بقلم: علي بولاج
قال “عمر لكاسيز” في مقالته بتاريخ 17تموز/يوليو: “يرى علي بولاتش في هذه المرحلة في منتهى الوضوح أنه لن يبقى أي حكم من أحكامه أو أحكام غيره من المنظِّرين… فهو عدو لأردوغان… وفي النتيجة فإن مصير الإسلامية في تركيا مرتبط إلى حد كبير بمصير أردوغان”.
إنني ما رأيت هذا الكلام لائقًا بـ(لكاسيز). فهو كلام غير صحيح، بل إنه ليس تحليلاً وليس فكرة. فالاتهام الشخصي من أجل تفسير حادثة عملاقة لا يمكنه إلا أن يبعدنا عن الحقيقة. فربط مصير الإسلامية في تركيا بمصير أردوغان إلى حد كبير خطأ فادح. فالإسلامية تنهل إلهامها من الإسلام. فعندما تُوفي الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) قال أبو بكر (رضي الله عنه) حين رأى ردّة فعل عمر (رضي الله عنه) حين سمع خبر وفاة النبي عليه السلام عبارته التاريخية: “من كان يعبد محمدًا فمحمد قد مات ومن كان يعبد الله فالله حي لا يموت”. فالإسلام حي وكذلك الإسلامية على قيد الحياة. وحسن البنا مات ولكن الإخوان أحياء.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]جماعة الإخوان المسلمون على الرغم من كل أخطائها فإنها حزب إسلامي وحركة سياسية إسلامية وهي تعلن ذلك صراحة، وسياستها منحصرة ضمن إطار الإسلام. أمّا حزب العدالة والتنمية فليس حزبًا إسلاميًا وليس ممثلاً للسياسة الإسلامية. فهو يبرز هوية الديمقراطية المحافظة ولكنه خليط بين الليبرالية والديمقراطية الاجتماعية وحتى القومية.[/box][/one_third]والفقيه المجدد العلامة الأستاذ سعيد النورسي مات ولكن الحركة النورية حية. فربْط الإسلامية بأردوغان خطأ. لنتحقق من ذلك:
هل حزب العدالة والتنمية حزب إسلامي؟ لا، لأنه:
أ- عندما تأسس الحزب قالوا إنه ليس لديهم مرجعية دينية، وأعلنوا مرارًا وتكرارًا أمام الرأي العام في صراحة أنهم ليسوا إسلاميين.
ب- هويتهم السياسية (ديمقراطية محافظة)، وإن برنامجهم من سنة 2002 إلى الآن ليس إسلاميًا من حيث سياستهم الاجتماعية والاقتصادية، وتطلعاتهم الثقافية والمدنية، وفهمهم للدين، وطريقة تطبيق الدين في الحياة العامة، وسياساتهم الإقليمية والدولية.
فمثلاً جماعة الإخوان المسلمون على الرغم من كل أخطائها فإنها حزب إسلامي وحركة سياسية إسلامية وهي تعلن ذلك صراحة، وسياستها منحصرة ضمن إطار الإسلام. أمّا حزب العدالة والتنمية فليس حزبًا إسلاميًا وليس ممثلاً للسياسة الإسلامية. فهو يبرز هوية الديمقراطية المحافظة ولكنه خليط بين الليبرالية والديمقراطية الاجتماعية وحتى القومية.
مع ذلك أنا لا أكن العداء لأردوغان ولا لحزبه. ولكن لدي انتقادات. ومهما قال لي أحد الذين ترك الحياة الأكاديمية وانخرط في السياسة “جهّز حقيبتك” (يني شفق، 2آب/أغسطس2014) فإني أنأى بنفسي عن العداء الشخصي. هذا وإن حقيبتي جاهزة لكوني عشت أحداث 12 أيلول/سبتمبر و28 شباط/فبراير في أدق تفاصيلها. وإني أفتخر بذلك وأعده كفارة لذنوبي.
