إسطنبول (زمان عربي)- قال أكرم دومانلي رئيس تحرير صحيفة” زمان” التركية إن الشعب التركي قال “One minute” للرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات البرلمانية التي شهدتها تركيا في السابع من يونيو/ حزيران الجاري.
وأضاف دومانلي في معرض تقييمه لنتائج الانتخابات في لقاء أجرته معه الصحفية يونجا كايا شاهين من موقع” روتا خبر” الإخباري: “قابلني شخص يتولى منصبًا مهمًا بحزب العدالة والتنمية فاحتضنني وقال وهو يبكي: “لقد شاهدت لحظة اعتقالك مع زوجتي في المنزل، وبكينا نحن الاثنان حينها، وقلنا لماذا وصلنا إلى هذه المرحلة. فإن لم يكن ما يحدث ظلمًا فماذا يكون إذن؟”.
وفيما يلي نص الحوار الذي تضمن تصريحات مثيرة لرئيس تحرير” زمان”:
– ما هي توقعاتكم الأولية بشأن خيارات الحكومة الائتلافية؟
– توقعاتي أنها ستكون سياسية بعض الشيء، لكن أقول مبارك علينا. وآمل في أن يجري التوصل إلى صيغة اتفاق تعكس الرسالة التي قدمها الشعب.
الشعب التركي قال “One minute” لأردوغان
– ما هي رسالة الشعب؟
– قال الشعب لحزب العدالة والتنمية: “لا نريد أن نراك وحدك في السلطة بعد مرور 13 عامًا من بقائك فيها”. وهذه رسالة واضحة للغاية. لماذا؟ لأن الحزب بدأ دعايته الانتخابية بقوله إنه يسعى لحجز 400 مقعد بالبرلمان، فسخر الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داوداوغلو وأعضاء الحكومة جميع إمكانيات الدولة والقنوات التليفزيونية الحكومية ووكالات الأنباء ووسائل الإعلام المؤيدة للحكومة في سبيل القيام بدعاية كبيرة للحزب، وأنفقوا أموالًا طائلة للوصول إلى هدفهم… طلبوا من الشعب منح أصواته لهم، قالوا أولًا إنهم سيحجزون 400 مقعد في البرلمان، فلم يفلحوا، فقالوا 330 مقعدًا، فلم يفلحوا، فقالوا 276 مقعدًا. لكن الشعب لم يمكنهم من الحصول على أي عدد من هذه المقاعد، وقال “إننا لا نرغب في أن نراك وحدك في السلطة ثانية”. أما الرسالة الأخرى فكانت: “شكلوا ائتلافًا وتصالحوا فيما بينكم، وأديروا أمور البلاد دون صراع”. لكن الشعب ترك الحزب الحاكم خارج المعادلة بينما كان يفعل ذلك، وقال له “لقد أشهرت البطاقة الحمراء في وجهك”، وقال للسيد أردوغان “One minute”، لقد تخطيت الصلاحيات التي يمنحها لك الدستور والقوانين، وتدخلت في كل شيء، في عمل البنك المركزي وهيئة تنظيم العمل المصرفي وحزب العدالة والتنمية. يتولى مناصب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس الحزب الحاكم والوزير وما إلى ذلك… يتولى أردوغان كل هذه المناصب في آن واحد.
قال له الشعب “كفى، لقد أحببناك ودعمناك ووصلنا بك إلى أعلى مناصب الدولة، لكن يكفي إلى هذا الحد”. يجب على الحزب الحاكم أن يفهم هذه الرسالة بشكل صحيح ليجري تشكيل ائتلاف يعكس هذه الرسائل، وإلا فإن الشعب والأحزاب التي منحها الشعب أصواتها كأمانة لن ينعموا بالراحة.
يتحدثون عن 8 إلى 10 خيارات بشأن الحكومة الائتلافية. لن يهم ماهي هذه الخيارات، فيكفي أن يتشكل ائتلاف مناسب لما قاله الشعب.
– لم يحصل حزبا الحركة القومية والشعب الجمهوري على مزيد من أصوات الناخبين، فما هي رسالة الشعب إلى هذين الحزبين؟
– نشهد صحوة داخل حزب الحركة القومية إذا ما قارنا بأدائه في الانتخابات التشريعية التي أجريت عام 2011. حتى إن الحزب بدأ يربح في المناطق التي خسر فيها في السابق. ويتميز الحزب بجانب مثير من هذه الزاوية. فما هي المناطق التي خسر فيها الحزب؟ بوجه عام خسر أصوات المحافظين القوميين في منطقة وسط الأناضول لصالح حزب العدالة والتنمية. وانسحب من المناطق الساحلية. ولكن إذا نظرنا للمؤتمرات الجماهيرية التي عقدها الحزب خلال حملته الانتخابية، سنجد أنه استعاد بريقه في محافظات كقيصري وكهرمان مرعش ويوزجات وسيواس وكونيا وأرضروم. ولو استطاعت إدارة الحزب متابعة آثار هذه التطورات يمكن أن يتحول الحزب إلى خيار أكبر بكثير.
