من يارا بيومي
القاهرة أول يوليو تموز (رويترز) – بعد مضي عام على إمساكه
بشؤون الحكم ربما تكون الهالة التي أحاطت بالرئيس المصري عبد
الفتاح السيسي آخذة في الانحسار في وقت يتابع فيه الرأي العام
أداءه بمزيد من التمحيص بينما يضيق ذرعا بنفس المشاكل الاجتماعية
التي أطلقت شرارة الانتفاضة الشعبية عام 2011.
مما لا شك فيه أن السيسي ما زال يسيطر بحزم على مقاليد الأمور
في وقت تشن فيه أجهزة الأمن حملة على المعارضة وتقف بجانبه دول
غربية وخليجية تضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد المصري سنويا
دعما لحليف استراتيجي.
لكن مع تزايد الإحباط في الشارع بات الرجل الذي لم يكن ليخطئ
في أعين كثير من المصريين يتوخى قدرا أكبر من الحذر في نهج الحكم
وهو ما يظهر من خلال إعادة تقويم بعض السياسات.
يشكو صاحب عربة خشبية يبيع عليها أطعمة في سوق مزدحمة بمدينة
الإسكندرية “مش عارف اشتغل. مش عارف أأكل عيالي. أنا تعبت من البلد
دي كلها.”
يقول البائع الذي يبلغ من العمر 35 عاما إن حكام مصر بعيدون عن
الواقع لا يدركون ثقل متطلبات الحياة اليومية ولا يمشون في الأسواق
ليلمسوا الحقائق بأنفسهم.
كان السيسي قد عزل حين كان قائدا للجيش عام 2013 الرئيس محمد
مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين بعد احتجاجات حاشدة على حكمه
وبسرعة نال حظوة لدى كثير من المصريين الذين يتوقون للاستقرار بعد
سنوات الاضطراب التي أعقبت سقوط الرئيس الأسبق حسني مبارك في 2011.
والسؤال الكبير الذي لا يزال ينتظر إجابة هو هل سيفي السيسي
بوعوده بتوفير فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة لكل المصريين.
نظريا نجح السيسي على الصعيد الاقتصادي بالفعل فيما فشل فيه
زعماء مصريون سابقون. فقد نال إشادة المستثمرين الأجانب على سبيل
المثال لتطبيق إصلاحات مثل خفض الدعم على الوقود والسلع الغذائية
ومعالجة البيروقراطية.
وأقدم السيسي بخفض الدعم على التعامل مع قضايا تجنبها مبارك
خشية إغضاب الشعب الذي ظل يعتمد لسنوات طوال على دعم أسعار الوقود
والغذاء. كما تقرر زيادة بعض الضرائب.
ولم تثر تلك الخطوات احتجاجات حاشدة كتلك التي أسقطت رئيسين
مصريين في ثلاث سنوات. لكن علامات الاستياء تتزايد.
إضافة إلى ذلك يقول بعض المحللين إن برنامج الحكومة الاقتصادي
ربما لا يوفر مزيدا من العدالة الاجتماعية لشعب يقترب عدد سكانه من
90 مليون نسمة كثيرون منهم يعيشون في فقر.
فأسعار السلع الغذائية عالية بالنسبة لكثيرين كما أن البطالة
مرتفعة. والرعاية الصحية صعبة المنال في بلد به معدل كبير من
الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي. كما أن السياحة التي تمثل أحد
المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية تئن.
وبدأ المصريون الذين تهافتوا على البنوك قبل نحو عام لسحب
مدخراتهم وإيداعها في حساب خصص لشق قناة السويس الجديدة -أحد
مشروعات السيسي الكبرى- يتساءلون إن كانوا سيرون مردود ذلك.
* لا حلول
تبدو بعض الأرقام البارزة في عناوين الصحف واعدة. فمن المتوقع
أن ينمو الاقتصاد بمعدل خمسة في المئة في السنة المالية 2015 /
2016 وهو نفس المعدل تقريبا للسنة المالية 2009 / 2010 عندما كان
مبارك في الحكم. وهناك انخفاض طفيف في معدل البطالة الذي لا يزال
عند 12.8 في المئة. كما أن نظرة وكالات التصنيف الائتماني لمصر
باتت إيجابية بصورة عامة.
وتبرم شركات أجنبية عقودا مع مصر. وفي مارس آذار أضفت شركة
بي.بي اللمسات الأخيرة على اتفاق مع مصر في مجال الطاقة قيمته 12
مليار دولار ووقعت شركة سيمنس الألمانية اتفاقا مع مصر في قطاع
الطاقة أيضا قيمته تسعة مليارات دولار أثناء زيارة السيسي لألمانيا
في الآونة الأخيرة.
لكن التضخم لا يزال عاليا.. فقد زاد مؤشر أسعار المستهلكين في
مناطق الحضر إلى 13.1 في المئة في مايو أيار من 8.2 في المئة قبل
عام.
ويتساءل المصريون إن كان سيصيبهم من حظ الأموال المتدفقة على
الاقتصاد جانب.
قال عمرو عدلي الخبير غير المقيم في مركز كارنيجي للشرق الأوسط
إن هناك مشكلة مهمة تتمثل في أن أغلب العاملين في البلاد يعملون في
وظائف منخفضة الأجر محدودة المهارات ضعيفة الإنتاجية وهو ما يعني
“أنهم لا يسهمون في صنع النمو ولا يستمتعون بمردوده.”
وأضاف “يحدث في العادة استياء متزايد عندما ينمو الاقتصاد.
يحدث هذا عندما يلاحظ الناس أنه لا توجد عدالة في التوزيع.”
