اسطنبول/أنقرة 19 يونيو حزيران (رويترز) – حين كان يحلق
بطائرته الهليكوبتر فوق ساحة مزدحمة أزيح عنها السياج لتمكين آلاف
من مؤيديه من الدخول.. بدا رجب طيب إردوغان في قمة نفوذه قبل
انتخابه رئيسا لتركيا في أغسطس آب الماضي.
اقتنص إردوغان 52 في المئة من الأصوات ليصبح أول رئيس دولة
منتخب انتخابا شعبيا مباشرا في تركيا بعد أن شغل رئاسة الوزراء لما
يقرب من 12 عاما وليضطلع بدور شرفي إلى حد كبير كان يعتزم تحويله
إلى منصب تنفيذي قوي.
لكن بعد مرور عشرة أشهر فقط.. يقف حزب العدالة والتنمية الذي
كان يأمل أن يصدق على تلك الخطة عاجزا عن تشكيل حكومة بمفرده بعد
أن خسر أغلبيته البرلمانية لأسباب يرجعها البعض إلى طموح إردوغان
الزائد.
ويبدو أن تعجل إردوغان في محاولة إقامة نظام رئاسي والاستحواذ
على سلطات أوسع إضافة إلى تعويله على دائرة مستشارين أضيق كان من
الحسابات الخاطئة التي ألحقت ضررا بشخصية سياسية متألقة.
ويقول منتقدوه إنه أخل بالتزامه بان يسمو فوق السياسة الحزبية
عندما قاد حملة صريحة لدعم حزب العدالة والتنمية. ومع هيمنته
الطاغية على القنوات والإذاعات قبل التصويت والتي زادت خلال إحدى
المراحل عن 44 ساعة من البث التلفزيوني المباشر في أسبوع واحد تحول
الأمر إلى استفتاء على شخصه ورؤيته لرئاسة نافذة. وتحدث كثيرون عن
عدم تريثه.
ومع كل هذا الجهد لم ينل حزب العدالة والتنمية سوى 40.9 في
المئة.
وقال مسؤول كبير عمل مع إردوغان لأكثر من عشر سنوات ولا يزال
قريبا من الحزب إنه “تعجل جدا.”
وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه “نعم.. أصبح رئيسا بعد
حصوله على 52 في المئة من الأصوات لكن من الواضح الآن أنه اتخذ هذا
القرار قبل الأوان … تعجل في ترك منصب رئيس الوزراء.”
فخلال أول فترتين من عمله رئيسا للوزراء نال إردوغان إشادة من
الداخل والخارج لإصلاحاته السياسية والاقتصادية إذ أعلى الكلمة
المدنية على كلمة الجيش وسعى لتكامل أكبر مع الاتحاد الأوروبي
وشهدت سنوات حكمه زيادة حادة في الدخول.
لكنه مني بسلسلة انتكاسات في السنوات الأخيرة منها احتجاجات
مناهضة للحكومة في صيف 2013 وفضيحة فساد تكشفت بعد ذلك بستة أشهر
مما أذكى لديه شعورا مرضيا بالاضطهاد. ويلمس البعض أيضا غطرسة في
ملاحقته المنتقدين بتهمة “إهانة الرئيس” في التغريدات أو المقالات
أو الاحتجاجات.
أما إردوغان فيرى أنه يبني تركيا جديدة ويدافع عنها أمام نخبة
علمانية متشددة قديمة يقول إنها عاملت المتدينين المحافظين لعقود
على أنهم رعايا من الدرجة الثانية وسجنته لفترة قصيرة عام 1999.
أما بطله السياسي فهو رئيس الوزراء السابق عدنان مندريس وهو إصلاحي
لم يكن يقبل المعارضة وأطيح به في انقلاب عام 1960 وأعدم شنقا.
ومع اختلافه مع الغرب على قضايا تبدأ من سوريا وإسرائيل وتنتهي
بما إن كان قتل القوات العثمانية للأرمن قبل قرن من الزمان “إبادة
جماعية”.. بدا إردوغان معزولا على الساحة العالمية.
وفي الوقت نفسه ضعفت الليرة وخسرت اسطنبول محاولة استضافة دورة
الألعاب الأولمبية عام 2020 وعزا إردوغان ما واجهه من أحداث سلبية
لمؤامرة مدعومة من الخارج وألقى -حسبما يقول مسؤولون في أنقرة-
بثقته في دائرة ضيقة من المساعدين.
وقال مسؤول كبير ثان “من الواضح أن المشكلة الأساسية هنا هي
دائرة المستشارين المقربة.”
