محمد كاميش
تمر الحياة السياسية في تركيا، لا سيما حزب العدالة والتنمية الحاكم، بمنعطف خطير، فإما سيخلِّص الحزبُ نفسه من الفساد وانتهاك القانون وحُكم “الرجل الأوحد” ويعود مجددًا إلى سابق عهده كحزب يرعى المبادئ والقيم، وإما سيصرّ على مواصلة أخطائه لتسحقه عجلات التاريخ.
لاشك في أن القرار الذي سيتخذه الحزب خلال هذه المرحلة الحساسة سيؤثر بشكل كبير كذلك في السياسة التركية. غير أن هناك أوساطًا مؤثرة تشعر بالقلق من أن يراجع الحزب نفسه ويحاسب كوادره على أخطائها. وأعتقد أن هذه الأوساط لن تسمح للحزب بالإقدام على خطوة كهذه.
يصرّ أولئك الذين ارتبطت أسماؤهم بملف الفساد والرشوة الذي كُشف عنه يومي 17 و25 ديسمبر / كانون الأول 2013 على مواصلة علاقتهم بالحزب، ويبذلون جهودًا كبيرة لكي يتستر الحزب على فسادهم، ويحاولون أن يوهموا الناس بأن هذه الانتقادات موجهة للحزب برمته لا لأفراد بعينهم. فهم يرغبون في أن تتلطخ أيدي كل من وفد حديثًا إلى الحزب ولم يرتكب أي جرم بهذه القذارة.
إن أبرز الأدلة الملموسة على المحاولات هي تكليف نعمان كورتولموش، الذي ينتظَر أن يتولى مهامَّ مؤثرة داخل الحزب خلال المرحلة الجديدة، بمنح جائزة لرجل الأعمال ذي الأصل الإيراني رضا ضراب الذي يعتبر أشهر الأسماء المرتبطة بملف الفساد. فكورتولموش شخصية لم ترتكب أي جرم، وإن كان قد تعرض لانتقادات سياسية، ولم يقترن اسمه ببعض الملفات المشبوهة أو ملفات الفساد التي اقترنت أسماء مسؤولي الحزب بها.
يقول من يتدخلون في شؤون الحزب بشكل غير رسمي: “إذا توليتَ منصبًا داخل الحزب فلا بد أن تدعم قضايانا ويكون همُّنا همَّك أيضاً!”
لا يبدو الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي لم يرفع يد سطوته عن الحزب حتى بعد انتخابه رئيسًا للجمهورية، عازمًا على التراجع عما يفعله في مواجهة الانتقادات التي توجَّه إليه بشأن الرفاهية التي يعيش فيها، كما أنه يُشرِك أصحاب المناصب التي يجب أن تكون في مكانة معينة لدى المجتمع في أسلوب الحياة التي يعيشها. وأبرز الأمثلة على ذلك رئيس الشؤون الدينية، فهذه المؤسسة التي يجب أن تكون مكانًا لرعاية أفكار مثل التواضع والتفاني وعدم الاهتمام بمتاع الدنيا وحطامها أصبحت اليوم مركزًا للنقاشات بشأن الفخامة والرفاهية. وعندما شعر رئيس الشؤون الدينية محمد جورماز بالضيق بسبب هذه النقاشات، أعاد السيارة المرسيديس “المليونية”، الأمر الذي أغضب أردوغان فأرسل إليه سيارة مرسيدس أخرى فارهة مصفحة. فلم يسمح أردوغان بتخلي جورماز عن سيارته الرسمية الفارهة حتى لا يكون عرضة بمفرده للنقد بسبب الحياة المرفهة. وعليه صار جورماز حائرًا بين ما يأمر به الدين وما تأمر به السياسة وأيهما ينفذ.
يحاول أردوغان أن يُشرِك كل من يستطيع أن يؤثر فيه أو يصدر أوامره له داخل كل قضية يتلقى بسببها انتقادات كثيرة. لكن المجتمع أنذر حزب العدالة والتنمية بشكل جاد في الانتخابات التشريعية الأخيرة بشأن أخطاء هذا النوع من السياسات. وينتظر الشعب في الوقت الحالي بشغف كبير هل سيهتم مسؤولو الحزب بهذا الإنذار ويتعلمون من أخطائهم أم أنهم سيدهسون جميع المبادئ من أجل ضمان أمن بعض الشخصيات وسيرجحون خيار الدفاع عن الأخطاء التي يرتكبونها؟
ولهذا أعتقد أنه من المفيد أن نتناول بجدية الانزعاج الذي شعر به نعمان كورتولموش جراء التقاط صورة مشتركة له مع رضا ضراب.
جريدة زمان 24/6/2015