تعتبر مدينة إسطنبول هي أكثر الأماكن التي خسر فيها حزب الحركة القومية الدعم الشعبي. ففي الوقت الذي حصل فيه على 17% من الأصوات في عموم تركيا، حصل على 10% فقط في إسطنبول.
يتحدث البعض عن فارق النقاط بين حزبي الحركة القومية والشعوب الديمقراطي، لكن هذا مصدره إسطنبول. فلو أن نسبة الأصوات التي حصل عليها حزب الحركة القومية مرتفعة كذلك في إسطنبول سيزيد عدد المقاعد التي سيحجزها في البرلمان. نرى اليوم الناس ينظرون بشكل إيجابي إلى حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية، خصوصًا وأن هناك نظرة إيجابية إزاء حزب الشعب الجمهوري. على الأقل فإن نسبة من الأصوات انتقلت من حزب الشعب الجمهوري إلى حزب الشعوب الديمقراطي عن طريق “الأمانة” كما قال رئيس الحزب الكردي صلاح الدين دميرتاش.
الأصوات الممنوحة لأردوغان كذلك هي أمانة
– كان السيد دميرتاش قال: “إن كل الأصوات التي “استعرناها” من الأحزاب الأخرى، تحتوي على قيمة كبيرة بالنسبة لنا، حتى ولو كانت نسبتها 1%”.. مارأيك؟
– في الواقع، جميع الأصوات أمانة. وأنا لا أستطيع أن أفهم وجهة النظر هذه التي يفكر بها السياسيون. فالأصوات الممنوحة لأردوغان كذلك أمانة. يمنح المواطن صوته لحزب الوطن الأم وتورجوت أوزال ويقول “افعل هذا بصوتي”، فلو فعل الحزب ما يقوله المواطن واصل بقاءه في السلطة. ولو لاحظ المواطن أن الحزب لا يفعل ما طلبه، يقول له “لقد انتزعت منك الأمانة التي منحتك إياها”. إن الثقافة السياسية لدى المواطن التركي ضعيفة. نعتبر أي انتخابات مسألة حياة أو موت. لكن الأمر ليس كذلك، يختاركم الشعب، فماذا تطلب الأحزاب؟ تقول الأحزاب السياسية: “يا أيها الشعب سنضع ميزانية الدولة بضرائبكم، وسنضع خريطة طريق إدارية، وسنديركم بشكل جيد”. وحينها يقول المواطن: “حسنًا، أنا صاحب الأمر، وعليه فقد اخترتك. وإذا فشلت في إدارة شؤوني، أقول لك انتظر هنا قليلًا لنجرب الآخر لبعض الوقت”.
صاحب الأمر هو المواطن، ومن يسقط من السلطة يَعتبر هذا الأمر مسألة حياة أو موت. فيجعله المواطن ينتظر قليلًا ثم يستدعيه مرة ثانية كما فعل مع رئيس الوزراء الأسبق سليمان ديميريل مرات عديدة. يعطيك درسًا، يقول المواطن: “لا تعجبني سياساتك هذه، لقد دعمتك بالأمس ولن أدعمك اليوم. عد إلى رشدك وصوابك”.
المواطن هو صاحب الأمر، وإذا كان من ناكر للجميل فالأحزاب هي التي تنكر الجميل
أنظر اليوم فأرى في حزب العدالة والتنمية ردود فعل تشبه تمامًا تلك التي كان ينتقَد عليها حزب الشعب الجمهوري في الماضي، يقولون: “لم يقدر الشعب قيمتنا، إنهم مواطنون ناكرون للجميل”. إن الشعب هو صاحب الأمر، وإذا كان هناك من ناكر للجميل فهو الأحزاب وليس الشعب. مسؤولو الأحزاب ناكرون للجميل. لقد قال المواطن: “سلمتك المفتاح لمرات عديدة على مدار 13 عامًا. لكن عندما سلمته لك آخر مرة أدرت السيارة لكنك تسببت في تعطل محركها وتفريغ إطاراتها من الهواء. فسأجعلك تنزل من هذه السيارة لأعطيها لشخص آخر ليصلحها ويقودها”.
يجب على الجميع فهْم هذه الحقيقة. أي أن المواطن يمنح الأحزاب أمانة، بمعنى أن كل صوت يعتبر أمانة سواء الأصوات الممنوحة لصلاح الدين دميرتاش أو لدولت بهشلي أو لرجب طيب أردوغان.
