من أوهران جوشكون وجولسن سولاكر
أنقرة أول يوليو تموز (رويترز) – خلال سنوات عمله على الساحة
السياسية اشتهر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بهجومه على تقاليد
النخبة العلماني التي يبغضها كثير من أنصاره المحافظين دينيا. وفي
غمار المعركة السياسية اتهم معارضيه العلمانيين بالتحالف مع
إرهابيين.
لكن حزب العدالة والتنمية ذا الجذور الإسلامية الذي أسسه
إردوغان يتحرك الآن صوب تشكيل ائتلاف لم يكن متصورا يوما مع حزب
الشعب الجمهوري المعارض الذي أسسه في العشرينات مصطفى كمال أتاتورك
“أبو” تركيا الحديثة ليكون حاميا لنظام الدولة العلماني.
وبعد أن خسر حزب العدالة والتنمية غالبيته في انتخابات السابع
من يونيو حزيران من المرجح أن يكون أي ائتلاف بينه وبين حزب الشعب
الجمهوري ائتلافا هشا كثير الخلافات لكنه كما يقول المحللون سيساعد
على إشاعة الطمأنينة بين المستثمرين الأجانب وإنعاش مساعي تسوية
تمرد كردي في جنوب شرق البلاد كلف تركيا الكثير.
وأما شركاء تركيا في حلف شمال الأطلسي الذين يحرصون على
الاستقرار على حدود سوريا والعراق فسيرحبون أيضا بأي ائتلاف يمكن
أن يوفر ولو قدرا يسيرا من الاستقرار.
وقد يحد هذا الائتلاف كذلك من بعض ميول إردوغان المتشددة بعد
أن أبدى نزعة عدائية إزاء منتقديه والمتظاهرين و”من يحتسون الخمر
على ضفاف البوسفور”.
لكن خليل كراويلي مدير تحرير نشرة (ذا تركي أناليست) يرى أن
التحالف مع حزب الشعب الجمهوري يمكن تصويره على أنه دليل آخر على
قدرة العدالة والتنمية على إحداث تحول في تركيا الحديثة وذلك من
خلال الإطاحة بالعلمانيين والآن بعد مرور أكثر من عشر سنوات مد غصن
زيتون إليهم.
وأضاف “لا يريد حزب العدالة والتنمية أن يبدو كحزب يميني. بل
يريد أن ينظر إليه على أنه الحزب القادر على إصلاح تركيا.”
فالجيش العلماني يخضع لضغوط نتيجة الأوضاع السياسية والإصلاحات
الاجتماعية والاقتصادية التي جرى تطبيقها. وإردوغان الذي تعرض هو
نفسه للسجن في التسعينات لتلاوته قصيدة مليئة بالإشارات الدينية
قدم نفسه على أنه حامي حمى المسلمين المحافظين الذين طالما عانوا
قمع الحكام العلمانيين.
وبدا حزب الشعب الجمهوري نفسه في صورة مغايرة بعد حكم دام 13
عاما لحزب العدالة والتنمية.. فكف عن استخدام بعض العبارات
العلمانية سعيا لاستعادة ود الأتراك المحافظين الذين أداروا له
ظهورهم مقبلين على إردوغان.
لكن لدى تشكيل ائتلاف.. سيرفض حزب الشعب الجمهوري دعم خطط
إردوغان لرئاسة نافذة كان يتصورها حين تنحى عن رئاسة الوزراء العام
الماضي. كما أن الحزب سينتهج مسارا حذرا فيما يتعلق بسوريا في وقت
يتدبر فيه إردوغان أمر التدخل المسلح على الحدود.
* انتخابات مبكرة
يقول مسؤولون في العدالة والتنمية بصورة غير رسمية إن إردوغان
ربما يرى أن الانتخابات المبكرة هي أفضل سبيل يتيح للحزب استعادة
أغلبيته وإجراء تعديلات دستورية تمنحه رئاسة تنفيذية.
