عبد الحميد بيليجي
يا أردوغان إن تركيا التي تحكمها أنت كانت بالنسبة لنا مثالا ومبعثا للأمل من خلال اقتصادها الناجح وحريتها وديمقراطيتها وحداثتها.
وكنا قد أحببناك لإسهامك في هذا النجاح. ولكن الآن غاب ذلك عن تركيا التي باتت دولة يُعتقل فيها الصحفيون، ويُعدُّ المعارضون فيها أعداءً، وتُغيب فيها استقلالية القضاء، ولا يتم التحقيق فيها حول عمليات الفساد. وبذلك لم يعد هناك فرق بينها وبين الدول الديكتاتورية في المنطقة. فأنا أشعر بحيرة وحزن وخيبة أمل كبيرة.
هذه الكلمات ليست لسياسي أو صحفي غربي.
فقد قال هذا الكلام رئيس تحرير إحدى الصحف العربية في المؤتمر الذي عقده الاتحاد العالمي للصحف (WAN-IFRA) في واشنطن والذي ينتسب إليه ألف و600 مؤسسة اعلامية من قارات العالم.
وهذا الاجتماع الذي شارك فيه 900 صحفي على مستوى رؤساء تحرير وأصحاب مؤسسات اعلامية من 75 دولة مختلفة هو خير دليل على أن العالم أصبح يرى بوضوح ما يجري في تركيا من إجراءات وخيمة. وكانت هناك تطورات مهمة ومختلفة في هذا المؤتمر الذي نشارك فيه سنويا بوصفنا من أعضاء مجموعة زمان للنشر. وكان رئيس تحريرنا أكرم دومانلي مدعوًّا لحضور المؤتمر، لكنه لم يتمكن من الحضور لأنه ممنوع من السفر خارج تركيا. ولكنه أجاب عن الأسئلة التي طرحها الاتحاد العالمي للصحف، وشارك في المؤتمر عن طريق تسجيل مصوَّر. فكان هذا الوضع معروفا منذ أشهر عدة.
وقد حدث شيء غريب آخر. حيث تم نشر أخبار حول قرار اعتقال العشرات من الصحفيين من بينهم الكاتبة نازلي إيليجاك وجان دوندار رئيس تحرير صحيفة” جمهوريت”، وبدأ المؤتمر في اليوم الذي نُشرت فيه على الانترنت أخبار حول عملية محتملة ضد المؤسسات الاعلامية الحرة لاقتحامها والحجز عليها. وكما صدمنا بما تعرض له زملاؤنا الصحفيون في إسطنبول من إجراءات تعسفية متوقعة، فقد أصبحت تركيا من المواضيع الرئيسية في المؤتمر. وسألنا الكثير من الصحفيين الغربيين والشرقيين عن أحوالنا. ودعموا حملتنا لجمع التوقيعات، وأخذوا ينشرون أخبارا حول آخر التطورات على الساحة التركية.
وكان قدوم رئيس اتحاد الصحفيين النيجيريين إلى منصة جريدة زمان من اللحظات التي لا تُنسى. وقال إنه باسم الصحفيين النيجيريين ينتقد الضغوط التي تمارس على الصحافة التركية. كما أنه سيثير هذا الموضوع في جلسات المؤتمر، وأخرج ظرفا من حقيبته، فيه رسالة من الاتحاد النيجيري باسم سليمان اوبا لرئيس (WAN-IFRA) توماس برونيجراد. وقد أشار فيها إلى المعاناة التي يعيشها الصحفيون في تركيا.
إذن فالإجراءات التي يتبعها أردوغان وأعوانه ضد الصحفيين لم تعد معروفة فقط للعالم الغربي بل باتت معروفة في أفريقيا واليابان وباكستان والبرازيل ودبي وفي كل مكان. ومن جانبه تطرق الرئيس توماس في كلمته الافتتاحية للمشاكل التي تواجهها الصحافة منتقدا ما يجري في تركيا وقال: “أصبحت تركيا أكبر سجن للصحفيين في العالم”.
وفي هذه الأثناء كان أردوغان يهدد علنا الصحفي جان دوندار الذي نشر بعض الحقائق حول شاحنات المخابرات المحملة بالأسلحة إلى سوريا. ولم يكتف بذلك بل رفع عليه دعوى مطالبا بسجنه مدى الحياة لأنه يعمل في الصحافة. وفي الوقت نفسه وردتنا أخبار برفع دعاوى بحق صاحب المؤسسة الإعلامية البارزة أيدين دوغان.
وقد تم بث التسجيل المرئي لرئيس تحرير زمان أكرم دومانلي في مثل هذه الأجواء التي يجري فيها الحديث عن المشاكل التي تعانيها الصحافة في مختلف أنحاء العالم.
وإن اتهام رئيس أكبر صحيفة تركية (زمان) بتهمة سخيفة وهي تأسيس تنظيم إرهابي مسلح ومحاكمته على هذا الأساس وعدم قدرته بسبب ذلك على حضور المؤتمر مع أنه مدعو بسبب منعه من السفر خارج تركيا، يصور الوضع في تركيا بوضوح تام.
وقال دومانلي معبرا عن الضغوط الممارسة على جميع الشرائح: “كل يوم أخرج من بيتي ولا أعرف ما إن كنت سأعود إليه ولذلك أودع أبنائي عندما أخرج من البيت” وهذه الكلمات قد أثرت في كل الحاضرين في المؤتمر. كما أنه نال عاصفة مدوية من التصفيق حين قال: “نحن جاهزون لدفع أي ثمن من أجل الحرية”.
المشهد في غاية الوضوح: 20 % فقط من العالم يعيش في أجواء ديمقراطية ويعيش الحرية الاعلامية. وما تبقى من العالم يعيش في ظل أنظمة ديكتاتورية أو نصف ديكتاتورية. والسؤال الحرج حول تركيا هو هل سنستمر في كوننا جزءا من العالم الديمقراطي، أم سندخل في منافسة مع كوريا الشمالية وسوريا وإيران وفنزويلا. فموقفنا هو الذي سيحدد الإجابة على سؤال : كم نستحق من الديمقراطية؟.