– لقد قدمتَ الدعم الشخصي للحزب الحاكم في الانتخابات السابقة، وكتب البعض: ” لولا ادعاءات الفساد والرشوة لركب أكرم دومانلي طائرة أردوغان من جديد”. هل دعمتَ حزب العدالة والتنمية في السابق دون شروط؟ ألم تنتقده قبل ذلك؟
– أود أن أقول أولًا إن جريدة” زمان” عمرها 29 عامًا، وكانت موجودة عندما لم يكن قد ولد حزب العدالة والتنمية. ولهذا السبب فإن مفهوم التطابق مع حزب العدالة والتنمية غير صحيح. فهناك من يضع مفهومًا على النحو التالي: “تأسس حزب العدالة والتنمية مع جريدة” زمان” أو بتعبير أوسع “تأسس الحزب مع حركة الخدمة”. بيد أن الجماعة كانت حاضرة عندما لم يكن أردوغان موجودا. في الحقيقة، لا أفضل استخدام تعبير “الجماعة”، بل أفضل استخدام تعبير “الجامعة” أو “المجتمع”. والمقصود من تعبير “الجامعة أوالمجتمع” أنها حركة المتطوعين المنتسبين إلى تيارات سياسية واجتماعية مختلفة. فليس هناك داعٍ لتقديم عريضة عندما تنتمون إلى هذه الجامعة أو المجتمع ولا خطاب استقالة بينما تخرجون منها. أمر بسيط للغاية.
علينا أولا أن نرجع لنرى من الذين دعمناهم بصفتنا جريدة زمان. فعلى سبيل المثال دعمنا تورجوت أوزال في الماضي. فالخدمة دعمت من انتصر للديمقراطية والحريات في تركيا، وهذا أمر سار بالنسبة لجميع الأحزاب السياسية. ولهذا السبب بالتحديد دعمنا أردوغان. لكنهم اليوم يعايروننا بهذا الدعم، أقول لهم إننا لسنا وحدنا من دعمنا أردوغان، بل دعمه الديمقراطيون والليبراليون واليمينيون واليساريون والعلويون والأكراد والاتحاد الأوروبي، أي أن الجميع دعموه. لكن شهدنا انتكاسة كبيرة له ولحزبه عقب الاستفتاء الشعبي الذي أجري عام 2010. فلم يحدث هذا بعد الكشف عن فضيحة الفساد والرشوة يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 2013، بل إن التأييد الذي حصده بنسبة 58% من الشعب عام 2010 تحول إلى “تسمم بالقوة والسلطة”. فبدؤوا يهاجمون الجميع من أقرب داعميهم إلى أبعدهم، فبدأ الناس ينسلخون عنهم ويسحبون تأييدهم منهم. كلما انخفض مستوى دعمنا كلما شهدنا تراجعًا لفكرة الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي ومعايير كوبنهاجن وحقوق الإنسان وغير ذلك.
ما نسيه الناس هو أنه في أحد الأوقات التي كانت فيه علاقتنا بالحزب الحاكم في أفضل حال استدعت رئاسة الوزراء رؤساءَ تحرير وأصحاب جميع الصحف العاملة في تركيا بسبب إحدى الهجمات الإرهابية. فليخرجوا علينا وليعلنوا ماذا قالوا في ذلك الاجتماع، حتى يفهم الجميع من انتقد ومن لم ينتقد. ولم يتحدث أحد في صالة الاجتماع باستثناء شخصين عندما قال بعض أصحاب وسائل الإعلام لأردوغان “لقد أخطأنا يا سيدي، أشر علينا بوزير من الحكومة نسأله عن هذه الأشياء في أثناء نشرنا لها”، وكان هذان الصحفيان الذين نطقا بالحقّ هما الراحل محمد علي بيراند إذ قال “أنا لا أتفق مع ما قاله مديري”، وثانيهما ياسمين تشونجار؛ إذ قالت إنها ستقول لرئيس الوزراء بعبارات شجاعة ومتزنة جدًا – وهي محقة – بسبب الانتقادات غير العلنية الموجهة للكاتبين الصحفيين المخضرمين أحمد ألطان وحسن جمال.
وبالرغم من عدم السماح لي بالحديث في ذلك اليوم، فقد أخذت المبادرة بالكلام وقلت مضطرًا: “نحن صحفيون يا سيدي رئيس الوزراء، أما الطريقة التي سنعرض بها أحداث الإرهاب فهي متعلقة بمهنتنا ومهمتنا، ولا يحق لأحد، حتى لو كان وزيرًا، أن يعلمنا كيف نؤدي مهنتنا. يجب عليكم أنتم أن تجيبونا كيف لعناصر تنظيم إرهابي أن يشنوا هجومًا على مخفر ويقتلوا العشرات من جنودنا ثم يخرجون من هذا الهجوم دون خسائر؟ إن قلوبنا تدمي، أجيبونا أنتم أولًا على هذه الأسئلة”. لامني الجميعُ عندما خرجنا بقولهم: “كيف لك أن تتحدث بهذه الطريقة؟”. بيد أنني أتحدث هكذا على الدوام. لم نهلل لأحد في أي وقت، ولأعطِكم معيارًا بسيطًا. لقد ضحت كل صحيفة ببعض كتابها في سبيل إرضاء السلطة الحاكمة. وأنا أتحدى، هل ضحينا بأي من كتابنا أو مراسلينا من أجل إرضاء الحزب الحاكم على مدار 10 سنوات؟ فجريدة زمان هي الجريدة التركية الوحيدة التي لم تضحِ بأي من كتابها. لقد اشتكونا ووبخونا، وقالوا ماذا يكتب هذا، لم يكن لدينا كاتب إلا واشتكوه في تلك الأيام. وقالوا لنا “لماذا يعملون لديكم؟”، حتى اشتكونا بقولهم: “لماذا تمنحون الأموال لهؤلاء الكفار؟!”. ثم استغلوا الأشخاص أنفسهم ضدنا بعد أن أسموهم “كفاراً”. ولأقُل شيئًا أكثر وضوحًا، نرى أنهم يدفعون الأصدقاء المنتسبين إلى التيار اليساري ليهاجموننا ويقولون “هذا نقد ذاتي”. ألا ينبغي أن تمارسوا هذا النقد الذاتي على أنفسكم ولو مرة؟ أتحداكم أريد أن أرى كاتبًا يمينيًا يكتب مقالًا في صحيفة معروفة بتوجهاتها اليسارية، هل يمكن؟!”.