وتسبب خفض الدعم على أسعار الوقود في زيادتها بنسبة 78 في
المئة في يوليو تموز الماضي. وزادت الضرائب على السجائر والخمور
أيضا.
وقال عدلي “قد يتسبب هذا -مثلما تتسبب الإصلاحات الليبرالية
الجديدة الأخرى- في تعميق اتجاه الفقر أكثر مما كان في عهد مبارك.”
ولم تحقق السياحة بعد ذروة الإيرادات التي سجلتها عام 2010
عندما حققت 12.5 مليار دولار. وقال خالد رامي وزير السياحة إنه
يهدف للوصول بعائدات السياحة إلى 26 مليار دولار بحلول 2020 لكن
هجوما وقع في الآونة الأخيرة في معبد الكرنك بمدينة الأقصر أضر
بالأجواء في قطاع كان يستوعب يوما الكثير من العمالة المصرية.
يتحسر يوسف القامولي (68 عاما) الذي يملك متجرا سياحيا على
أوقات كان الأجانب يتهافتون فيها على روائع الآثار المصرية القديمة
ويقول “هي فين السياحة دلوقتي؟ أنا قفلت بازاري عشان مفيش سياح
بييجوا.”
ويضيف “السنة اللي فاتت كانت السياحة أفضل من دلوقتي. الوضع كل
سنة بيزداد سوء عن السنة اللي سبقته. من ثورة 25 يناير واحنا في
أزمة كبيرة … مسيبناش باب مسؤول إلا وطرقناه ولكن بدون فايدة.
ومش عارفين إمتي الوضع هيتحسن.”
ومع استمرار تراجع الحركة السياحية اضطر القامولي لبيع قطعة
أرض ورثها عن والده حتي يستطيع تسديد الديون التي تراكمت عليه.
ويقول مؤيدو السيسي إنه ليس من المنطقي أن ينتظر الناس عصا
سحرية يحل بها مشاكل اقتصاد خربته هيمنة الدولة والفساد على مدى
عقود.
قال عمرو عبد الله (31 عاما) ويعمل محاسبا في بنك بالقاهرة
“أداء الحكومة مش بنسبة 100 في المئة ولكن أقدر أقول بنسبة 70 أو
80 في المئة. أنا شايف أن أداء الحكومة كويس وأنا متفائل جدا.”
* تخفيف التوتر
يبدو السيسي متجها للتصالح على بعض الجبهات.
فقد أرجأت مصر إلى أجل غير مسمى تطبيق نظام توزيع البنزين
المدعم بالبطاقات الذكية بعد أن كان مقررا تطبيق النظام قبل أيام
من حلول شهر رمضان.
وفي الشهر الماضي أصدر السيسي عفوا عن 165 سجينا منهم كثيرون
أدينوا بانتهاك قانون التظاهر الذي يلقى انتقادات منظمات حقوقية.
هي خطوة صغيرة لكنها لم تكن متصورة في بداية حملة على
المعارضين أعقبت ظهور السيسي على التلفزيون الرسمي ليعلن عزل مرسي.
وقال أيمن الصياد وهو كاتب عمود بارز ومستشار سابق لمرسي “هناك
محاولات لتخفيف التوتر والاحتقان. لكن السؤال الأهم هو إلى أي مدى
هذه المحاولات كافية؟”
وأضاف الصياد الذي استقال من منصبه احتجاجا على سياسات مرسي
“الخطوات في الجانب الآخر.. جانب تخفيف المعاناة المعيشية بالتأكيد
لها تأثير. الخطوات التي اتخذت في الملف المعيشي هل سيكون لها أثر
على المدى الطويل؟”
ونفى المتحدث باسم الحكومة حسام قاويش أن تكون إجراءات
استثنائية اتخذت وقال إن ما تم من برامج تستهدف محدودي الدخل كان
محددا سلفا وإن الحكومة تعمل عليها سواء في الموازنة السابقة أو
الموازنة القادمة. وأشار إلى زيادة مخصصات برامج الحماية
الاجتماعية في الميزانية الجديدة.
ويتضمن مشروع الموازنة للسنة المالية 2015 / 2016 زيادة نسبتها
12 في المئة في الإنفاق على البرامج الاجتماعية بمخصصات بلغت 431
مليار جنيه أو ما يقرب من نصف إجمالي الإنفاق العام.
وتبلغ نسبة العجز المتوقع 9.9 في المئة.
وكتب زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء السابق في مقال بصحيفة
الشروق بعد إعلان مشروع الميزانية “هذا الهدف الطموح يمكن أن تكون
له آثار اجتماعية وخيمة على الطبقات الفقيرة إذا لم تحسن الحكومة
اختيار أوجه الوفر في الإنفاق.”
وأضاف أن الفكرة “ليست مجرد زيادة الإنفاق الاجتماعي بل التوسع
في الدعم الذي يستند إلى استهداف الفقراء وإلا كانت النتيجة المزيد
من نزيف الموارد وتكريس الفجوة الاجتماعية.”
ومثله مثل كثير من المصريين لا يولي عبد العزيز شرباص (47
عاما) وهو مدرس للغة العربية اهتماما كبيرا للتمويلات الحكومية أو
إشادة المستثمرين الأجانب بها.
قال “مستحيل أن يتغير أي شئ لأن النظام هو هو. الناس اللي
بيحكموا مصر أصحاب مصالح.”
وأضاف “كفاية احتكار للسلطة. كفاية صفقات خلف الأبواب
المغلقة.”
(شارك في التغطية محمود رضا مراد وعلي عبد العاطي وتلفزيون رويترز
– إعداد محمد عبد اللاه للنشرة العربية – تحرير أمل أبو السعود)