فقد قال ابن تيمية: “بم تهدِّدوننا؟ فإن أودعتمونا السجنَ تعلمنا الدروس كيوسفَ (عليه السلام)، وإن نفوتمونا هاجرنا كما هاجر الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، وإن قتلتمونا كنّا شهداء. ففي كل الأحوال نحن الفائزون ولله الحمد”.
وبالعودة إلى أسئلة لكاسيز.. فإن انتقاداتي للحزب الحاكم بسبب رؤاه السياسية، وهويته، وتصرفاته؛ تقوم على ما يلي:
1- هي تتعلق بالمنهج والطريقة وليس بالأصول.
2- أنتقده مذ جاء إلى السلطة لا منذ بضعة أشهر كغيرنا من الأحزاب والجماعات.
3- وعلى الرغم من الانتقادات إلا أني أصطفُّ إلى جانبه إذا لزم الأمر، وذلك في الحالات التالية:
أ) حين تظهر أمورٌ آملُ منها أن تكون دعمًا للعودة إلى الأساس.
ب) عندما يوسع دائرة الحريات التي تشمل الجميع، ويشق طريقًا نحو دولة حقوقية.
ج) حين أرادوا حلّ الحزب ساندته، وحتى هذا اليوم يمكنني أن أقف إلى جانبه. وحين يكون هناك تهجمًا على أردوغان بشكل غير قانوني أو تدخل عسكري فإني أقف إلى جانبه.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]الذين يقولون إنهم ليسوا إسلاميين، وليست لديهم مرجعية دينية يجب عليهم أن يتَّفقوا على صيغة معيَّنة، فما دمتم كذلك فلِمَ ولجتم هذا المجال وسلكتم هذا الطريق؟ أليس النضال الإسلامي والموروث الإسلامي المتمثلَّين في جهود ملايين المؤمنين ومعاناتهم هو ما أتى بكم إلى السلطة؟ فأنتم تستغلُّون موروث الأسلاف بثقة مطلقة، وفي نفس الوقت تنكرون هذا الموروث.[/box][/one_third]فمن جاء عبر صناديق الاقتراع عليه أن يرحل عبر صناديق الاقتراع أيضًا. فالجرم السياسي عقوبته تكون من خلال الصندوق، والجرم القضائي عقوبته الحكم العادل.
ولكوني إسلاميًا عندما أعارض حركةً أعارضها من حيث المنهج والطريقة، وبالتالي فإن انتقاداتي لها أيضًا تكون منصبة على المنهج والطريقة المتبعة. وهذه الانتقادات تختلف تمامًا عن انتقادات اليساريين والاشتراكيين أو القوميين أو الليبراليين. ولا أقدم انتقاداتي باسم جماعة أو حركة سياسية ما.
فهمِّي هو الإسلام والعالم الإسلامي والإسلامية. فالتيار الإسلامي هو أعرق وأقدم التيارات في هذه المنطقة، ومنسوب إلى هذه المنطقة. وهي ليست غربية ولو تأثرت بالغرب. ولقد ضحَّى من أجلها ملايين المؤمنين وملايين المؤمنات. والذين يقولون إنهم ليسوا إسلاميين، وليست لديهم مرجعية دينية يجب عليهم أن يتَّفقوا على صيغة معيَّنة، فما دمتم كذلك فلِمَ ولجتم هذا المجال وسلكتم هذا الطريق؟ أليس النضال الإسلامي والموروث الإسلامي المتمثلَّين في جهود ملايين المؤمنين ومعاناتهم هو ما أتى بكم إلى السلطة؟ فأنتم تستغلُّون موروث الأسلاف بثقة مطلقة، وفي نفس الوقت تنكرون هذا الموروث.
والمثير في الأمر هو أن المعارضين لذلك لا يقتنعون به، بل ينسبون كل تلك الأخطاء إلى الإسلام. أي أن الثناء يعود على الديمقراطيين الإسلاميين، والاتهام يوجَّه إلى الإسلاميين. وهذا ما يؤسفني كثيرًا، ويزعجني.