إننا نقوم بعملنا، فليقوموا هم أيضًا بعملهم. يمكن أن أقول أشياء أبعد من ذلك، لكن البعض لن يتحمل ذلك. لكن لو سألتم ستعرفون أنني تحدثت بكل صراحة في جميع اللقاءات سواء الثنائية أو الجماعية، وانتقدنا، ونشرنا الانتقادات في جريدتنا، وقلناها وجهًا لوجه دون خوف. وكلما زادت الأخطاء زادت جرعة انتقاداتنا. فماذا كان علينا أن نفعل؟!
عندما اندلعت أحداث متنزه جيزي بارك، دعمناها في أيامها الأولى، فغضبوا لذلك. ولو عاد بنا الزمان لما ترددنا في دعمنا هذا. قلنا لهم حينها “افهموا الناس، فهؤلاء الشباب لديهم مطالب”. فليس هناك فرق بين ما قلناه وما قاله الرئيس السابق عبد الله جول ونائب رئيس الوزراء بولنت آرينتش آنذاك. حتى أنه لا فرق بين ما قلناه وما قاله وزير الثقافة الحالي عمر تشليك. ثم غير الجميع كلامه خوفًا من أردوغان، وبدؤوا يهاجمون هؤلاء الشباب، وشرعوا في تأليف سيناريوهات لاتهامنا من قبيل “لماذا دعمتموهم؟ هل أنتم الذين تقفون وراءهم؟”. علينا أن نقول الحق، ولقد قلناه.
نحن أناس يعيشون بقلوبهم
– هل قمتم بأي نقد ذاتي لسياسة النشر بجريدتكم؟ هل واجهتكم وضعية جعلتكم تندمون على أخبار نشرتموها؟ مثل قضيتي تنظيمي أرجينيكون والمطرقة الانقلابيتين على سبيل المثال؟
– نحن أناس يعيشون بقلوبهم، كتبنا ما آمنا به، ولقد كتبنا ما آمنا به ذلك اليوم. إننا آمنا بحقيقة قضية أرجينيكون من أعماق قلوبنا، ومازلنا نؤمن بها. يتحدث الناس دون علم في هذه القضية. لسنا محكمة أو مدعياً عاماً، ولم نكتب إلا ما رأيناه صحيحاً في ذلك اليوم. ولم نكن وحدنا من قال ذلك، فقد تضمنت وثائق الاتحاد الأوروبي تأكيداً على أن هذه القضية تعتبر فرصة من أجل الديمقراطية والتخلص من نظام الوصاية العسكرية. وأنا أؤمن بصدق هذا. نحن نتحدث عن دولة ارتكبت بها 17 ألف جريمة مجهولة الفاعل، نتحدث عن عشرات الآلاف من الأشخاص العاملين في دائرة الحرب النفسية الذين لا يحصرهم العدّ، نتحدث عن وجود تنظيمات من قبيل “جيلاديو” ونظام قمعي قتل به عشرات الكتاب والسياسيين على مدار سنين، منهم الكاتب الصحفي أرميني الأصل هرانت دينك. ولا نعلم بالضبط من هو المسؤول عن هذه الجرائم.
لقد دعمنا مساءلة نظام الوصاية العسكرية أمام العدالة في قضية تنظيم أرجينيكون الانقلابي. ففي نهاية المطاف نحن أمام حدث. فما هو ذلك الحدث؟ عثر على قنابل في منطقة عمرانية بإسطنبول، ففتح التحقيق، ثم ظهر الناس بأسلحتهم ووثائقهم ومخططاتهم. إننا نؤمن بأن هذه الدعوى كانت صحيحة وتسير في الاتحاه الصحيح. ولا نعتقد أننا ظلمنا أحدًا أبدًا. فلا يستطيع أحد أن يظهر أدلة ملموسة تديننا. وعلى سبيل المثال، يقدّم البعض أمثلة سيئة أقدمت عليها جريدة” حريّت” سعياً لإحداث فوضى واستفزاز، من العنوان الذي وضعته الجريدة “411 يداً رفعت في البرلمان من أجل إثارة الفوضى”، في إطار انتقادها للنواب الذين صوتوا لصالح رفع الحظر المفروض على الحجاب في الجامعات، وعنوانها الآخر: “يا له من عديم شرف!”، وصفت به أحد المطريبن المشهورين، وعنوان ثالث: “لا يمكنه أن يكون حتى عمدة”، اعتراضاً على ترشيح أردوغان لرئاسة الوزراء. لكن أحدًا لا يستطيع أن يخرج ويقدّم لنا مثالًا واحداً على مثل هذه العناوين المستفزة والبعيدة عن الحق والحقيقة.
