بقلم: يوسف كلش
بذلت تركيا جهودا حثيثة منذ سنوات طويلة لنيل العضوية في الاتحاد الأوروبي. وأقدمت على بعض الأعمال لتنجح في ذلك.
وكانت الشروط الاقتصادية والقضائية لدى الاتحاد الأوروبي هي الأكثر صعوبة في هذه المرحلة. وكان الهدف الأول لكل الأحزاب والمسؤولين الذين كانوا يصلون إلى السلطة منذ سنوات طويلة هو الوصول إلى معايير الاتحاد الأوروبي لنيل العضوية فيه.
وكان حزب العدالة والتنمية قد حول وجود الأزمة الاقتصادية إلى فرصة كما استفاد من الميل السائد حينها لدى الرأي العام تجاه الانضمام للاتحاد الأوروبي للوصول إلى السلطة. ولا ننكر أنه قطع خطوات جادة في هذا الاتجاه في سنواته الأولى. وبينما كنا نتوقع أن تتحسن الظروف في تركيا وأن نعيش الرفاهية وتسود الديمقراطية وتتحسن سيادة القانون والديمقراطية شهدنا فجأة أن السلطة السياسية غيرت وجهتها نحو الديكتاتورية والأنظمة الملكية.
انتهجت الحكومة سياسة العنف والضغط وأنهت مبدأ الفصل بين السلطات في الدولة وابتعدت عن العدالة والحقوق وعملت على استقطاب الجماهير. وأصبحت تركيا دولة تُحكم بقرارات اعتباطية وبطريقة لا نرى مثيلا لها حتى في الدول الملكية. وأصبحت السلطة السياسية تنتهج سياسات غير قانونية تحت غطاء القانون.
وقد تحدثت سابقا حول البيان الجمركي الذي أصدرته الحكومة في المرحلة الانتخابية التي كانت الأسواق بحاجة ماسة إلى العملة الأجنبية ليقضي بالسماح بإدخال العملات الأجنبية إلى تركيا وكتبت مقالا أوضحت فيه أن ذلك البيان سيحول البلد إلى مركز للأموال السوداء.
وفي شهر أبريل/ نيسان الماضي نشِر في الصحيفة الرسمية نص القرار الذي صدر عن مجلس الوزراء ليقضي برفع الحظر في هذه المرة عن إخراج العملات والمجوهرات خارج تركيا. وهناك من يرى أن هذا القرار صدر من أجل الأغنياء الجدد من رجال الأعمال الموالين للحكومة ولا سيما المتورطين في أعمال الفساد ليتمكنوا من الحفاظ على الأموال التي حصلوا عليها بطرق غير قانونية.
فقد طرأت تغييرات على القانون 32 المتعلق بحماية العملة التركية كما نُشر في الجريدة الرسمية في 11 يونيو/ حزيران الجاري. وبهذه التغييرات تم رفع الحظر عن إخراج الأموال بالليرة التركية خارج البلاد وفق العقود المبرمة للدفع بالعملة التركية. وتم السماح بذلك في العقود التي تطالب بالسداد بالعملة التركية.
وفي السابق كان يُسمح للمسافرين بإخراج 5 آلاف دولار فقط وكان يتم إرسال ما يزيد على هذا المبلغ عن طريق البنوك. ولم يكن هناك ما يسمح للمسافرين بحمل مبالغ كبيرة من العملة التركية. ولكن التعديلات التي صدرت مؤخرا تسمح للمسافرين باصطحاب 25 ألف ليرة و10 آلاف يورو.
وقد فرضت وزارة الاقتصاد إجراءات معينة على المبالغ التي تفوق الكمية المذكورة. ولن تكون هناك محاسبة على الأموال وما بقيمتها من المجوهرات المنقولة إلى الأسواق الحرة. ومن المعلوم أن الأسواق الحرة معفاة من الضرائب المفروضة في تركيا كما أن الدول الأخرى لا يحق لها التدخل فيها لأنها موجودة في حدود الجمهورية التركية.
وأعلنت الوزارة أنها قامت بذلك من أجل إصدار إحصائيات استثمارية مباشرة ولتكون إسطنبول مركزا للتمويل. وإن كان ذلك سيجلب الأموال إلى تركيا فإنه يسمح بالعكس أيضا حيث سيؤدي إلى نقل الأموال إلى أماكن مثل دولة قطر وإمارة دبي فرارا من الضرائب.
ولا يمكن إدخال هذه الأموال إلى الدول الأوروبية والغربية. ومن خلال هذه التعديلات سيكون من المستحيل فرض الرقابة على تحركات هذه الأموال.
وفي الحقيقة لم يفاجئني صدور هذه القرارات التي تبطل دور البنوك وتفرغها من رؤوس أموالها في بلد مثل” تركيا الجديدة” التي تحاول الحكومة فيها أن تستولي على مصرف (بنك آسيا) الذي أسسه المواطنون بمدخراتهم الخاصة وتنسحب البنوك العالمية منها واحدا تلو الآخر.