنويا إلا 127 مليون دولار فقط.
ويعتبر اليونانيون دفع الضرائب نوعا من الحماقة، ولا يكاد أحد يعلن عن دخله الحقيقي تهربا من دفع الضرائب.
وثمة أكثر من 60 ألف شخص غير مسجلين من ضمن الأغنياء، لكنهم يملكون فيلات تفوق قيمتها 1.6 مليون دولار. وهم يبنون الفيلات بحيث لا تُرى أحواض السباحة وذلك لسبب سخيف وهو إخفاؤها عن وزارة المالية تهربا من دفع الضرائب.
ما الذي سيحدث بعد الإفلاس؟
باتت اليونان تواجه خطر الإفلاس بعد تحديد رؤوس الأموال وإغلاق البنوك منذ يومين. وهي مدينة لصندوق النقد الدولي بـ 1.6 مليار دولار وهي غير قادرة على سداد الديون.
وأفادت مصادر بأن البنك المركزي الأوروبي سيتدخل ويعتبر اليونان شبه مفلسة. وستضعف البنوك اليونانية تباعا في هذه المرحلة. كما أنها ستقدم ضمانات للبنك المركزي الأوروبي مما يزيد من الأضرار التي لحقت بها.
وانتهى برنامج الدعم الاقتصادي لليونان أمس. ولن يكون من الممكن إيجاد ممول لأثينا حسب القانون. وسيُلغى سداد الأقساط المقدرة بـ7.2 مليار يورو. ويحق لحكومة تشيبراس التماس برنامج دعم جديد من أوروبا خلال يوم أو يومين.
ولن تكون هناك إمكانية لتحقيق الطلبات التي تقضي بسحب المواطن مبلغ 60 يورو يوميا حتى إن وزارة المالية أعلنت أنها ستحدد رواتب المتقاعدين التي يجب دفعها يوم الخميس (اليوم) بـ120 يورو فقط.
ويرى خبراء الاقتصاد اليونانيون أن البنوك لن تعود إلى عملها الطبيعي ما لم تحقق نتائج حقيقية لها ولأصحاب الودائع. والحسابات في خطر.
وتنذر المباحثات والأحداث التي جرت منذ إعلان الاستفتاء حتى الآن بانهيار الاقتصاد اليوناني بكل معنى الكلمة. كل ذلك حدث خلال 3 أيام فقط ولا مفر من تطورات جديدة حتى يحين موعد الاستفتاء يوم الأحد المقبل.