نحن ضد الديكتاتورية أيا كان نوعها ولونها
– فكما أننا نعارض أن تتحول الوصاية المدنية إلى ديكتاتورية اليوم، فإننا عارضنا أن تتحول الوصاية العسكرية إلى ديكتاتورية في الماضي. لقد شهدت تركيا أول انقلاب عسكري عام 1960، وخلال الفترة ما بين عامي 1960 و1963 وقعت 15 محاولة انقلاب. ولقد أعدموا طلعت آيدمير والضابط الذي كان يرافقه بقرار من المجلس. ثم جاءت المذكرة العسكرية عام 1971، ثم شهدنا انقلاب 1980، فانقلاب 1997، ومذكرة عام 2007… عن أي جيش نتحدث؟ نتحدث عن جيش كانت به الطغمة العسكرية على الدوام…
أقولها وأنا حزين، لقد شهدت انقلاب عام 1980 عندما كنت شابًا. حدثت أمور لن أستطيع شرحها. يتحدثون وكأنه لم يكن هناك عصبة داخل الجيش. لكن عليهم أولًا أن ينتقدوا أنفسهم. لماذا لم يعارضوا تنظيم أرجينيكون في حينه؟
– يعترض مسؤولو حزب الحركة القومية انطلاقاً من أنجين ألان ويعترض مسؤولو حزب الشعب الجمهوري محتجين بمصطفى بالباي وبعض الأسماء الأخرى..
– ليعترض المعترضون على ما يريدون، ما يهمني هو أننا لم ننشر أخبارًا كاذبة ومختلَقة، ولم ننشر أخبارًا عن شأن لم ينتقل إلى المحكمة. ما يهمني في هذا الصدد هو المهنة الصحفية. يحتجون قائلين: “إن المدعي العام ارتكب خطأ”.. حسنا، ما علاقتي بهذا المدعي العام وخطأه إن كان؟ إن ارتكب المدعي العام خطأً فما ذنبي؟ بل يجب محاسبته هو لا أنا. فأنا صحفي، كتبت خبرًا يتناول هذه الواقعة. عليهم أن يكونوا أكثر حذرًا فيما يتعلق بأمر الصحفيين، وأن يفهموا مشاعرنا بشكل أفضل. ذلك أن أي انقلاب لم يقم به “العسكريون بمفردهم”. أي أن العسكريين والإعلاميين مشتركون ومتعاونون في هذه الانقلابات. يقول حسن جمال “كنت في جريدة جمهوريت”، مضيفًا “عندما وقع الانقلاب، جاءني صحفي عملت معه ذلك اليوم يرتدي ملابس عسكرية، فقد كان عسكريًا”. إن إحدى قدمي العسكريين في الصحف على الدوام. فقد نظرنا نظرة ريبة إلى هذا الأمر. وتساءلنا: هل هؤلاء كذلك متورطون في هذا الأمر؟ وعلى الجميع أن يعتبر أن نظرتنا نظرة ريبة إلى هذا الأمر شيء طبيعي. لسنا في وضعية أن ننفي وجود شيء كهذا، كما لا يمكن لأحد أن ينكر ذلك. فلا داعي للهراء، كأننا نتحدث عن الجيش النرويجي مثلًا. هل نزل من السماء أولئك الذين قدموا مذكرة إلكترونية لأن زوجة الرئيس السابق عبد الله جول ترتدي الحجاب؟ هل كانوا مخلوقات خيالية؟
لقد دخل أردوغان في صراع مع تنظيم أرجينيكون. وشجع المسؤولين والمدعين العموم والقضاة على ذلك، وعندما ضبطوا متلبسين بجريمة الفساد والرشوة تراجع وطلب منهم العون ضد أعدائه الجدد وأقدم على تبرئتهم عبر محاكم أسسها خصيصاً لذلك. هل يكونون بذلك قد برّأت ساحتهم حقًا؟ أرى أنهم لم يبرأوا بشكل كامل. ذلك أن هناك بعض الأدلة الملموسة.
– إذا أحسنت عمليات تشكيل الإدراك واختراق الأذهان فإنها تغلب على الحقائق والوقائع..
– الإدراك شيء مؤقت، أما الواقع فهو الأساس.