وأضاف “إردوغان بات وحيدا .. لكن دعني أقول إن الوحدة اختيار.”
* الدائرة المقربة
شكل إردوغان (61 عاما) حزب العدالة والتنمية عام 2001 كتحالف
يضم متدينين محافظين وعناصر قومية وأخرى من يمين الوسط. وأنهت
الحركة عصرا من الحكومات الائتلافية الهشة وفاز بنصيب متزايد من
الأصوات في ثلاثة انتخابات عامة متعاقبة.
وكان الرئيس السابق عبد الله جول ونائب رئيس الوزراء بولنت
أرينتش اللذان شاركاه تأسيس حزب العدالة والتنمية من أذرعه اليمنى
حتى وقت قريب. وكان كلاهما يعتبران أكثر ميلا للمصالحة وكانا
بمثابة قوة توازن تحد من نزعاته الصدامية.
لكن خبا نفوذهما مع بروز دائرة أصغر من المستشارين الجدد منهم
يجيت بولوت المعلق التلفزيوني السابق الذي اتهم يوما معارضي
إردوغان بالسعي لقتله من خلال التأثير الذهني عن بعد والذي عينه
العام الماضي رئيسا لفريقه الاقتصادي.
وقال مصدر كبير في العدالة والتنمية “أعتقد أنه لو كان فريق
مستشاريه أفضل لعرض إردوغان نفسه بشكل أفضل أمام تركيا والعالم
ولواصل طريقه كزعيم أقوى كثيرا.”
وفي انتقاد ضمني لإردوغان قال أرينتش للتلفزيون التركي في
فبراير شباط إن زيادة الاستقطاب ستثير “مناخ كراهية” بين الخمسين
في المئة الذين لا يؤيدون العدالة والتنمية وستقوض حكم البلاد.
وأضاف أرينتش الذي تنتهي فترته كنائب لرئيس الوزراء الأسبوع
المقبل حين يؤدي البرلمان الجديد اليمين “حين كنا نسير في الشارع
من قبل كان مؤيدونا يعبرون عن حب بالغ. وكانت المعارضة تشعر …
باحترام.”
وتابع “أما الآن فأستشعر نظرة كراهية. هناك تشدد واستقطاب
وانقسام إلى معسكرات.”
حتى لغة إردوغان التي كانت يوما أحد أسلحته القوية باتت تساعد
في ذلك الانقسام وبات معارضوه يوصفون بأنهم “إرهابيون” أو “خونة”
أو “حثالة”. ومع تزايد النغمة الدينية في كلامه تزداد مخاوف ناخبيه
الذين وثقوا بكلمته بأنه لن يسعى لتقويض النظام العلماني.
ويوحي كتاب جديد كتبه أحمد سيفر مساعد جول بأن الرئيس السابق
دخل في صراع صامت على السلطة مع إدروغان الذي كان رئيسا للوزراء في
ذلك الوقت على قضايا منها احتجاجات 2013 وقوانين تقييد استخدام
الإنترنت والسياسة الخارجية.
ويروي كتاب سيفر الذي طرح في الأسواق هذا الشهر أن جول -وهو
الشخص الوحيد الذي ينظر إليه على أنه قادر على تحدي إردوغان في
الداخل- كان يفكر في أمر عودته للساحة السياسية بعد انتهاء فترته
لكن إردوغان عرقل مساعيه.
ومارس إردوغان سلطاته التي يكفلها له الدستور حتى النخاع وأمسك
بزمام الحكومة منذ توليه الرئاسة في أغسطس آب الماضي حتى أن
اجتماعات مجلس الوزراء باتت تعقد في قصره.
وإذا حدث ونجح حزب العدالة والتنمية في إيجاد شريك يشكل معه
ائتلافا حاكما فستذهب هذه الأيام أدراج الرياح ولو في الوقت الحالي
على الأقل. فقد أوضح منافسوه أنهم لن يتهاونوا أمام تدخله في عمل
الحكومة.
وكتب سميح إديز وهو كاتب عمود في حريت ديلي نيوز “إردوغان
نفسه… هو الذي أحرق الجسور وأبعد المعارضة بترويجه السافر لحزب
العدالة والتنمية قبل الانتخابات.
“لن يلومن إلا نفسه إن أراد حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة
القومية وحزب الشعوب الديمقراطي (المعارضة) أن تقيده بقوة بالقيود
الدستورية للرئاسة ورفضت أي إمكانية لأن يلعب دورا يتجاوز هذا.”
(إعداد أمل أبو السعود للنشرة العربية – تحرير أميرة فهمي)