كثيرون من يسألونني “لأي حزب نعطي أصواتنا في الانتخابات البرلمانية المقبلة؟”. بقي أسبوع على موعد الانتخابات، وعلى المواطن أن يتخذ قراره؛ إذ ينبغي له أن يختار حزبًا لمنحه صوته. الخيارات كثيرة، ويمكن إيجاد حزب يمثل كل رأي سياسي على الساحة.
لدى الصحفيين عادة “الإعلان عمّن سيمنحونهم أصواتهم”، كانوا على الأقل يعلنون توجهاتهم للناس. أفكارهم معروفة بالفعل، ولهذا لا يجب أن يشيروا إلى حزب بعينه.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]خرج الحزب إلى الساحة السياسية زاعمًا أنه سيحقق العدل، وأنه سيقضي على ظلم انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997. غير أن العدل تلقى أقسى ضربة بعد 13 عامًا من حكم الحزب، وتحولت تركيا إلى سجن مفتوح.[/box][/one_third]لا يخفى على أحد أني كنت من الذين ينظرون إلى حزب العدالة والتنمية بتعاطف. لكن هذا الحزب الذي كنت أنظر إليه بتعاطف لم يعد موجودًا الآن؛ إذ أنه أنهى حياته السياسية. ألم يقل رئيس الحزب أحمد داوداوغلو “سفينة نوح”… كان كذلك عندما أسس للمرة الأولى. كان يضم ممثلًا من كل طيف سياسي، بدءًا من كوكسال توبتان إلى أركان مومجو وأرطغرول جوناي. غير أن هذه المهمة انتهت منذ زمن بعيد. فقدت مزحة “سفينة نوح” متعتها، وتحول الحزب حاليًا إلى “سفينة تيتانك” التي تسير نحو الكارثة وهي تجر تركيا بأكملها إليها…
خرج الحزب إلى الساحة السياسية زاعمًا أنه سيحقق العدل، وأنه سيقضي على ظلم انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997. غير أن العدل تلقى أقسى ضربة بعد 13 عامًا من حكم الحزب، وتحولت تركيا إلى سجن مفتوح. هل تريدون مثالًا على ذلك؟ هناك أمثلة كثيرة، أذكر مثلًا مصادرة ممتلكات بنك آسيا. قمة الظلم. علقوا العمل بالدستور والقوانين والقواعد. ولو طبقوا المعايير نفسها على سائر المصارف الأخرى فلن يبقى باب مصرف إلا وسيغلق.
كان نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الملف الاقتصادي علي باباجان يعتبر من الأسماء القليلة التي لم تتلوث يداها في الحزب. غير أنه أضحى مصمم الظلم وجزءًا منه بأمر سادته. كان بإمكانه المقاومة، وإن لم يكن كذلك كان بإمكانه أن ينسحب بشرف، إلا أنه وضع نقطة سوداء كبيرة في سجله.
إن الاعتداء على بنك آسيا قضى على عدل حزب العدالة والتنمية وتنميته. فهو خيانة للاقتصاد والعدل والتنمية وتركيا. ويا ليت مرتكبي هذه الواقعة كانوا فقط هم الذين سيدفعون ثمن هذا، بل الجميع سيدفع ثمن هذا غاليًا…
لقد أصبح حزب العدالة والتنمية رهينة في يد اليساريين المتشددين وبعض القوى الأخرى من أمثال دوغو برنتشيك. كانت بدايات العدالة والتنمية جيدة، وواصل على هذا المنوال برهة من الزمن ثم زلت قدمه بعد ثبوتها، وذهب أدراج الرياح.
كنت قد تناولت في مقالات سابقة كتبتها في هذا المكان الآراء النقدية لمسؤولي حزب العدالة والتنمية لم أذكر أسماءهم. جميعها حقيقة مطابقة لما في الواقع. هل تسألون لماذا لا يرغبون في ذكر أسمائهم؟ لأنهم يخافون، لأن العقاب كبير. فقال أحدهم على سبيل المثال لا الحصر: “فزنا بجميع الانتخابات لكن خسرنا قلوب الناس. لقد أصبحتُ غير قادر حتى أن أشرب الشاي مع أصدقائي. فلو ربحنا الانتخابات ماذا سيفيد ذلك؟ لقد بدأت أنفر من السياسة”.
خرجت الكلمات التالية قبل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع من فم مسؤول آخر داخل الحزب تولى مناصب رفيعة للغاية: “لقد خسرنا قضيتنا. فماذا هي أهمية الانتخابات؟ لقد انتهت إسلاميتنا وديمقراطيتنا… لم تكتفِ السلطة بإفسادنا، بل إنها لوّثتنا كثيرًا. فهناك عدد كبير من الشعب ينظر إلينا على أننا لصوص”. كان هذا نقدًا ذاتيًا حقيقيًا.
قابلت أحدهم قبل أيام، كان يتألم، تحدث لوقت طويل عما كانت عليه تركيا قبل انقلاب عام 1980. أوضح أنه دخل السجن في قضية الفدائيين. كان يسأل دائمًا “ماذا حدث لنا؟”. أقسم أنه قال بالحرف الواحد: “هذه القضية لا علاقة لها بجماعة الخدمة، بل إن زملاءنا أعلنوا الحرب على الإسلام”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن حزب العدالة والتنمية يبدو من الخارج كشجرة الدلب ذات أغصان متفرقة، لكن قلبها فاسد. فهيكلها دخله ذئب. فلا تنخدعوا بمظهر تلك الشجرة؛ إذ إنها صامدة بشق الأنفس. ربما تواصل صمودها لفترة بواسطة المساعدات الجانبية، لكن هذا لن يستمر كثيرًا، فستسقط مع أول رياح تهب.[/box][/one_third]لن أستطيع أن أنسى الكلمات التي قالها أحد النواب البرلمانيين عن حزب العدالة والتنمية سمع وصف داوداوغلو لحركة الخدمة بـ”الورم الخبيث” إذ قال وعيناه مغرورقتان بالدموع: “كان فورال صاواش أحد الرؤساء السابقين للمحكمة العليا المعروف بتوجهاته العلمانية المتطرفة وصف حزبنا بذلك من قبل! انظروا إلى الحال الذي أصبحنا عليه!”.
لست وحدي من يشعر بالألم من حال حزب العدالة والتنمية. فالأغلبية الساحقة من أنصار الحزب يشعرون بالإحساس نفسه في الواقع. فمنبع هذا الظلم قلة قليلة من مسؤولي الحزب الذي أصبح حزبًا لا يستطيع شخصية كعبد الله جول أن يمارس من خلاله عمله السياسي.
نعم، لا يزال الحزب كبيرًا إلى هذه اللحظة، فأنا لا أقول إنه لا يمكن لداوداوغلو أن يكون رئيسًا للوزراء، بل أقول “ماذا سيحدث لو كسب الانتخابات بعدما فقد قضيته وخسر روحه؟” غير المزيد من الظلم والفساد.
إن حزب العدالة والتنمية يبدو من الخارج كشجرة الدلب ذات أغصان متفرقة، لكن قلبها فاسد. فهيكلها دخله ذئب. فلا تنخدعوا بمظهر تلك الشجرة؛ إذ إنها صامدة بشق الأنفس. ربما تواصل صمودها لفترة بواسطة المساعدات الجانبية، لكن هذا لن يستمر كثيرًا، فستسقط مع أول رياح تهب.
لقد نظرت بتعاطف إلى حزب عبد الله جول وبولنت آرينتش، لكن لم أفعل الأمر نفسه مع حزب أفكان آلا وأوزان جيحون ومحمود أوزر…
جريدة زمان 31/5/2015