– قيل إن الجيش تعرض لمؤامرة ونُصب له فخّ؟
– يجب محاسبة من يقول هذا الكلام أولًا. فالتغريدة التي نشرها والمقال الذي كتبه واضح وضوح الشمس. فصاحب هذا الكلام (كبير مستشاري أردوغان يالتشين أكدوغان) كان يقول في يوم من الأيام: “لا أقارن أي ظفر من أظافر فرد من أفراد الجماعة بكل أفراد تنظيم أرجينيكون”. فما الذي حدث حتى يقول “إن فخًا نصب للجيش” في إطار قضية أرجينيكون. لقد طرحت عليه سؤالًا وقلت له: أي المناصب كنت تتولاها عندما وقع انقلاب عام 1997؟
– فماذا كان رده؟
– عجز عن تقديم رد مقنع، قال شيئًا من قبيل “كنا نماطل حينها” أو ما شابه. فإحدى أرجل أرجينيكون أصبحت فارغة. فهؤلاء الأشخاص دخلوا المساجد، وربما صلوا معنا، وتغلغلوا في صفوف العديد من الجماعات والطرق الصوفية والأحزاب. ولقد صبرت هذه الجماعات على هؤلاء الأشخاص على أمل أن يصلحوا أحوالهم، وتعاملت معهم بسماحة بالرغم من معرفة بعضهم على حقيقتهم. لكنني أرى اليوم أنهم هم أكثر من يهاجمون الجماعات والطرق الصوفية. ولقد جمعت الزملاء في الجريدة في يوم من الأيام، وقلت لهم: “نحن نعمل معًا منذ 10 سنوات. هل صدرت إليكم مني تعليمات ولو مرة واحدة أن تكتبوا أخبارًا كاذبة عمدًا؟ هل كتبنا أخبارًا كاذبة عمدًا في يوم من الأيام؟ ولو كتبنا شيئًا كهذا فلينتقم منّا الله”، فأجابوني “لم يحدث شيء من هذا القبيل أبداً”.
أنا شخص يؤمن بيوم الحساب، وجميعنا نؤمن به. لم نقل أبدًا “لنكتب أخبارًا كاذبة وافتراءات لا أساس لها من الصحة ثم نعدلها بعد ذلك”. ربما تستطيع التغلب على الجانب الخاص بقانون الصحافة في هذا الأمر، وربما لا تهتم بالجانب الأخلاقي في القضية، لكن عندما نحاسَب يوم القيامة كيف لنا أن نتحمل مسؤولية الكذب والافتراء وحتى إضفاء الصبغة الإسلامية على هذه الممارسات؟ هذا ذنب عظيم.
يسيئون إلينا اليوم أيما إساءة. وقد قال لي أحد مسؤولي وسائل الإعلام قبل ذلك “أنظر إلى جريدة زمان فأجدها تتعرض لهذا الكم الهائل من الضغوط والإساءات، وأنتظر دائمًا كيف سيكون رد فعل الجريدة. أبارككم، إذ أفتح جريدتكم كل يوم، فكان بإمكانكم أن تسيئوا إليهم أنتم كذلك، لكنكم تتبعون مبادئ الصحافة برباطة جأش كبيرة. فلو كنتم قد انجرفتم وراء غضبكم وفعلتم شيئًا كهذا مثما فعل غيركم، لكانت 20 عامًا ستأتي من خلفكم كالكابوس. انظروا إلى عناوين الأخبار التي تنشرها جريدة” حريّت” كالكابوس، لا تتركها أبدًا”.
إننا نمارس عملنا الصحفي بضمائرنا منذ أن ظهرنا على الساحة، لأن الله سيحاسبنا يوم القيامة. أحيانًا تكتشفون أن شيئًا مما كتبتم كان خطأ. لكن هناك طرق لإصلاح ذلك. وربما تحدث أشياء كهذه في هذه المهنة. لكن أقسم بالله أننا لم نكتب شيئًا كذبًا متعمدًا بحق أي شخص حتى لو كان عدوًا لدودًا لنا. ولهذا السبب فضميرنا مرتاح ومطمئنّ.
هل بقيت حركة الخدمة بمفردها؟
– هل بقيتم بمفردكم في هذه المرحلة؟
– أود أولًا أن أؤكد أنني لا أشعر أنني وحدي. وعندما أنظر قليلًا إلى تاريخ البشرية أؤمن بأن هذه الأشياء تكون هكذا بوجه عام. يرجح الناس عادة الوقوف إلى جانب القوي، لا سيما إذا قيل في دولة يمكن أن تخرج فيها السلطة الحاكمة على القانون “هل أنت تؤيد الحق أم القوة؟”، سنجد الناس بوجه عام ينحازون إلى القوة. ولهذا السبب فأنا لا أشعر بالغضب إزاء من تركونا بمفردنا. قابلني شخص يتولى منصبًا مهمًا بحزب العدالة والتنمية فاحتضنني وقال وهو يبكي “لقد شاهدت لحظة اعتقالك مع زوجتي في المنزل، وبكينا نحن الاثنان حينها، وقلنا لماذا وصلنا إلى هذه المرحلة. فإن لم يكن ما يحدث ظلمًا فماذا يكون إذن؟ لا أستطيع أن أقول ذلك أمام الرأي العام، فمتى قلته فقد انتهى أمري. فهذا هو المنصب الذي أتولاه في الحزب الحاكم، وهذه هي مهمتي في البيروقراطية…”.