لكن ذلك الخيار لا يبدو مرجحا بعد أن أظهر استطلاع الأسبوع
الماضي أن الناخبين سيعزفون عن تغيير رأيهم. ورغم أن تشكيل ائتلاف
مع حزب الحركة القومية اليميني منطقي من الناحية العقائدية يقول
مسؤولون بحزب العدالة والتنمية إن قيادات الحزب تميل للتحالف مع
حزب الشعب الجمهوري الذي يتبع يسار الوسط.
وقال مسؤول في العدالة والتنمية “قاعدة ناخبي حزب العدالة
والتنمية تريد حزب الحركة القومية شريكا في ائتلاف لكن القيادة
العليا .. الإدارة .. تفضل حزب الشعب الجمهوري. زعماء حزبنا يرون
أن الائتلاف مع الشعب الجمهوري سبيل أكثر تعقلا لحل مشاكل تركيا.”
فتشكيل ائتلاف مع حزب الشعب الجمهوري قد يساعد على إعادة بدء
المحادثات الرامية لإتمام عملية السلام مع الأكراد وهي المحادثات
التي يعارضها القوميون منذ فترة طويلة.
ومصير أكراد تركيا البالغ عددهم 14 مليون نسمة واحد من أهم
القضايا السياسية الشائكة. وأقدم إردوغان في عام 2012 على مخاطرة
كبرى حين فتح باب المحادثات لإنهاء تمرد للأكراد بدأ منذ ثلاثة
عقود لاقتناص حكم ذاتي أكبر وخلف 40 ألف قتيل.
ورغم تعثر المحادثات واتهام الأكراد لإردوغان بالتراجع.. فإنه
يرى بلا شك أن عملية السلام مهمة أساسية.
إلا أن إردوغان حذر من أن تركيا لن تتهاون أمام إنشاء دولة
كردية شبه مستقلة على حدودها الجنوبية ونشرت صحف تقارير عن قيامه
ببحث إقامة منطقة عازلة على الحدود حيث يتنافس فصيل كردي ومقاتلون
إسلاميون على السيطرة على المنطقة.
وحذر كمال كيليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري يوم
الثلاثاء من العمل العسكري مستخدما عبارات يصعب أن تقود لمحادثات
ائتلاف ناجحة وقال إن الحرب ليست لعبة.
وكتب على تويتر يقول “السياسي الحاذق يدرك أن إذكاء الفوضى
والحرب سيجلب كارثة لا نجاحا.”
وقال في كلمات من الواضح أنها موجهة إلى إردوغان “هذا البلد
ليس ألعوبة لتحقيق طموحك.”
* أسواق المال
تأمل أسواق المال في ائتلاف ذي قاعدة عريضة وارتفعت الليرة
الأسبوع الماضي لمستويات ما قبل الانتخابات مقابل الدولار للمرة
الأولى.
ويراهن المستثمرون على أن قرار حزب العدالة والتنمية ترشيح
وزير دفاعه الذي لا تسلط وسائل الإعلام الضوء عليه كثيرا كرئيس
للبرلمان قد يكون علامة على استعداد الحزب للتنازل عن المنصب
للمعارضة مقابل إبرام صفقة ائتلاف.
وأعلن الحزب يوم الجمعة ترشيحه لوزير الدفاع عصمت يلمظ لرئاسة
البرلمان ليواجه المعارض المخضرم مرشح حزب الشعب الجمهوري دنيز
بايكال الرئيس السابق للحزب وأقدم نائب في البرلمان.
وبدأ التصويت على الاختيار للمنصب يوم الثلاثاء ومن المقرر أن
يدخل في جولة ثالثة ورابعة اليوم الأربعاء لعدم تمكن أي من
المرشحين من الحصول على ثلثي الأصوات.
وترددت تكهنات بأن حزب العدالة والتنمية قد يساند بايكال اليوم
الأربعاء. وقال مسؤول رفيع في حزب الشعب الجمهوري إنه إذا حدث ذلك
فسوف تكون إشارة مهمة إلى تشكيل ائتلاف محتمل مع الشعب الجمهوري.
غير ان رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو عبر عن عدم ارتياحه لتلك
الفكرة وقال يوم الثلاثاء إن حزب العدالة والتنمية سيساند مرشحه في
كل جولات التصويت.
(إعداد أمل أبو السعود للنشرة العربية – تحرير محمد عبد العال)