ولأن الناس يجدون صعوبة في التفضيل بين القوة والحق في مجتمع تستخدم فيه الدولة القوة بهذه الفظاظة، فإنهم يفضلون الانحياز للقوي. أما الأساس في مثل هذه الأمور فهو أن “الحق يعلو ولا يعلى عليه”… أي أن المحق هو القوي وليس العكس.
يحمل بعض الناس العداء لجماعة الخدمة منذ قديم الأزل، بعضهم أعداء، لكنهم لم يعلنوا عداوتهم. يشعر أغلبية الشعب بالقلق، لكنهم يخافون من التعرض للظلم أو يخافون أن يبقى أبناؤهم دون عمل. حسنًا، إذا قال الجميع إن جماعة الخدمة على باطل فهل تصبح على باطل حقًا؟ بطبيعة الحال لا. لم أشعر أنني على باطل أبدًا، لقد فعلنا ما يصح لوجه الله ولصالح بلدنا والإنسانية. وإذا كان ينبغي أن ندفع ثمن ذلك فنحن راضون بهذا منذ القدم.
لو قلنا مثلما قال الإعلاميون المؤيدون للحكومة عندما جرى الكشف عن فضيحة الفساد والرشوة يومي 17 و25 ديسمبر / كانون الأول 2013 “حاشا! أنتم منزهون عن ارتكاب الذنوب!” فهل كنا نواجه هذه المصاعب؟ فلو كانت الجماعة فعلت هذا لكانت ظلت تاجا على الرؤوس. لقد وصلنا إلى مفترق طرق، فإما أن نكون مع الحق أو مع القوة. فالجماعة اختارت أن تكون مع الحق. إما أن نكون أصحاب مفهوم إسلامي داعشي أو لا نتراجع عن الديمقراطية كما كنا في الماضي. كان يجب علينا أن نصنف الظلم بأنه ظلم. لقد اعترضنا على من ظَلم حتى لو كان شخصاً يصلي الصلوات الخمس. وقد كان يزيد بن معاوية والحجاج بن يوسف الثقفي يصليان، لكنهما كانا ظالمين. فالظلم شيء آخر. يدعونا الله دائمًا في القرآن الكريم إلى العدل.
نشهد فترة في تركيا يقولون فيها: “لو استؤصلت شأفة الشيوعيين ستصبح تركيا دولة عظيمة”. ثم تمر هذه التفاهات، وبعدها يخرج علينا آخرون ليقولوا: “يجب عليكم أن تتخلصوا من الأكراد كافة”. وبعد ذلك يحين الدور على العلويين ومن بعدهم الرجعيين، واليوم حان الدور على جماعة الخدمة. لا يستطيع أحد أن يستأصل شأفة أحد. فهذه هي عقلانية هذا البلد. فإذا أردت أن تعيش مطمئنًا في تركيا فلا يجب عليك أن تهاجم الأشخاص الذين لم يخرجوا على القانون بشكل جماعي وتقول إنك ستستأصل شأفتهم.
لنفترض أن البعض فقد صوابه وبدأ يقوم بهذه الأفعال الجنونية من أجل التستر على جرائمه وعيوبه. لكني أشعر بالحيرة في الأساس إزاء الدعوات التي يطلقها بعض الأصدقاء الذين ليست لهم علاقة بهذه الأمور كأولئك الذي اجتمعوا حول المقصلة يطالبون بالقتل دائمًا. فإذا كان نصيبنا أن نبقى وحدنا فنحن راضون بذلك. فإذا ناصرنا الحق وصار الله سبحانه وتعالى في صفنا فما هي قيمة بقية الأشياء الأخرى؟ يقول الأستاذ سعيد النورسي بينما يعرّف الإخلاص:” يجب أن يكون الرضا الإلهي في أعمالكم، فإذا رضي الله عنكم فلن يضيركم إذا خاصمكم جميع البشر”، لقد آمنا بهذه الفكرة.
لم نكن على علم بفضيحة الفساد قبل كشف النقاب عنها
– كيف تنظرون إلى ملف التحقيق في فضيحة الفساد والرشوة التي كشف عنها يومي 17 و25 ديسمبر / كانون الأول 2013؟
– يقولون “هل كنتم تعرفون ماذا كان سيحدث يوم 17 ديسمبر؟، نقول “لم نكن نعرف”. وكذلك لم تكن صحيفة سوزجو تعرف هي الأخرى. فلماذا لا تقولون لهذه الصحيفة شيئًا؟ وكذلك لم تكن صحيفة جمهوريت تعرف؟ لم يكن أحد يعرف شيئًا. فماذا تشبه هذه الحالة؟ تشبه أن 3 أو 5 لصوص اقتحموا منزلًا في ليلة ظلماء وسرقوا المجوهرات والأموال والذهب، وكانوا يرتدون جوارب شفافة على وجوههم ويمسكون بمصباح يدوي، وبينما كانوا يهربون بما سرقوا، أضاء أحدهم مصباح المنزل، فحاروا وبهتوا وبدؤوا يضربون الناس بالمصابيح اليدوية التي كانوا يحملونها. يقول بعضهم “إن الجورب الذي ترتديه فوق رأسك هو مكياجك، والمصباح الذي تمسكه بين يديك هو الذي ينير أرواحنا، أما الأموال والمجوهرات التي في جيبك فهي حلال عليك”. أما بعض الأشخاص الذين استيقظوا وتنبهوا وتعرضوا للضرب فيقولون: “هذه المجوهرات والأموال ملك لنا وللمواطنين. والآن يقولون لنا: “لماذا تشتكون، ألم تكن بينكم قرابة وتعاون؟”، وماذا عسانا أن نفعل والحال هذه يا ترى! لو كان لدينا مقدار ذرة من المصلحة والانتفاع من هذه القرابة، فهل كان بإمكاننا أن نتحدث بهذه الشجاعة ونتحدث عن أخطائهم؟ أقولها بصفة شخصية، لقد دخلنا “خزينتهم الخاصة”، وسرنا فوق الذهب، لكننا لم نأخذ حتى أصغر قطعة من القطع الذهبية. ولو كنا قد أخذنا شيئًا كهذا لم كنا تحدثنا اليوم بهذا القدر من الجرأة. أقول للجميع: “لو تركنا خلفنا مالًا وملكًا عند وفاتنا فليأخذ الله أرواحنا؟”، فماذا عساي أن أقول بعد ذلك؟
لو اعتقلونا اليوم، يمكن أن نتحمل 3 أو حتى 5 أشهر، لكن في الشهر السادس ليس لدي ما يمكن أن أتركه لأبنائي لأقول لهم: “خذوا هذه الأموال لتكون لكم معينًا لو لم يفرجوا عني”. إن هذا الأمر لا يعتبر تضحية بالنسبة لي، بل إنه أسلوب حياة اخترته لنفسي. وهذا هو أساس حريتي في الواقع. لست بحاجة إلى أحد. فهذه هي حرية القول إني مضطر لأن أقول الحقيقة حتى لأولئك الذين أنتم تعبدونهم.
هناك أناس يقولون “اعطونا لنأكل نحن أيضًا”، وهناك من يقولون “لنملأ دلونا بينما مياه النهر تتدفق”. لقد مر المسلمون باختبار. هل بإمكانكم أن تتخيلوا أن رئاسة الشؤون الدينية كانت من أكثر المؤسسات الحكومية التي يكرهها المنتسبون إلى تيار الإسلام السياسي؟ واليوم نحن أمام تقديس عجيب لهذه المؤسسة… كانت الدولة هي أكثر شيء ينفرون منها، واليوم نحن أمام تقديس غريب للدولة… كان جهاز المخابرات أكثر المؤسسات التي يكرهونها، واليوم يقدسونها تقديسًا عجيبًا. لذا سأسألهم: ما الذي حدث لكم؟ هل نسيتم ما قرأتموه في كتاب “أبو ذر الغفاري” لعلي شريعتي؟
عندما وصلوا إلى السلطة بدؤوا يملأون جيوبهم وخزائنهم بالأموال، كما فعل من كانوا قبلهم. أصبحوا عاجزين عن تطوير أفكار جديدة، لكن عليهم أن يقفوا وقفة مع النفس ليحاسبوا أنفسهم على ما تغير في مبادئهم. لقد أصبحوا جميعًا في حالة من الكبر، أشاهدهم فأجدهم جميعًا كانوا أصدقاء سابقين لي، لكن الحكم غيّرهم. ألم يقولوا إنهم سيدعمون سيادة القانون وليس قانون الأسياد؟
أريد في هذا المقام أن أفرق بين هؤلاء والقاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية. هناك مجموعة من المجانين الذين يحملون أكفانهم، يخيفونني في الواقع، ذلك أنني رأيت القذافي وهذا الفريق في هذه الدنيا الفانية. لقد رأيت هؤلاء الشباب في اجتماع شارك به القذافي يهتفون بقولهم “بالروح بالدم نفديك يازعيم” وما إلى ذلك. لا أقتنع بما يطلقه بعض من كانوا ينتسبون حتى وقت قريب إلى الفكر الماوي مِنْ صيحات يقولون فيها لأردوغان “فداك أبي وأمي”. لأن الصحابة كانوا يقولون هذه العبارة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقولونها في حق أحد إلا بعض المتملقين للحكام في البلدان المستبدة.
ومع أن هناك شرذمة قليلين يفعلون ما ذكرناه، فأنا أؤمن بأن الجماهير الأساسية لحزب العدالة والتنمية ترى وتلاحظ الأخطاء والمظالم التي ارتكبها الحزب. لا يمكن إدارة تركيا وفق أهواء شخص أو أسرته. ولاشك في أن القاعدة الشعبية للحزب ستسأل عن هذا لا محالة، وسنشهد خيرًا مما نعيشه حاليًا.
موقع روتا خبر 14/6/2015